مجلس التحرير
شهد الابتكار العلمي تسارعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة. حيث كشفت «غوغل ديب مايند» في سلسلة مقاطع فيديو تجريبية عن تدريبها روبوتاً على طي ورقة أوريغامي على شكل ثعلب، وترتيب مكتب، وتسجيل رمية ساحقة لكرة سلة صغيرة. وفي الشهر الماضي، استعرضت «مايكروسوفت» أيضاً روبوتاً يؤدي مهام أساسية في المطبخ.
وتستفيد الشركتان من التقدم الواضح الذي يتم تحقيقه في الذكاء الاصطناعي. وباستخدام قدرات الاستدلال للنماذج اللغوية الكبيرة، تمكنت هذه الشركات من تطوير برمجيات للروبوتات تعزز قدرات الآلات على التكيف مع بيئات معقدة. وفي حين يستغرق تسخير التكنولوجيا وقتاً، إلا أن الفرص الكامنة في هذه التكنولوجيا مغرية، وخاصة للاقتصادات التي تواجه قوى عاملة آخذة في الانكماش وتجابه زيادة في المتطلبات الاجتماعية والصناعية.
وقد سعت شركات التكنولوجيا، والشركات الناشئة، والمستثمرون، إلى بناء «دماغ» للذكاء الاصطناعي يمكنه تشغيل الروبوتات باستقلالية لصالح تطبيقات في مجالات الرعاية الصحية، والتصنيع، وكذلك الأعمال المنزلية. ويحول تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الروبوتات إلى آلات سريعة التعلم بعد عقود من التقدم المضجر الذي كان ينطوي على كتابة أكواد لكل حركة يقوم بها الروبوت يدوياً.
ويمكن للروبوتات حالياً استيعاب كميات هائلة من النصوص، والصور، ومقاطع الفيديو، من الإنترنت، بهدف تطوير فهمها الخاص للعالم المادي. وتشير التطورات الأخيرة التي طرأت على البرمجيات إلى تطور التكنولوجيا إلى حد يمكن فيه للروبوتات أن تتكيف مع ظروف جديدة تماماً، وأن تستجيب لتعليمات شفهية، وأن تكون بارعة بما يكفي للتعامل مع ما يتواجد حولها.
بالتأكيد، لا يزال هناك الكثير من العمل حتى تكون الروبوتات أمراً شائعاً في أماكن العمل وفي المنازل. ويظل تحسين تفاعل الآلات مع البشر تحدياً، مع مواجهة الروبوتات صعوبة في فهم دقائق التواصل البشري. على سبيل المثال، في الحدث الذي أعلنت فيه «تسلا» عن «سايبر كاب» العام الماضي، قدمت روبوتات إيلون ماسك التي تُدعى «أوبتيموس» المشروبات للحضور، لكنها كانت خاضعة لتحكم بشري عن بعد.
وسيتطلب التكيف مع البيئات الجديدة وغير المتوقعة، تطوير قواعد بيانات أكبر في ما يتعلق بالحركة. ويأتي ذلك قبل التفكير بشأن التصنيع على نطاق واسع، وكيفية الاستفادة من المعدات الحالية في تحسين عمل الروبوتات الذكية، وإطار المسؤولية القانونية في التعاطي مع أي حوادث.
وتثير نهضة الروبوتات بعض الخوف، سواء بسبب التصورات المُستوحاة من الأفلام بشأن هيمنة الآلات في نهاية المطاف على البشر، أو بتسببها في شيوع البطالة. لكن التطورات الأخيرة، والتي تسمح للروبوتات بالذهاب إلى ما هو أبعد من المهام المتكررة على أرضية المصنع، تسلّط الضوء على الإمكانات التي تحويها الروبوتات في طياتها في مساعدة البشر ودعم النمو الاقتصادي.
وهنا من المهم الإشارة إلى الشيخوخة السريعة لسكان العالم حيث من المُتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 فما فوق بحلول عام 2050 إلى 2.1 مليار نسمة. وتعاني أسواق العمل في العالم المتقدم من الضيق بالفعل. وفي العقود المقبلة، سيكون عدد أقل من القوى العاملة الأصغر سناً بحاجة إلى تعزيز احتياجات الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية لعدد أكبر من كبار السن. ولن يكون اجتذاب مهاجرين من العمالة عالية المهارة كافياً في هذا الصدد.
لذلك، لا يستبعد أن تلعب الروبوتات دوراً في العناية بكبار السن وذوي الحاجة مستقبلاً. وفي مجال الصناعة، يمكن للروبوتات أن تعمل في بيئات خطرة، وأن تدعم ضمان الجودة، والتعامل مع اللوجستيات، ما سيمنح البشر متسعاً أكبر للتعامل مع المهام الأكثر تعقيداً. وفي عالم التجزئة، يمكن للروبوتات تقديم مساعدة مختصة.
كما يمكنها المساعدة في عمليات الإنقاذ بمناطق الكوارث وأن تستخدم في سبر أغوار الفضاء. وبالنسبة للمهنيين القلقين، هناك أمل في أن مقاطع الفيديو الاستعراضية في المستقبل ستظهر الروبوتات وهي تزيل انسداد الأحواض، وتغيّر فُوط الأطفال، وتعيد تدوير الأشياء.
لكن يجب عدم تجاهل تلك الجوانب التي تنطوي على مخاطرة حيث تحتاج الآلات إلى أنظمة أمان، فيما يحتاج البشر إلى مواصلة التعلم مدى الحياة وشحذ المهارات؛ تلافياً لبطلان دورهم في سوق العمل. كما توجد حاجة إلى تحديد القواعد والعمل وفق أفضل الممارسات؛ ضماناً لعدم سحق الروح البشرية في رحلة التعامل مع الروبوتات على الأقل.
ويبقى هناك الكثير من الوقت كي تستعد المجتمعات فيما لا تزال الآلات قيد التدريب. وفي هذه الأثناء، يجب على صانعي السياسات ضمان أن تظل بيئة البحث والاستثمار داعمة لصناعة الروبوتات. فالروبوتات تزداد ذكاء، ويتحتم على العالم أن يتقبل هذا الأمر.