إدراج الشركات الأوروبية بأمريكا.. مكاسب محدودة وتقييمات متراجعة

نيكو أسجاري - باتريك ماثورين

توصّل تحليل أجرته «فاينانشال تايمز»، إلى أن الشركات الأوروبية التي أدرجت أسهمها في الولايات المتحدة، لم تشهد غالباً زيادة في تقييماتها، وهي النتيجة التي تناقض مزاعم بعض المسؤولين التنفيذيين بأن إدراج شركاتهم في سوق الأسهم بنيويورك، طريقة مضمونة لرفع أسعار الأسهم.

وخلص تحليل شمل 12 شركة مدرجة في أوروبا، وأدرجت أسهمها أيضاً في الولايات المتحدة عام 2016، بما في ذلك «فيرغسون» و«سي آر إتش» و«فلاتر إنترتينمنت»، أنه في نصف حالات الإدراج انخفضت تقييمات تلك الشركات.

رغم ذلك، تمتع ثلثا الشركات بسيولة أكبر في تداول الأسهم بعد الإدراج بالولايات المتحدة. وأوضح ريتشارد فيرنر، الشريك لدى مكتب بي سي إل بي للمحاماة، أن «الاعتقاد السائد بأن الانتقال إلى الولايات المتحدة سيحسن أسعار الأسهم غير صحيح.. الأمر ليس بهذه البساطة».

وأغرت المكاسب الضخمة التي حققتها سوق الأسهم الأمريكية، الشركات الأوروبية والمستثمرين فيها خلال الأعوام الأخيرة، إذ اعتقدوا أنهم سيتمتعون بمضاعفات أرباح أعلى هناك، رغم البيع الكثيف الأخير الذي اعترى السوق. وأعلنت شركة تي بي آي كاب البريطانية للوساطة، الأسبوع الماضي، عزمها إدراج أعمالها في مجال البيانات بنيويورك.

وفي فبراير الماضي، أفصحت «غلينكور»، التي تُتداول أسهمها في لندن، أنها بصدد مراجعة ما إذا كانت هناك أسواق أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، ستكون «أجدر» لتداول أسهمها، في صدمة كبيرة مُحتملة للمكانة التاريخية التي تتمتع بها لندن، باعتبارها مركزاً لتمويل شركات التعدين.

كما تعتزم مجموعة أشتيد للإنشاءات المدرجة في لندن، نقل إدراجها الأساسي إلى نيويورك، وصرح رئيسها التنفيذي بأن «ميزات الإدراج الأساسي في الولايات المتحدة، مقارنة بأسواق أخرى، أصبحت أكثر وضوحاً خلال الأعوام القليلة الماضية».

أما مجموعة دبليو بي بي البريطانية للإعلان، فقد أعلنت أنها «تنظر» في مسألة نقل الإدراج، فيما تفكر شركة تيكيهاو الفرنسية لإدارة الأصول، في اتخاذ الخطوة نفسها. تأتي النتائج التي توصلت إليها «فاياننشال تايمز»، في ظل سعي صانعي السياسة الأوروبيين على وجه السرعة، إلى إنعاش الأسواق المحلية، وتشجيع الشركات على مواصلة إدراج أسهمها في الأسواق الأوروبية. ففي المملكة المتحدة، أعادت الجهات التنظيمية صياغة القواعد الحاكمة والمنظمة للشركات المدرجة، في محاولة لأن تكون سوق لندن أكثر تنافسية.

وتجدر الإشارة إلى أن الشركات التي تضمنها تحليل «فايننشال تايمز»، أدرجت أسهمها في الولايات المتحدة، سواء كان إدراجاً أساسياً أم إضافياً، واحتفظت في الوقت نفسه بإدراج أسهمها في الأسواق الأوروبية.

وتُعد «فيرغسون»، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، وتورد معدات السباكة، ومجموعة فلاتر إنترتينمنت، من بين الشركات التي أدرجت أسهمها في الولايات المتحدة خلال الأعوام الأخيرة، إضافة إلى شركات أصغر، مثل هيمالايا شيبنغ لشحن البضائع الجافة، وإنديفور للمستحضرات الدوائية.

وتوصلت «فاينانشال تايمز» إلى أن مجموعة سي آر إتش الإيرلندية لمواد البناء، و«إنديفور»، وشركة أوكيانيس إيكو تانكرز للشحن، كانت الوحيدة التي تمتعت بزيادة في المقاييس الثلاثة التي خضعت للتحليل، وهي التقييم، وأحجام تداول الأسهم، ومتابعة المحللين. من ناحية أخرى، لم تشهد بورفورد كابيتال للتقاضي ومجموعة فيروفيال الإسبانية للبنية التحتية، أي منافع على أي من هذه الأصعدة. ليس ذلك فحسب، بل أخفقت هذه الشركات في واحدة على الأقل من المقاييس المذكورة سابقاً.

وانخفضت تقييمات نصف الشركات التي خضعت للتحليل في نيويورك، مقارنة بتقييماتها في الأسواق المحلية قبل الانتقال، وكانت الشركات الأصغر هي الأكثر تأثراً. وفي المتوسط، تراجع مكرر الربحية الآجل لـ 12 شهراً للشركات الأصغر، وهي تلك التي تقل قيمتها السوقية عن 10 مليارات دولار، بنحو 7 % في نيويورك، وبلغت نسبة التراجع قرابة 1 % بالنسبة للشركات الأكبر.

ويرى أبوستولوس ثوماداكيس رئيس قسم البحوث لدى مركز يوروبيان كابيتال ماركتس إنستيتيوت البحثي: «بالنسبة للشركات الأوروبية الصغيرة أو متوسطة الحجم، فإن الإدراج الثانوي بالولايات المتحدة، قد لا يسفر عن ازدياد اهتمام المستثمرين الأمريكيين الذين يتطلعون إلى الشركات الأكبر، التي تتمتع علاماتها التجارية بشهرة عالمية».

ورغم ذلك، فقد استفاد تقييم «سي آر إتش» على نحو مستدام من إدراج أسهمها في نيويورك. وارتفع متوسط مكرر ربحية سهم الشركة من 12 مرة، في الـ 18 شهراً التي سبقت نقل إدراجها الأساسي للولايات المتحدة، إلى 15 مرة في المتوسط خلال 18 شهراً بعد الإدراج.

وبالنسبة لشركة «فلاتر»، التي أدرجت أسهمها في الولايات المتحدة خلال يناير 2024، ثم جعلت نيويورك سوقها الرئيسة للإدراج في شهر مايو من العام نفسه، فلم تشهد أي تحسن في تقييم أسهمها، إذ انزلق مكرر ربحيتها من متوسط يبلغ 29.8 مرة في المملكة المتحدة إلى 29.1 مرة. وينطبق الأمر نفسه على شركتي «فيرغسون» و«فيروفيال»، المُدرجتين في مؤشر «فوتسي 100» من قبل، إذ انخفض متوسط التقييمات بالولايات المتحدة بنسبة 9 % و11 % على الترتيب، بعد نقل إدراج الأسهم إلى الأسواق الأمريكية.

وتجدر الإشارة إلى أن إدراج شركة ما في الولايات المتحدة، خطوة مكلّفة. وذكر فيرنر من مكتب «بي سي إل بي»، أن التكلفة قد تراوح بين 500 ألف إسترليني إلى أكثر من مليون إسترليني، استناداً إلى حجم الخدمات القانونية والمحاسبية والاستثمارية المصرفية المُستخدمة للقيام بهذه الخطوة، علاوة على الرسوم التي تتقاضاها البورصات. كما تتحمل الشركات تكاليف إضافية ومستمرة، لإعلان التقارير والحفاظ على الإدراج، وهي التكاليف قد تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات سنوياً.

وقال كيم بالي المدير المالي لدى «تورم»، التي أضافت إدراجاً لأسهمها في بورصة ناسداك خلال عام 2017: «هناك الكثير من التكاليف المباشرة وغير المباشرة». والتحليل الذي أجرته «فاينانشال تايمز»، لم يأخذ في اعتباره بعض العوامل، مثل إفصاح الشركات عن أرباحها، أو التغييرات التنظيمية، أو التحوّلات التي تطرأ على تقييمات القطاعات، وهي العوامل التي قد تؤثّر كافتها في مكرر ربحية الشركات.

واستفادت معظم الشركات من السيولة الأكبر، والسهولة التي يمكن بها تداول الأسهم دون التأثير في أسعار الأسهم بالضرورة. وتمتعت الشركات الكبيرة بزخم يقارب 4 مرات في المتوسط، عند مقارنة الأسهم المُدرجة في أوروبا مع نظيرتها المُدرجة في أمريكا، لكن الشركات الصغيرة شهدت زيادة تقارب 45 %. ويرى بول أميس، الشريك لدى «وينستون آند سترون»: «يميل التركيز إلى أن يكون من نصيب الأسماك الأكبر في المحيط الأوسع».