المنافسة تدفع أوروبا لمراجعة التزاماتها البيئية

ريتشارد ميلن

هل بدأت أوروبا تفقد أعصابها في عملية التحول الأخضر؟ أثار سيل من المبادرات من بروكسل في الأسابيع الأخيرة تساؤلات لدى كثيرين في مجالس إدارة الشركات الأوروبية، حول ما إذا كانت جهود القارة لقيادة «التصنيع الأخضر» في خطر.

بدأت الشكوك بـ«اتفاق الصناعة النظيفة»، الذي يهدف لدعم بعض أكبر الجهات الملوثة في أوروبا، وفي الوقت نفسه، الالتزام بأهداف الاتحاد الأوروبي البيئية. ثم بعد أقل من أسبوع، جاء تخفيف حدة قواعد انبعاثات سيارات محركات الاحتراق الداخلي، التي صممت لتسريع تبنّي المركبات الكهربائية. جاءت هذه التحركات، في الوقت الذي تسحب فيه دعمها لعديد من المشاريع الخضراء.

كان خط هجوم الصناعات الثقيلة على القواعد الأوروبية الخضراء ثابتاً. قالت كارين ماكي رئيسة قسم حلول المنتجات في شركة «إكسون موبيل» الأمريكية العملاقة للنفط، الشهر الماضي: «نحن نحقق إزالة الكربون في أوروبا، عبر إلغاء التصنيع».

أما السير جيم راتكليف رئيس مجموعة «إينيوس» للكيماويات، فقد صرح أواخر العام الماضي، بأن مشروع احتجاز الكربون الجديد الذي تعمل عليه الشركة، يمثل «طريقة أفضل بكثير لإزالة الكربون من أوروبا، مقارنةً بإلغاء التصنيع»، مضيفاً: «لكن ذلك لا يحل المشكلة، بل ينقلها إلى مكان آخر، كما يؤدي إلى تدمير الوظائف».

إنه خط هجوم فعال على صناع القرار القلقين بشأن التحديات الجسيمة التي تواجه القدرة التنافسية لأوروبا، بما في ذلك قطاعها الحيوي لصناعة السيارات. لكن يجب على السياسيين التأكد من أنهم لا يخلقون مشكلات جديدة، وربما أكبر، خلال محاولتهم حل هذه الأزمة.

خذ على سبيل المثال، قرار تخفيف قواعد الانبعاثات. فقد ضغط العديد من مصنعي السيارات على بروكسل لتخفيف القواعد التي تم الاتفاق عليها قبل 6 سنوات، التي تلزم السيارات والشاحنات الخفيفة بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 15 %، مقارنة بمستويات عام 2021. ووسط تباطؤ مبيعات السيارات الكهربائية، حذر قطاع السيارات الأوروبي من أن الشركات كانت ستواجه غرامات تصل إلى 16 مليار يورو هذا العام، إذا لم يتم تأجيل تنفيذ القواعد. لكن المنافسة، خاصة في الصين، لا تتوقف. وإذا كان المستقبل كهربائياً، فليس من الواضح ما إذا كان منح شركات صناعة السيارات الأوروبية وقتاً أطول، سيساعدها على أن تظل في المنافسة على المدى الطويل.

جيم روان الرئيس التنفيذي لشركة «فولفو كارز» السويدية الفاخرة، المملوكة لمجموعة «جيلي» الصينية، كان شديد الانتقاد لتغيير المفوضية الأوروبية سياستها في هذا الشأن. وقال: «إنه قرار سيئ للغاية من الاتحاد الأوروبي. إنه يدمر الثقة».. الجميع كان على دراية بالقواعد، والجميع كان يعلم ما هو مطلوب».

أما «اتفاق الصناعة النظيفة»، فهو مسألة أكثر تعقيداً، لأسباب أقلها تعقيد الحزمة نفسها. وأصرت المفوضية الأوروبية على التزامها بأهدافها السابقة في «الصفقة الخضراء»، التي خصصت نحو 100 مليار يورو لدعم التصنيع النظيف. لكن الاقتراح كان يهدف أيضاً إلى تخفيف الضغوط عن الصناعات الثقيلة، عبر تخفيف بعض أهداف المناخ، إضافة إلى محاولة اتخاذ إجراءات بشأن أسعار الطاقة.

ولا تزال شركات عديدة تحاول استيعاب كيفية تأثير هذه الخطط فيها، سواء للأفضل أو للأسوأ. وكما هو الحال مع انبعاثات السيارات، يخشى كثيرون أن تكون النتيجة النهائية، هي إبطاء التحول الأخضر، في الوقت الذي يتسارع فيه المنافسون في الصين. ويقول هوكان أغنيفال الرئيس التنفيذي لمجموعة «فارتسيلا» الهندسية الفنلندية: «أنا أؤيد تماماً من يقول إن التغيير بطيء للغاية. حالياً، هناك انتكاسات وتباطؤ، لكن إذا نظرنا إلى الصورة الكبرى، فإن الوضع أكثر إيجابية. نحن نبني مصادر طاقة متجددة أكثر من أي وقت مضى».

لكن حتى بين الشركات التي تسعى جاهدة لتحقيق الاستدامة والطاقة النظيفة، هناك قناعة بأن على أوروبا أن تعتمد أسلوب التحفيز أكثر من العقوبات في نهجها.

قال كيم فوزينغ الرئيس التنفيذي لمجموعة «دانفوس» الصناعية الدنماركية العائلية: «نحن لا نريد تفكيك الصناعة في أوروبا، بل نرغب في رؤية المزيد من ريادة الأعمال الصناعية هنا. لا نريد فرض غرامات ومعاقبة الشركات، بل نريد تشجيعها».

ويؤكد أن «الاستدامة تجعلنا أكثر تنافسية»، من خلال خفض استهلاك الطاقة وزيادة الإنتاجية.

المشكلة التي يواجهها صناع القرار، هي أنه إذا كانوا يريدون المضي قدماً في التحول الأخضر بسرعة، فعليهم على الأرجح أن يحذوا حذو الصين، ويقدموا دعماً مالياً مكثفاً لهذا التحول. وقد سلط رفض الحكومة السويدية دعم شركة «نورثفولت»، التي تعد الأمل الأكبر لأوروبا في صناعة البطاريات، بأموال عامة، في الوقت الذي كانت فيه كندا وألمانيا مستعدتين لذلك، الضوء على هذه المعضلة.

وقال أحد كبار الصناعيين: «التحول الأخضر سيحدث، في أوروبا أيضاً، لكنه قد لا يشمل العديد من الشركات الأوروبية، إذا لم نكن حذرين». إن نجاح صناع القرار الأوروبيين في الموازنة بين حماية الصناعة، وتعزيز النمو، واتخاذ إجراءات لمواجهة التغير المناخي، يصبح أكثر صعوبة مع مرور الوقت.