روبرت أرمسترونغ - إيدن ريتر
كانت هناك فكرة سائدة بأن أسهم الشركات الأمريكية الصغيرة ستكون المستفيد الأكبر من سياسات دونالد ترامب الاقتصادية. وبدا هذا الأمر منطقياً، فمن المفترض أن تدعم التخفيضات الضريبية وتخفيف القيود التنظيمية الاقتصاد المحلي. وتعتمد الشركات الصغيرة على المبيعات المحلية أكثر من الشركات الكبيرة، كما أن أرباحها تتأثر بالتغيرات الاقتصادية بشكل أكبر. لذلك، توقعنا، كما فعل غيرنا، أن تستفيد الشركات الصغيرة من السياسات الإيجابية لترامب عندما ارتفعت أسهمها في خريف العام الماضي.
لكننا، ما زلنا بانتظار التخفيضات الضريبية وتخفيف القيود التنظيمية. وفي ما يتعلق بالتعريفات الجمركية، أو عدم اليقين بشأن الشكل الذي ستكون عليه هذه السياسة على وجه التحديد، فقد شهدنا تأثيراً سلبياً هائلاً في الثقة المحلية، أي ثقة المستهلكين أو الشركات على حد سواء. وقد تضررت الشركات الصغيرة كثيراً نتيجة لذلك. فتراجع مؤشر «إس آند بي 600» بنسبة 16% من الذروة التي بلغها في شهر نوفمبر الماضي، حتى بعد ارتفاعه الجيد على مدى اليومين الماضيين. لكن انقلبت هذه السردية رأساً على عقب، حيث يُنظر إلى البيع الكثيف الذي شهدته أسهم الشركات الصغيرة باعتباره نذيراً بركود جراء سياسات ترامب.
وفي عطلة نهاية الأسبوع الماضي، كتب زميلي السابق، جو رينيسون، مقالاً نُشِرَ في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «مؤشر سوق الأسهم يدق ناقوس خطر واضح بشأن الاقتصاد». وحوى المقال نقاطاً أساسية عن الانكشاف الأكبر للشركات الصغيرة على الاقتصاد المحلي، وكذلك هوامش أرباحها الأضعف والأكثر تأثّراً بالدورات الاقتصادية. ليس هذا فحسب، فقد استشهد بما قاله ديفيد كيلي، الخبير الاستراتيجي لدى «جيه بي مورغان أسيت مانجمنت» الذي لخّص ما يدور على النحو التالي: «إن كنت ترغب في مؤشر واحد واضح عن قلق السوق بشأن الركود أكثر من أي شيء آخر، فما عليك سوى النظر إلى مؤشر راسل»، في إشارة إلى المؤشر الأوسع نطاقاً للشركات الصغيرة.
وبينما كنا شديدي السذاجة في توقعاتنا بشأن قوة الشركات الصغيرة في استشراف المستقبل، إلا أننا لن نعاود الكرّة. وحسب إشارة جيل كاري هال، الخبيرة الاستراتيجية لدى «بنك أوف أمريكا»، في مذكرة نُشِرَت منذ أيام، فإن انخفاض مؤشرات الشركات الصغيرة بنسبة 15% يُعد أكثر شيوعاً مقارنة بحالات الركود. وهذه الوقائع تحدث في المتوسط مرة كل عام ونصف تقريباً، وقد تحدث عدة مرات في العام الواحد. وشهدت السوق آخر انخفاض لمؤشرات الشركات الصغيرة في عام 2023، وشهد عام 2022 انخفاضين. كما ترى هال أن مؤشرات الشركات الصغيرة تنخفض بضِعف معدل انخفاضها في متوسط حالات الركود مقارنة بهذه المرة. لذا، يوضح كل هذا أن الطريق ما زالت طويلة أمام بلوغ هذه المؤشرات مرحلة الركود.
ثمّة طريقة أخرى للنظر إلى انخفاض أسهم الشركات الصغيرة، وهي أن الحركة تُعد نتيجة فنية لتغيّر نظام السوق. وفي هذا السياق، قال جوردان إرفينغ، مدير الشركات الصغيرة والمتوسطة لدى «غلينميد إنفستمنت مانجمنت»، إن الشركات الصغيرة «لا تحظى باستثمارات كبيرة، لكنها كثيفة التداول»، ما يعني أنها لا تحظى بتمثيل جيد في المحافظ الاستثمارية طويلة الأجل. وبدلاً من ذلك، تُستخدم هذه الشركات بشكل كثيف باعتبارها «عاملاً» للتداول، إلى جانب عوامل أخرى مثل القيمة أو النمو أو الجودة. وتُعد هذه العوامل وسائل للرهان على الاتجاه الذي ستسلكه السوق. وقال إرفينغ: «أشعر كأننا نشهد انسحاباً من جانب المتداولين، وليس استسلاماً من المستثمرين». ولفت إلى أن ما يعقّد المشهد هو تردد الشركات الصغيرة في مواجهة عدم اليقين السياسي في توفير توجيهات مستقبلية مباشرة في ما يتعلق بأرباح الربع الرابع من العام الماضي. ويتسبب هذا في تركيز المستثمرين على اللحظة الراهنة، التي تبدو شديدة القتامة.
عموماً، من المهم بمكان، في اللحظة الراهنة، أن يكون هناك تركيز على ما نعرفه وألا نفرط في استقراء المشهد. وما نعرفه هو أن النهج السياسي الفوضوي الذي تنتهجه إدارة ترامب يسفر عن تداعيات وخيمة على المعنويات. كما نعرف أن البيانات الاقتصادية تظل جيدة. لذا، فالسؤال الصحيح ليس: «هل نحن بصدد الاتجاه إلى ركود؟»، لأنه يبالغ في التطلّع إلى المستقبل. وعوضاً عن ذلك، يجب أن يكون السؤال: «ما احتمالات أن تتحسن الفوضى السياسية أو أن تسوء؟». وقد يتسنى لنا معرفة الإجابة عن هذه الأسئلة في الأيام المقبلة.
على صعيد آخر، صدرت بيانات مبيعات التجزئة الأمريكية لشهر فبراير منذ أيام، وحملت في طياتها رسائل متقابلة. فبينما ارتفعت المبيعات بنسبة 0.2% على أساس شهري، وكانت أقل من إجماع التقديرات على نموها بمقدار 0.6%، إلا أن البيانات شهدت أيضاً مراجعة هبوطية للتقرير الصادر في شهر يناير من -0.9% على أساس شهري إلى -1.2%. وربما يشي هذا بتباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي.
إن القراءة الرئيسية في هذا التقرير قد تكون خادعة. لكن الأكثر أهمية هو قراءة مجموعة التحكم، أي مبيعات التجزئة الأساسية التي تستثني الفئات المتقلبة مثل الوقود، ومواد البناء، ومبيعات معارض السيارات. ويُعد هذا المقياس هو الأكثر تأثيراً وبصورة مباشرة في مقياس الاستهلاك في تقرير الناتج المحلي الإجمالي. وقد ارتفعت القراءة الأساسية بواقع 1% على أساس شهري، فعوّضت كلياً الانكماش البالغ 1% في تقرير شهر يناير. وكان الأمر يرقى إلى مفاجأة صادمة، بحسب روزنبرغ ريسيرش.
إذن، يبدو التقرير كأنه تأكيد للمعنويات الاقتصادية السلبية، لكن تظل البيانات الاقتصادية جيدة. وقد احتوى المؤشر على أمارات ضعف مع تراجع الإنفاق الاسترشادي للمستهلكين في بعض الفئات المهمة، وخاصة المطاعم. ويرى صامويل تومز، كبير خبراء الاقتصاد الأمريكي لدى «بانثيون ماكرو إكونوميكس»، أن الإنفاق الأعلى في فئات أخرى ربما يعكس «مواصلة الأشخاص تقديم مُشترياتهم للسلع المعمرة من أجل تفادي الزيادات المستقبلية في الأسعار ذات الصلة بالتعريفات الجمركية».
ومع ذلك، يبقى التباطؤ مجرد انعكاس لمعنويات متقلبة. وتؤكد بيانات الإنفاق التي يستقيها «بنك أوف أمريكا» من بطاقات الخصم المباشر والائتمان لملايين العملاء هذا الأمر. فقد ارتفع إنفاق الأسر 0.3% على أساس شهري في فبراير. ويعتقد «بنك أوف أمريكا» أن هذه النسبة تمثل تحسناً مقارنة بما ورد في تقرير شهر يناير. لكن، من جديد، فقد شاب الضعف الفئات التقديرية المهمة، ولا سيما السفر. وتجدر الإشارة إلى انخفاض الإنفاق بصورة بالغة في منطقة واشنطن العاصمة، حيث تتركز عمليات التسريح العشوائية التي تنفذها إدارة كفاءة الحكومة برئاسة إيلون ماسك.
إننا لا نعلم بعد مدى طول أمد بقاء تماشي المعنويات السلبية مع الإنفاق القوي، لكن لن يدوم هذا الوضع «إلى أبد الدهر».