لماذا لا تكفي الرسوم الجمركية لإنعاش صناعة أشباه الموصلات الأمريكية؟

مايك شميدت

أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مطلع هذا الشهر، وبصحبته سي سي وي، الرئيس التنفيذي لشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC)، عن استثمار جديد للشركة التايوانية بقيمة 100 مليار دولار، في موقعها لتصنيع الرقائق بولاية أريزونا. ويأتي هذا المبلغ، ليضاف إلى التزام الشركة السابق بقيمة 65 مليار دولار.

وتُعد شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، الشركة الرائدة عالمياً في إنتاج أشباه الموصلات، خاصة الرقائق المتقدمة ذات التقنية المتطورة. ويشكل هذا المشروع إنجازاً استراتيجياً هاماً للأمن القومي الأمريكي. لكن للأسف،

وفر هذا الإعلان لبعض أعضاء الإدارة الأمريكية الحالية، بمن فيهم ترامب، فرصة للتشكيك في جدوى «قانون الرقائق» الأمريكي، الذي كان عاملاً حاسماً في تحفيز استثمارات «شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات».

ويصور هؤلاء المنتقدون القانون الصادر عام 2022، على أنه مبادرة حزبية تعود إلى حقبة بايدن، ويجادلون بأن الرسوم الجمركية وحدها كافية لتحقيق هدف إنعاش صناعة أشباه الموصلات الأمريكية. وبوصفي مديراً سابقاً لمكتب برنامج الرقائق بوزارة التجارة الأمريكية، أود أن أوضح لماذا يُعد هذا الطرح خاطئاً.

يُشكل «قانون الرقائق» محور استراتيجية جرى تطويرها على مدى سنوات، لتسريع عجلة تصنيع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة. وفي ظل الإدارة الأولى للرئيس دونالد ترامب، أدرك المسؤولون والمشرعون الحاجة الملحة إلى بلورة مثل هذه الاستراتيجية، ذلك أن أشباه الموصلات تُعد التقنية الأساسية لجميع أشكال الحوسبة المتقدمة، كما أنها تدخل في مختلف التقنيات التي يعتمد عليها الناس في حياتهم اليومية، من السيارات والأجهزة الطبية، إلى الطائرات المقاتلة.

في المقابل، تراجعت حصة الولايات المتحدة من الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات، من نحو 40 % في عام 1990، إلى حوالي 10 % فقط. أما التصنيع المتقدم «الرائد»، الذي يُعد أساسياً لتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد انخفض إلى الصفر. كما أن سلاسل التوريد الحيوية، باتت في وضع شديد الهشاشة، بسبب تمركز الإنتاج في تايوان، في وقت كانت الصين تستثمر مبالغ طائلة، بهدف الهيمنة على هذه الصناعة.

وفي مواجهة هذا الواقع، دخل كبار المسؤولين في إدارة ترامب عام 2020، في مفاوضات مع شركة «تايوان لصناعة أشباه الموصلات»، أسفرت عن التزامها بضخ 12 مليار دولار لبناء منشأة لتصنيع الرقائق في الولايات المتحدة.

وبالتزامن مع ذلك، بدأ عدد من المشرعين من الحزبين، مناقشات أفضت في نهاية المطاف إلى إقرار «قانون الرقائق»، الذي خصص 39 مليار دولار على شكل منح لتمويل قطاع تصنيع أشباه الموصلات في البلاد، إضافةً إلى ائتمان ضريبي بنسبة 25 % على الاستثمارات، فضلاً عن 13.7 مليار دولار لدعم البحث والتطوير، وتأهيل القوى العاملة، وتعزيز مرونة سلاسل التوريد العالمية. ومنذ إقرار قانون الرقائق، حدثت طفرة غير مسبوقة في الاستثمارات المحلية في قطاع تصنيع أشباه الموصلات.

وكانت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، محوراً رئيساً في خطط الولايات المتحدة لتطوير قطاع أشباه الموصلات. وقد وصفها الرئيس ترامب مؤخراً بأنها «أقوى شركة في العالم». وفي عام 2022، واجهت الشركة تحديات كبيرة في بناء أول منشأة تصنيع لها في الولايات المتحدة. وكان الرأي السائد في الصناعة آنذاك، أن هذه المنشأة ستظل موقعاً معزولاً، بدلاً من أن تصبح مركزاً للنمو المستدام.

لكن بعد أكثر من عام من المفاوضات، تم الاتفاق على منحة بقيمة 6.6 مليارات دولار، ما أدى إلى التزام الشركة باستثمار 65 مليار دولار في ثلاث منشآت تصنيع داخل الولايات المتحدة، مع نقل أحدث تقنيات أشباه الموصلات دون 2 نانومتر إلى السوق الأمريكية.

وعندما كشفت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، عن نموذج مصغر لمجمع التصنيع الجديد في بهو مبناها في أريزونا، ظهر الموقع على شكل مجمع تصنيع عملاق، يضم ست منشآت، وهو ما يعكس رؤيتها الطموحة. وجاء الإعلان الأخير للشركة، ليؤكد التزامها العلني بهذه الرؤية، مع خطط لبناء منشأتين متقدمتين لتغليف الشرائح الإلكترونية، بالإضافة إلى مركز جديد للأبحاث والتطوير.

ويتجاوز نجاح قانون الرقائق شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، فمنذ إقرار قانون الرقائق الإلكترونية، شهدت الولايات المتحدة طفرة غير مسبوقة في الاستثمار بقطاع الإلكترونيات، تفوق ما تحقق خلال العقود الثلاثة الماضية مجتمعة. وقد أعلن مصنعو أشباه الموصلات عن خطط لاستثمار أكثر من 500 مليار دولار في الولايات المتحدة.

وللمرة الأولى، تقوم جميع الشركات الخمس الرائدة في تصنيع الشرائح الإلكترونية المتقدمة، وهي «إنتل»، و«ميكرون»، و«سامسونغ»، و«إس كيه هاينكس»، و«تي إس إم سي»، ببناء أو توسيع منشآتها داخل الولايات المتحدة. ولا يوجد اقتصاد آخر في العالم يضم أكثر من شركتين من هذه الشركات ضمن حدوده.

وهذه الموجة الواسعة من الاستثمارات، لا يمكن إرجاعها إلى التهديدات بفرض رسوم جمركية، بل هي نتيجة التنفيذ الناجح لقانون الرقائق. وبالتالي، فإن إضعاف هذا القانون في الوقت الحالي، قد يؤدي إلى عكس المكاسب التي تحققت، ومنح الصين تفوقاً استراتيجياً.

وقد وصف السيناتور الجمهوري تود يونغ، قانون الرقائق بأنه «إحدى أعظم النجاحات في عصرنا». ولطالما كان هناك تقليد في الولايات المتحدة، يتمثل في أن الإدارات المتعاقبة، بغض النظر عن انتمائها الحزبي، تعمل بشكل متواصل لتعزيز أولويات الأمن القومي الحيوية. وعلى الرغم من أن هذا النهج قد يبدو اليوم من بقايا الماضي، إلا أن قانون الرقائق يجب أن يكون نموذجاً حياً لاستمراره في الحاضر والمستقبل.