المستهلكون الأمريكيون يقلصون الإنفاق مع تزايد المخاوف الاقتصادية

غريغوري ماير

أدى فرض الرئيس دونالد ترامب لرسوم جمركية والتقلبات السوقية، إلى تقويض ثقة المستهلكين الأمريكيين، الذين بدأوا بتقليل إنفاقهم، الأمر الذي يهدد أحد أهم محركات الاقتصاد الأمريكي.

ورغم إعلان العديد من تجار التجزئة عن تحقيق مبيعات قياسية في نهاية العام الماضي، إلا أنهم حذروا من تباطؤ النمو المتوقع في عام 2025، وهو ما تؤكده المؤشرات الحالية. فقد شهدت المتاجر الأمريكية تراجعاً في الإقبال بنسبة 4.3 % على أساس سنوي، خلال أوائل شهر مارس، وفقاً لشركة «ريتيل نكست» الاستشارية، ما يعمق من الانخفاضات التي بدأت منذ بداية العام. كما سجلت شركة «بلاسر إيه آي»، التي ترصد تحركات المستهلكين عبر بيانات هواتفهم المحمولة، انخفاضاً في زيارات المتاجر الكبرى، مثل «وول مارت» و«تارجت» و«بست باي» خلال الأسابيع الأخيرة.

وأظهر مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميشيغن انخفاضاً للشهر الثالث على التوالي، مسجلاً أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2022، وأظهر الاستطلاع أيضاً ارتفاع توقعات التضخم. وفي ظل هذه التحديات، رفض ترامب استبعاد احتمال حدوث ركود اقتصادي، بينما أدى الاضطراب الأخير في أسواق الأسهم إلى تراجع قيمة المحافظ الاستثمارية للأمريكيين الأكثر ثراءً، الذين يمثلون قوة رئيسة في الإنفاق الاستهلاكي.

وقال مارشال كوهين كبير محللي قطاع التجزئة في شركة سيركانا، التي تجمع بيانات مشتريات التجزئة، إن المستهلكين يتعرضون لضغوط من عوامل متعددة، مضيفاً: «من الأسهل للمستهلك أن يتراجع، ويقول: سأنتظر وأرى ما سيحدث».

ومن المتوقع أن يبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي على معدلات الفائدة دون تغيير في اجتماعه هذا الأسبوع، حيث خفّف رئيسه، جيروم باول، المخاوف بشأن النمو، قائلاً إن البنك المركزي «ليس في عجلة من أمره» لخفض الفائدة، إلا أن قلق المستثمرين يزداد حيال السياسات غير المتوقعة لترامب، التي اتسمت بتقلبات مفاجئة، ما يعطل أنشطة الشركات، ويبطئ وتيرة النمو. وكان مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي في وول ستريت، قد دخل منطقة التصحيح هذا الأسبوع، قبل أن يرتد قليلاً.

يُذكر أن الإنفاق الاستهلاكي لعب دوراً رئيساً في تعافي الاقتصاد الأمريكي من تداعيات جائحة كوفيد 19، متجاوزاً أوروبا والاقتصادات الكبرى الأخرى، لكنه تعرض لضغوط شديدة، جراء موجة التضخم المرتفع. ونتيجة لذلك، بدأ المستهلكون بتقليص نفقاتهم، ما أثر في حجم مبيعات شركات المنتجات الاستهلاكية، لا سيما بين ذوي الدخل المنخفض، الذين يشعرون بأكبر قدر من الضغوط.

وتواصل مبيعات السلع العامة غير الأساسية تراجعها في الولايات المتحدة، حيث انخفضت بنسبة 3 % في الأسبوع المنتهي في 8 مارس، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لبيانات شركة سيركانا، ما يعكس استمرار التراجع السنوي الذي بدأ في فبراير.

وفي قطاع المطاعم، تراجعت حركة الإقبال على مطاعم الوجبات السريعة بنسبة 2.8 % خلال فبراير، بحسب بيانات «ريفنيو مانغمنت سولشونز»، مع انخفاض عدد الزيارات خلال وجبة الإفطار بنسبة تتجاوز 10 %، وعلّقت الشركة قائلة: «إنها أسهل وجبة يمكن تحضيرها في المنزل، أو الاستغناء عنها تماماً». كما حذرت أربع شركات طيران أمريكية كبرى هذا الأسبوع، من تباطؤ الطلب، ويرجع ذلك جزئياً إلى تقليص المسافرين بغرض الترفيه لنفقاتهم.

وفي سياق مماثل، أعلنت شركة تارجت عن تراجع في مبيعاتها خلال فبراير، محذّرة من ضغوط على أرباح هذا الربع، ويرجع ذلك جزئياً إلى «حالة عدم اليقين بشأن التعريفات الجمركية». كما يواجه المتجر مقاطعة من بعض المستهلكين، بعد تراجعه عن التزاماته المتعلقة بالتنوع المؤسسي، ورفض المسؤولون التنفيذيون في «تارجت»، تأكيد ما إذا كانت المقاطعة لها تأثير مباشر في المبيعات. ويرى المحللون أن القلق الاقتصادي له تأثير أكبر من حملات المقاطعة على مبيعات التجزئة.

وقالت لورين هوبرت الرئيسة التنفيذية لشركة ديكس سبورتنج جودز، للمحللين، إنه «ليس صحيحاً على الإطلاق» أن المستهلكين باتوا أضعف. ومع ذلك، تتوقع الشركة نمواً بنسبة 1 % إلى 3 % فقط في مبيعات الفروع المماثلة لعام 2025، وهو معدل أبطأ بكثير، مقارنة بارتفاعها بنسبة 5.2 % في 2024. وأضافت: «توقعاتنا تعكس فقط حالة عدم اليقين الكبيرة اليوم، سواء على المستوى الجيوسياسي أو الاقتصادي الكلي. نحن فقط نتوخى الحذر المناسب».

ورغم الضغوط التضخمية التي تثقل كاهل المستهلكين الأمريكيين منذ شهور، فإن قلقهم الاقتصادي لم يترجم دائماً إلى خفض فعلي في الإنفاق. فقد بلغت مبيعات موسم العطلات العام الماضي، ما يقارب تريليون دولار، متجاوزة التوقعات. وفي هذا الصدد، قال توم كيلروي، الشريك الأول في ماكينزي، خلال مؤتمر صناعي في نيويورك هذا الأسبوع: «المستهلكون يقولون إنهم يعتزمون تقليص إنفاقهم»، لكنه أضاف: «لكن ما لاحظناه خلال العام الماضي، هو أنهم لم يطبقوا هذه النوايا دائماً على أرض الواقع».