النفط بـ 50 دولاراً.. هل هذا حقاً في مصلحة الاقتصاد الأمريكي؟

توم ويلسون - جيمي سميث، مالكولم مور - أماندا تشو

أعربت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رغبتها في خفض أسعار النفط الخام إلى 50 دولاراً للبرميل أو أقل، لكن هذا قد يقوض صناعة النفط المحلية التي تسعى الإدارة لتوسيعها، ما يحد الفوائد المرجوة للمستهلكين.

وخلال حملته الانتخابية، أشار الرئيس ترامب إلى أسعار البنزين المنخفضة التي بلغت 1.87 دولار للغالون، ما يعادل نحو 20 دولاراً لبرميل النفط الخام، ووصفها بأنها «مثالية ورائعة».

واحتدم النقاش حول سعر النفط الذي يسعى إليه الرئيس الأمريكي خلال الأسبوع المنصرم، عقب تصريحات أدلى بها بيتر نافارو، أحد مستشاريه التجاريين، مشيراً إلى أن انخفاض سعر النفط إلى 50 دولاراً للبرميل، من شأنه أن يسهم في الحد من التضخم.

وانخفض سعر خام برنت، وهو المؤشر المرجعي العالمي، إلى 68 دولاراً للبرميل خلال الأسبوع الماضي، مسجلاً أدنى مستوياته منذ 3 سنوات، وذلك عقب تأكيد مجموعة «أوبك بلس» خططها الرامية إلى زيادة الإنتاج بصورة تدريجية.

وأعرب محللون عن قلقهم من أن انخفاضاً أكثر حدة قد يجعل من شبه المستحيل على الإدارة تحقيق هدف آخر من أهدافها، وهو زيادة إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة بمقدار 3 ملايين برميل من النفط، أو ما يعادله يومياً، بحلول عام 2028.

وقال كلاوديو غاليمبرتي كبير الاقتصاديين في «ريستاد إنرجي»: «إن سعر 50 دولاراً للبرميل سيلحق ضرراً بالولايات المتحدة يفوق المنافع التي ستجنيها، ومن المؤكد أنه لن يتيح لها زيادة إنتاجها النفطي، وهو ما يرغب الرئيس ترامب أيضاً في تحقيقه. إن الهدفين غير متوافقين».

تجدر الإشارة إلى أن آخر مرة انخفض فيها سعر خام برنت إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل كانت في نوفمبر 2020 خلال جائحة «كورونا».

ولم تشهد أسعار البنزين في الولايات المتحدة انخفاضاً إلى مستوى 1.87 دولار للغالون منذ مايو 2020.

وصرح وزير الطاقة الأمريكي، كريس رايت، للصحافيين، خلال الأسبوع الماضي، بأن الإدارة لا تستهدف سعراً محدداً للنفط الخام، غير أنه أكد مجدداً على تصريحاته السابقة لصحيفة فاينانشال تايمز، بأنه من خلال تخفيف القيود التنظيمية والعوائق الأخرى التي تعترض الإنتاج، ستتمكن شركات النفط الأمريكية من زيادة إنتاجها، حتى في ظل انخفاض الأسعار إلى مستوى 50 دولاراً.

وأوضح أن الهدف يتمثل في «تشجيع الاستثمارات الرأسمالية، وتيسير إنشاء البنية التحتية، وبالتالي، خفض التكاليف المرتبطة باتخاذ قرارات حفر آبار النفط والغاز وزيادة الإمدادات»، مضيفاً أن زيادة الإمدادات ستفضي إلى انخفاض الأسعار، وإتاحة المزيد من الفرص.

ولقد شهدت تداعيات انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد الأمريكي تحولاً خلال العقد الماضي، نتيجة للتوسع الهائل في إنتاج النفط الصخري.

وقد بلغ إنتاج الولايات المتحدة من النفط أكثر من 13 مليون برميل يومياً خلال العام الماضي، مقارنة بـ 6 ملايين برميل عام 2012، ما أدى إلى تحولها إلى أكبر منتج ومصدر صاف للنفط على الصعيد العالمي.

وفي حين كانت الأسعار المنخفضة للنفط تعد في السابق عاملاً إيجابياً للاقتصاد الأمريكي من الناحية التاريخية، فإنها اليوم ستؤدي إلى تقليص الإيرادات في القطاع النفطي، رغم أنها ستخفض التكاليف بالنسبة للمستهلكين.

وتشير تقديرات شركة «إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس»، إلى أن متوسط سعر التعادل لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة لهذا العام، يبلغ 45 دولاراً للبرميل.

وقد أفاد عديد من المحللين والمسؤولين في قطاع النفط، بأن عدداً كبيراً من منتجي النفط الصخري الأمريكيين لن يحققوا أرباحاً عند سعر 50 دولاراً للبرميل، ما يحول دون توسيع نطاق الإنتاج الأمريكي.

وأفاد بول هورسنيل رئيس أبحاث السلع الأساسية في «ستاندرد تشارترد»، بأن خام النفط بسعر 50 دولاراً للبرميل «سيبدو بمثابة انتصار ذي تكلفة باهظة».

وأضاف: «قد تظل الجدوى الاقتصادية للنفط الصخري قائمة في بعض المناطق الصغيرة من حوضي ديلاوير وميدلاند، غير أن المناطق المتبقية، بما فيها أوكلاهوما وروكيز وباكن وجنوب تكساس، ستواجه صعوبات في مواصلة العمل».

وفي مقاطعة دان في حوض باكن بولاية داكوتا الشمالية، التي تستمد الجزء الأكبر من ميزانيتها من ضريبة الإنتاج المفروضة على منتجي النفط، صوت 84 % من السكان لصالح الرئيس ترامب.

وقالت تريسي دوليزال، مفوضة مقاطعة دان: «إنه أمر مناقض للمنطق. سنشهد تباطؤاً في النشاط... ما سيؤثر في الإيرادات».

وأشار مارتين راتس، استراتيجي النفط العالمي في «مورجان ستانلي»، إلى أن الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس ترامب على واردات المواد الأساسية، بما في ذلك الألمنيوم والصلب، تؤدي أيضاً إلى ارتفاع التكاليف بالنسبة لمنتجي النفط، في الوقت الذي تطلب فيه إدارته منهم «مزيداً من الحفر»، مؤكداً أن هذه العوامل ترفع نقطة التعادل ولا تخفضها.

وذكر سكوت شيفيلد، أحد رواد ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة، أن النفط بسعر 50 دولاراً يضطر منتجي النفط الصخري الأمريكيين إلى خفض الإنتاج، ما يتيح لدول أخرى، خاصة الدول الأعضاء في منظمة أوبك، زيادة حصتها في السوق، ورفع الأسعار في مرحلة لاحقة.

وأضاف: «سيؤدي ذلك إلى منح منظمة أوبك والسعودية قدراً أكبر من السيطرة بحلول عام 2030، ما يتيح لهما زيادة حصتهما في السوق بشكل ملحوظ. وأعتقد أنهم لم يدرسوا التداعيات بصورة متأنية. إن هذا الأمر يصب في مصلحة المستهلك، غير أنه سيكون ضاراً للغاية بقطاع الطاقة الأمريكي».

ومن المتوقع أن يواصل ترامب دعواته إلى مجموعة «أوبك بلس» لزيادة الإنتاج بوتيرة أسرع، بيد أنه من غير المرجح أن يسمح الكارتل بانخفاض الأسعار إلى مستوى 50 دولاراً للبرميل، دون أن يتخذ إجراءات للتدخل.

وقال غاليمبرتي: «إن سعر 50 دولاراً للبرميل، سيمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لهم»، مضيفاً أن مجموعة أوبك بلس، بقيادة السعودية وروسيا، قد أعلنت أنه بإمكانها تعليق وعكس زيادات الإنتاج في أي وقت.

وتجدر الإشارة إلى أن السعودية تحتاج إلى سعر نفط يقارب 100 دولار للبرميل، لتحقيق التوازن في ميزانيتها، وفقاً لصندوق النقد الدولي، في حين تعتمد روسيا على الإيرادات المتأتية من صادرات النفط لتمويل حربها في أوكرانيا.

وقد قدم رايت دعمه الكامل للصناعة في أكبر تجمع سنوي لكبار المسؤولين في قطاع النفط الأمريكي في هيوستن خلال الأسبوع الماري. وقال: «نحتاج إلى المزيد من الطاقة. الكثير من الطاقة».

وقد حظي هذا الخطاب باستقبال حماسي، غير أن المسؤولين التنفيذيين، في الخفاء، أقل اقتناعاً بكثير، إذ يساورهم القلق إزاء وضع سياسات غير متوقعة، ورغبة إدارة الرئيس ترامب الظاهرة في خفض سعر منتجهم بشكل حاد.

وذكر أحد الأشخاص الذين حضروا مأدبة عشاء في الليلة السابقة بحضور رايت وكبار المديرين التنفيذيين، أن نصف الحاضرين في القاعة كانوا يهتفون، والنصف الآخر كان صامتاً، مؤكداً أن الأشخاص الذين لا يرتاحون لهذا التوجه، يشعرون بخوف شديد من التعبير عن آرائهم في الوقت الراهن.