«ديب سيك» تخالف مسار «وادي السيليكون» وتركز على الأبحاث بدلاً من الإيرادات

زيجينج وو

تميل شركة «ديب سيك» الصينية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي إلى التركيز على الأبحاث بدلاً من السعي وراء الإيرادات، وذلك بعد أن قرر مؤسسها عدم اتباع نهج منافسيها في وادي السيليكون بتحقيق أكبر استفادة من الارتفاع المفاجئ في المبيعات. وشهدت الشركة، التي تتخذ من هانغتشو مقراً لها، والتي يقودها ملياردير صناديق التحوط ليانغ وينفنغ، ارتفاعاً ملحوظاً في خدماتها من خلال موقعها الإلكتروني وتطبيقها المجانيين، وكذلك من عملاء الأعمال. وفي الشهر الماضي، كانت الإيرادات كافية لتغطية التكاليف الجارية لأول مرة، وفقاً لمصدرين مطلعين.

وازداد الاهتمام بالشركة منذ يناير بعد إصدار نموذجها الاستدلالي منخفض التكلفة R1، والذي يتميز بأداء مماثل للمنافسين الأمريكيين والصينيين، ولكنه مبني على ميزانية أصغر بكثير. واشترى العملاء، وخاصة من قطاعات مثل الرعاية الصحية والتمويل، واجهة برمجة التطبيقات، للوصول إلى نموذجي «آر 1» و«في 3» من الشركة، وكان الطلب قوياً لدرجة أن الشركة الناشئة اضطرت إلى تعليق مثل هذه الخدمات مؤقتاً بسبب نقص الموارد التي خصصتها لأغراض غير بحثية.

وقال مُطلعون إن ليانغ لم يُبدِ نيةً تُذكر لاستغلال شهرة «ديب سيك» المُفاجئة لتسويق تقنيتها تجارياً على المدى القريب. وبدلاً من ذلك، تُركز الشركة مُعظم مواردها على تطوير النماذج والسعي لبناء ذكاء اصطناعي عام - آلات بقدرات معرفية تُضاهي قدرات البشر. وأضاف هؤلاء أن المؤسس الثري المُستقل رفض أيضاً مُناقشة اهتمام شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة، بالإضافة إلى صناديق رأس المال المُغامر والصناديق الحكومية، بالاستثمار في المجموعة في الوقت الحالي، بل وجد الكثيرون صعوبةً في ترتيب لقاء مع المؤسس المُنعزل.

وقال أحد المُستثمرين في صندوق استثمار تكنولوجي صيني بمليارات الدولارات: «لقد استعنا بعلاقات حكومية رفيعة المستوى، ولم نتمكن إلا من الجلوس مع شخص من القسم المالي بالشركة، والذي قال: «نعتذر عن عدم جمع التمويل»، ما يعني أنهم غير مُهتمين بتوسيع نطاق أعمالهم في الوقت الحالي. وإنها حالة نادرة أن يكون المؤسس ثرياً ومُلتزماً بما يكفي للحفاظ على هيكلية مُرنة، على غرار جنود البحرية الأمريكية، في سعيه نحو الذكاء الاصطناعي العام».

وكان ظهور «ديب سيك» أثار اضطراباً في الأسواق بسبب الشكوك حول ما إذا كانت مجموعات التكنولوجيا الأمريكية مثل جوجل و«أوبن أيه آي» قادرة على الحفاظ على تفوقها التقني، فضلاً عن تسويق منطق خطط الإنفاق الضخمة على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي التي وضعتها مجموعات التكنولوجيا الكبرى.

كما أن نهجها يتناقض بشكل كبير مع العديد من الشركات الناشئة في وادي السيليكون. فقد استفادت «أوبن أيه آي» من ريادتها المبكرة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي لبناء أعمال استهلاكية هائلة حول «تشات جي بي تي»، محققةً إيرادات كبيرة من بيع واجهة برمجة التطبيقات الخاصة بها.

وجمعت الشركة، التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها، حوالي 20 مليار دولار في جولات تمويل متعددة منذ عام 2019، وتجري محادثات مع مستثمرين بقيادة «سوفت بنك» لجمع 40 مليار دولار إضافية على أساس تقييم للشركة يبلغ 260 مليار دولار. وتفرض الشركة رسوماً على كل من العملاء من الشركات والمستهلكين الأفراد الذين يستخدمون نماذجها المغلقة المختلفة. ويبلغ عدد موظفي «ديب سيك» حالياً حوالي 160 موظفاً، وفقاً لشخص مطلع على الأمر، فيما يعمل لدى «أوبن أيه آي» ما يزيد على 2000 موظف.

ويساعد افتقار «ديب سيك» للطموح التجاري شركات التكنولوجيا مثل علي بابا و«تنسينت» على كسب عملاء من الشركات في الصين بفضل بنيتها التحتية وخدماتها الأكثر نضجاً، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت مصادر إيرادات الشركة الناشئة ستبقى مستدامة. وشهدت «تنسينت» تضاعف مبيعات واجهات برمجة التطبيقات الخاصة بها بعد أن بدأت في تبني نماذج «ديب سيك» مفتوحة المصدر، وفقاً لمصدر آخر مطلع بشكل مباشر على الأمر.

وحاول نحو نصف عملاء السحابة لديها، ومعظمهم من الحكومة والقطاع المالي، استخدام نماذج «ديب سيك»، و20 % منهم يطلبون تخصيص إصداراتهم المحلية بدعم من «تنسينت». وساهم عدم قيام «ديب سيك» بالترويج لمنتجها الخاص المُوجّه للسوق العام، على غرار «تشات جي بي تي» من «أوبن ايه آي»، في قرار تنسينت بتبني نماذج الشركة الناشئة، ليس فقط على منصتها السحابية، بل أيضاً على تطبيقاتها الشائعة الموجهة للمستهلكين.

واشترى ليانغ، الملياردير الذي أسس أحد الصناديق الرائدة في الصين، وهو صندوق هاي فلاير، حوالي 10,000 شريحة H800 و10,000 شريحة A100 خلال السنوات القليلة الماضية، وفقاً لشخص مطلع على الأمر. وقد تم الحصول على المعالجات قبل حظرها لاحقاً في الصين. وقال الشخص المطلع إن «ديب سيك» ستعتمد بشكل أساسي على مزودي خدمات خارجيين لتلبية الطلب المستقبلي الذي يتجاوز قدرتها الحالية.

وقد حظيت «ديب سيك» بدعم من بكين، حيث تعتمد الحكومة على الذكاء الاصطناعي لتحفيز النمو في اقتصادها المتباطئ. وقد حصلت الشركة الناشئة على إمكانية الوصول إلى مراكز البيانات الممولة من الدولة، مما خفف من قيود الحوسبة لديها. وعلى المدى الطويل، قد تجد «ديب سيك» أن الوصول المحدود إلى الجيل الجديد من شرائح إنفيديا الأكثر تقدماً يمثل عقبة محتملة، لذلك، تدرس شراكات مستقبلية يمكن أن تساعد في حل هذه المشكلة. وقد تضطر أيضاً إلى الانفتاح على الصناديق المدعومة من الدولة في مرحلة ما، لكسب المزيد من الدعم السياسي.

يبذل مهندسو الشركة الناشئة قصارى جهدهم لإطلاق طرازي «آر 2» و«في 4»، كما هو مقرر في مايو، لكن قد يتم تسريع ذلك للحفاظ على زخم الشركة. وقال مراقبون إنه ينبغي على الشركات التركيز على الإنجازات الواعدة بدلاً من الربح، لأن «طالب المرحلة الثانوية لا يستطيع جني الكثير من المال، بينما إذا درّبته ليصبح حاصلاً على درجة الدكتوراه، فسيتمكن من جني الكثير».