التصحيح في أسواق الأسهم الأمريكية.. هل يمكن أن يكون إيجابياً؟

شهد أداء الأسهم تغيراً ملحوظاً منذ الخسائر التي لحقت بالسوق قبل نحو شهر، وكان هناك انعكاس ملحوظ لتحول السوق، حيث أدت بعض الأسهم بشكل جيد نسبياً، في حين عانى بعضها الآخر من أداء سلبي إلى حد ما. ويبلغ متوسط إجمالي العوائد للأسهم الـ 50 الأسوأ أداءً في مؤشر «إس آند بي 500» منذ 19 فبراير الماضي سالب 22 %، وهو متوسط متساوي الأوزان وليس مرجحاً بالقيمة السوقية للأسهم.

لذا، فإنه لا يبرز التحركات التي تشهدها حفنة من الأسهم العملاقة بالمؤشر. لكن الـ50 سهماً نفسها سجلت أداءً رائعاً في موجة المكاسب السابقة التي بدأت في أكتوبر عام 2023 وانتهت الشهر الماضي، حيث بلغت عوائدها في المتوسط 103 % خلال تلك الفترة.

في الوقت نفسه، ارتفعت الأسهم الأفضل أداء في مؤشر «إس آند بي 500» خلال الشهر الماضي بنسبة 11 % في المتوسط، ما يزيد بشكل طفيف على نسبة العوائد البالغة 9 % التي حققتها هذه الأسهم خلال موجة المكاسب الأخيرة. ويوحي ذلك بأن ما نشهده ليس بيعاً كثيفاً مذعوراً للأصول الخطرة بكافة أشكالها، بقدر ما هو حبس المستثمرين للأرباح والمكاسب الضخمة.

إن كل عملية بيع تمثل انعكاساً لقيادة السوق، بدرجة أكبر أو أقل، حيث يبيع المستثمرون النمو والأسهم الدورية ويشترون أسهم الاستقرار والأسهم الدفاعية. وصحيح أن الأسهم الأسوأ أداء خلال الشهر الماضي تميل بشكل كبير إلى أسهم السلع الاستهلاكية التقديرية، بينما تميل الأسهم الأفضل أداء نحو الرعاية الصحية، والسلع الأساسية، والتأمين، والأسهم الدفاعية.

ويتسم التحول هنا بأنه أكثر حدة مقارنة بالانعكاس الذي شهده عام 2022 على سبيل المثال. وربما يرجع ذلك إلى أن موجة المكاسب الأخيرة تركزت للغاية في قطاع تكنولوجيا المعلومات الذي شهد أداء سيئاً الشهر الماضي.

ويبقى أن هذه الملاحظات قائمة على أسس سردية، وليست علمية. لكن طالما يبدو البيع كثيفاً وأنه يهيمن عليه جني الأرباح في الأسهم التي شهدت ارتفاعات هائلة في الأعوام القليلة الماضية، فمن المعقول أن يوصف الأمر بأنه كان عملية تصحيح مفيدة في سوق، كان، وما زال في غالب الأمر، مرتفعاً للغاية. وإذا استمر البيع الكثيف واتسعت رقعته، سيبدو في هذه الحالة عزوفاً عاماً عن المخاطرة، أي سوق هابطة.

من جانبه، انخفض الدولار بشكل حاد منذ ارتفاعه الكبير قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبعدها مباشرة، لكن في الأسبوع الأول من مارس، منيت العملة الخضراء بخسائر هائلة إثر المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي.

ومن المثير للاهتمام أن الدولار كان مستقراً نسبياً في خضم الفوضى التي ألمت بسوق الأسهم في الأسبوع الماضي. وظاهرياً، يبعث الأمر على الفضول، لأن الخسائر التي شهدتها الأسواق الأسبوع الماضي كانت في غالبها إثر مخاوف بشأن ضعف النمو الاقتصادي، ما قد يدفع بالدولار إلى الانخفاض. وقد انخفض بالفعل يوم الاثنين، إلا أنه أنهى الأسبوع بالقرب من حيث بدأ.

وارتفاع الدولار قرب موعد الانتخابات، شأنه شأن مكاسب الأسهم، كان يعكس التوقعات بأن سياسات ترامب ستعزز النمو والتضخم. وتبين أن هذه السردية كانت تشتمل على مبالغات. ففي نهاية العام الماضي، ألمح مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى توقفه المؤقت عن المضي قدماً في دورة تيسير السياسة النقدية، بينما بدت مصارف مركزية أخرى مستعدة لمواصلة خفض أسعار الفائدة، ما كان يشير إلى أن فروق الفائدة بين الولايات المتحدة ودول أخرى ستظل متسعة، وهو ما يعد داعماً للدولار.

كما صدرت مجموعتان من البيانات الاقتصادية المهمة تشير إلى أن الفيدرالي قد يرفع الفائدة. وكان نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من العام الماضي قوياً، كما كانت قراءات التضخم في نوفمبر وديسمبر ويناير ما بين مستقرة إلى مرتفعة. وسجل الدولار أعلى مستوياته بعد تقرير وظائف قوي على وجه الخصوص في يناير، وليس في أعقاب انتخاب ترامب في نوفمبر الماضي أو إعلانه فرض تعريفات جمركية في وقت لاحق من يناير.

ويرجع انخفاض الدولار في وقت مبكر من الشهر، جزئياً، إلى فقدان المستثمرين للأمل في رؤية سياسات من جانب ترامب تراعي النمو، وكذلك تراجع المستثمرين عن توقعاتهم بشأن النمو في ضوء الضعف الذي تعكسه البيانات.

وكان هناك عامل خارجي، وهو ارتفاع اليورو عقب التحول الذي شهدته السياسة المالية لبرلين.

وربما يعكس هدوء الدولار الأسبوع الماضي مقابل الاضطرابات التي اعترت الأسهم، أنه مقياس أكثر حساسية لسياسات ترامب بشأن التعريفات الجمركية. وعكست أسواق العملات عدم اليقين بشأن التعريفات على نحو أسرع من أسواق الأسهم منذ تنصيب ترامب رئيساً. وربما كانت خسائر سوق الأسهم الأسبوع الماضي مجرد محاولة من جانب الأسهم للحاق بركب الضعف الذي اعترى الدولار في وقت مبكر، بسبب التوقعات بتباطؤ اقتصاد الولايات المتحدة.

لكن الهدوء النسبي المسجل الأسبوع الماضي ربما يعكس أن تأثير البيانات الأخيرة كان هامشاً على الدولار. وفي الوقت الراهن، لا تقلق السوق بشأن النمو الأمريكي الأضعف فحسب، بل يساورها قلق أيضاً بشأن ارتفاع الأسعار، وربما سيناريو ركود تضخمي. وفي حين تشير المخاوف بشأن التباطؤ الاقتصادي باحتمالية انخفاض الدولار، إلا أن التضخم الأعلى يشير إلى احتمالية ارتفاعه. لكننا ما زلنا في انتظار أدلة دامغة على تباطؤ الاقتصاد، فبيانات التضخم التي صدرت حتى الآن ليست حاسمة.

وجاءت بيانات مؤشري أسعار المستهلكين والمنتجين دون المتوقع، ما يشي بتراجع الدولار. لكن كلا المؤشرين يشيران إلى أن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو مقياس التضخم المُفضّل لدى الفيدرالي، قد يسجل مستويات أعلى في البيانات التي تصدر هذا الشهر. ولعل أسواق الدخل الثابت كانت في سبات الأسبوع الماضي، مع ترقب متداولي السندات لبيانات مؤشري أسعار المستهلكين والمنتجين، وهو ما قيد حركة الدولار بطبيعة الحال. وقد تظل أسواق الدخل الثابت هادئة في الفترة المقبلة أيضاً مع انتظار المستثمرين لبيانات مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي للحكم على المسار المُحتمل للتضخم.

من المغري أن نقول إن الدولار لم يتراجع بالتماشي مع الأسهم بسبب «ابتسامة الدولار»، ويُقصد بذلك ميل العملة الخضراء إلى الارتفاع في الأوقات التي تشهد اضطرابات في السوق. لكن ليست هذه هي الحال، حسبما يشير جيمس رايلي من «كابيتال إكونوميكس»، حيث لفت إلى عدم ارتفاع عملات ملاذ آمن أخرى، لا سيما الفرنك السويسري والين الياباني في الأسبوع الماضي، وهو ما يعني غياب توجه المستثمرين إلى العملات المستقرة.

إننا ربما سنشهد دولاراً مستقراً إلى حين حصولنا على أدلة أقوى بشأن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي أو صدور مؤشر أفضل عن المسار الذي يسلكه التضخم، رغم التقلبات المحتملة في أسواق الأسهم. رغم ذلك، ما زالت بعض العملات الأخرى تستفيد من المخاوف المتعلقة بالتعريفات الجمركية. ويشار في هذا الصدد إلى ارتفاع الدولار الكندي والبيسو المكسيكي أمام الدولار الأمريكي الأسبوع الماضي. ويتم تداول الدولار الكندي حالياً قرب المستويات التي سبقت إعلان ترامب فرض تعريفات جمركية ضد كندا، إلا أن البيسو شهد مكاسب.

وربما يعكس ذلك تفاؤلاً نسبياً بشأن التوقعات إزاء المكسيك، إذ يبدو أن ترامب أكثر عزماً على معاقبة كندا. لكن من الصعب استنباط أي استنتاجات حقيقية في الظروف الراهنة، فلا يعلم أحد ما سيفعله ترامب تباعاً. وبينما كانت العملات أفضل المؤشرات على سياسات التعريفات الجمركية حتى الآن هذا العام، إلا أنها ربما لا تبقى كذلك، في ضوء التقلبات الكثيرة المستمرة على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية.