يبدو واضحاً أن تباطؤ الاقتصاد وانخفاض أسعار الأسهم لم يثن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن المضي قدماً في تنفيذ أجندته الاقتصادية، فبالإضافة إلى وعده بشراء سيارة تسلا لدعم أسهم شركة إيلون ماسك التي تواجه تراجعاً حاداً، يصر ترامب على مضاعفة الرهان على سياساته. وعندما سُئل عن الاضطرابات الاقتصادية والسوقية، وصف ترامب - الذي يلقب نفسه بـ «رجل التعريفات الجمركية»- الوضع الحالي بأنه «فترة انتقالية»، وقلل من تأثير هذه الاضطرابات، معتبراً إياها مرحلة ضرورية لتحقيق هدفه المعلن بـ«إعادة الثروة إلى أمريكا».
ووصف وزير الخزانة سكوت بيسنت هذه المرحلة بأنها «فترة تطهير». وقد أدت عملية التطهير هذه، حتى الآن، إلى إثارة مخاوف من حدوث ركود تضخمي، وتسببت في خسائر بقيمة 5 تريليونات دولار من مؤشر «إس آند بي 500»، كما أضعفت مكانة البلاد في أوساط المستثمرين العالميين.
وقد تكون المعاناة قصيرة الأجل أكثر قابلية للتحمل إذا كانت الوسائل والغايات مفهومة. و إذا كان الهدف الأساسي، مهما كان غير محدد، هو «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، فإن مجموعة التدابير الاقتصادية غير المتجانسة التي تم طرحها حتى الآن تفتقر إلى أي نظرية متماسكة للتغيير لتحقيق هذا الهدف.
وبالنظر إلى خطة الرئيس ترامب المحورية لإعادة بناء الحاجز الجمركي الذي أقامه الرئيس الخامس والعشرون ويليام ماكينلي حول الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الفكرة تتمثل في حث الشركات الأجنبية على إقامة مصانع داخل البلاد، وتشجيع إحياء وظائف التصنيع، واستخدام عائدات الرسوم المفروضة على الواردات لخفض الضرائب. لكن هذه الأهداف متناقضة، إذ أنه في حال انتقال المزيد من الإنتاج إلى الولايات المتحدة، ستتراجع إيرادات التعريفات الجمركية.
وبالنسبة إلى ما يُسمى بوزارة الكفاءة الحكومية التي يقودها إيلون ماسك، فإنه على الرغم من أن الحد من الإفراط البيروقراطي يُعد هدفاً جديراً بالاهتمام، إلا أن هذه الإدارة تقوض جهودها الخاصة، حيث قامت مؤخراً، على سبيل المثال، بإنهاء خدمات فريق مسؤول عن استخدام التكنولوجيا لتبسيط الخدمات العامة. كما أن خطة تخفيض عدد موظفي مصلحة الإيرادات الداخلية بما يصل إلى النصف من شأنها أيضاً إضعاف عملية تحصيل الضرائب.
علاوة على ذلك، يرغب الرئيس ترامب في أن يقوم قطاع النفط الصخري الأمريكي بـ«مزيد من الحفر». غير أن فريقه أشار أيضاً إلى رغبة في رؤية انخفاض أسعار النفط الخام لدعم المستهلكين، ربما إلى 50 دولاراً للبرميل أو أقل، وهو ما سيكون غير مجدٍ اقتصادياً للمنتجين الأمريكيين.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن حالة عدم اليقين الاقتصادي، و التعريفات الجمركية المتقطعة، لا تُعد وسيلة لتشجيع الابتكار أو الازدهار الصناعي الأوسع الذي تسعى إليه الإدارة. ويمثل احتياطي البيتكوين الاستراتيجي للرئيس ترامب - وهو أصل متقلب بطبيعته، مع غياب المنفعة الواضحة - مصدراً آخر للحيرة.
وأخيراً، هناك الجهود المزعومة لإضعاف الدولار - ربما من خلال ما يُطلق عليه «اتفاق مارالاغو»- للمساعدة في تحويل الولايات المتحدة الأمريكية إلى قوة صناعية تصديرية. ولن يكون أي اتفاق عالمي قابلاً للتنفيذ، إذا شعر الشركاء التجاريون الرئيسيون بالاستياء من تهديدات الرئيس ترامب بفرض التعريفات الجمركية. كما لا يبدو أن جميع أعضاء الإدارة متفقون على نفس النهج، فقد شدد بيسنت مؤخراً على أن سياسة وزارة الخزانة المتعلقة بالدولار القوي لا تزال سارية.
فما الذي يمكن للمستثمرين والشركات استنتاجه من جميع هذه المعطيات؟ أحد الاستنتاجات هو أن افتراض أن هذه الإدارة ستعمل بطريقة متماسكة يُعد سوء تقدير جسيم. ويتساءل البعض عمّا إذا كانت حالة الفوضى تشكل جزءاً من خطة كبرى مدروسة لإعادة هيكلة الاقتصاد الأمريكي ومكانته في النظام العالمي. وفي كلتا الحالتين، فإن النتيجة النهائية هي فقدان الثقة الاقتصادية. بل إنه حتى وعد التخفيضات الضريبية وتخفيف القيود التنظيمية بدأ يفقد جاذبيته وسط حالة عدم اليقين هذه.
وقد يستمر الرئيس ترامب في تصوير ضعف الاقتصاد وتراجع الأسواق كجزء من تحول ضروري لتحقيق المصلحة العليا للولايات المتحدة الأمريكية، غير أنه كلما طالت الفترة التي تظل فيها أساليبه غير واضحة، وتزايدت التكاليف على الأسر والشركات والمستثمرين، كلما بات من الصعب تسويق هذه الفكرة. وبدلاً من أن يكون الوضع الحالي بمثابة تضحيات آنية تمهيداً لمستقبل اقتصادي أكثر إشراقاً، يبدو أن الولايات المتحدة بصدد التخلي عن نموذجها الاقتصادي التقليدي لمصلحة رؤية غير محددة الملامح، تفتقر إلى الواقعية.