ماذا يعني قرار «الفيدرالي» بتخفيف التشديد الكمي للأسواق؟

روبرت أرمسترونج - أيدن رايتر

استقبلت الأسواق المالية تصريحات جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ولجنة السوق الفيدرالية المفتوحة، بترحيب ملحوظ، وارتفعت الأسهم، التي سجلت بالفعل أداءً قوياً قبل البيان والمؤتمر الصحافي، بشكل إضافي بعدهما.

ومع ذلك، فقد خفت هذا الحماس قليلاً مع إغلاق الجلسة. في المقابل، انخفضت عوائد سندات الخزانة، حيث تراجعت سندات العامين بثلاث نقاط أساسية، وانخفضت سندات العشر سنوات بنقطة واحدة. يثير هذا التساؤل: هل كان الاجتماع ذا توجه تيسيري؟.

ليس بالضرورة، إذ يمكن بسهولة تصور سيناريو مختلف، استمع فيه المستثمرون لتصريحات البنك، دون أن تنال إعجابهم على الإطلاق، فقد خفضت اللجنة توقعاتها للنمو الاقتصادي بشكل ملموس، ورفعت توقعاتها لمعدلات البطالة بنسبة طفيفة، كما رفعت نظرتها المستقبلية للتضخم أيضاً.

وثمة مصطلح يصف هذا النوع من الظروف الاقتصادية، وهو مصطلح سلبي: الركود التضخمي. وعلى الرغم من أن الفيدرالي لا يتنبأ بحالة خطيرة من الركود التضخمي، إلا أن المؤشرات تتجه في الاتجاه الخاطئ على جانبي التفويض الرئيس للبنك المركزي.

وقد كان الفيدرالي صريحاً بشأن أسباب هذا التحول، حيث أرجعه إلى التراجع الحاد في ثقة المستثمرين والشركات والمستهلكين، والناجم بشكل رئيس عن المخاوف المتعلقة بسياسات إدارة ترامب، لا سيما الرسوم الجمركية.

صحيح أن توقعات سياسة أسعار الفائدة بقيت دون تغيير من حيث المتوسط، لكن هذا المتوسط يخفي تحولاً مهماً نحو سياسة نقدية أكثر تشدداً. فعند استبعاد أعلى وأدنى ثلاثة تقديرات فردية، نجد أن توقعات «الاتجاه المركزي» للسياسة النقدية، ارتفعت من نطاق 3.6 - 4.1 %، إلى 3.9 - 4.4 %، وهو تحول لا يمكن تجاهله.

وخلال المؤتمر الصحافي الأخير، سلط باول الضوء على تزايد حالة عدم اليقين لدى أعضاء اللجنة بشأن توقعاتهم، حيث إن هذه الحالة من عدم اليقين لا تتسم فقط بارتفاع مستواها، بل إنها غير متوازنة، وتميل بشكل شبه كامل نحو توقعات بنمو أبطأ وتضخم أعلى.

وبدت كل المؤشرات مقلقة إلى حد ما، ما يثير تساؤلاً: لماذا كانت استجابة الأسواق المالية هادئة؟ هناك عدة تفسيرات محتملة: فقد قدّم البنك المركزي رسالة كانت الأسواق قد استوعبتها بالفعل، حيث أدركت هذه الأسواق مسبقاً، أن المخاوف السياسية قد رفعت من مخاطر تباطؤ النمو وارتفاع التضخم.

كما شعر المستثمرون بالارتياح، لأن الفيدرالي لم يُظهر موقفاً متشدداً إزاء مخاطر التضخم الناجمة عن الرسوم الجمركية، وتبنى باول نبرة متوازنة.

مشدداً على أنه يمكن تجاوز الارتفاعات السعرية الناتجة عن الرسوم الجمركية، طالما بقيت توقعات التضخم على المدى الطويل تحت السيطرة، وهو ما يعكس موقفاً لبنك مركزي لا يسعى للدخول في صدام مع السلطة التنفيذية.

كذلك، فقد قررت الأسواق، المتعطشة لأخبار إيجابية، بعد شهر عصيب، أن تركز اهتمامها على توقعات أسعار الفائدة، التي ظلت دون تغيير، متجاهلة كل المؤشرات الأخرى.

وقد فاجأ البنك المركزي الأمريكي الأسواق بإعلانه عن تباطؤ حاد في وتيرة التشديد الكمي، حيث قرر تغيير سقف الأوراق المالية التي يسمح بخروجها من ميزانيته العمومية، من 25 مليار دولار شهرياً، إلى 5 مليارات دولار فقط.

وليس مفاجئاً أن التشديد الكمي يشارف على نهايته، فوفقاً لمعظم المؤشرات، أصبحنا قريبين من هدف الفيدرالي، المتمثل في تحقيق احتياطيات مصرفية «وافرة»، دون أن تكون فائضة.

وكانت معظم التوقعات الصادرة في نهاية العام الماضي، تشير إلى أن التشديد الكمي سينتهي خلال النصف الأول من العام الجاري، على الأرجح في يونيو.

غير أن الصورة تغيرت منذ ذلك الحين، إذ أظهرت محاضر اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في يناير، أن محافظي البنك المركزي كانوا يدرسون إنهاء التشديد الكمي قبل الموعد المخطط له، في حال وجود «تقلبات في الاحتياطيات خلال الأشهر القادمة مرتبطة بديناميكيات سقف الدين».

ومع ذلك، رجح المحللون الذين تحدثنا معهم قبل الاجتماع، أن الإنهاء التدريجي للتشديد الكمي سيبدأ في مايو، وليس مارس. وأكد جيروم باول، أمس، أن قرار التباطؤ يأتي ضمن المسار الطبيعي للتشديد الكمي.

ولا يعكس قلقاً بشأن سقف الدين، وهي رسالة تختلف عما ورد في محاضر اجتماع يناير، علماً بأن مثل هذا القلق سيكون مبرراً، فقد أُعيد فرض سقف الدين - وهو الحد الأقصى لما يمكن للولايات المتحدة اقتراضه لتمويل العجز الجاري - في بداية هذا العام، بعد تعليق استمر عامين.

وحتى يتم رفع سقف الدين أو تعليقه مجدداً، لا يمكن للخزانة الأمريكية إصدار ديون جديدة صافية، وبدلاً من ذلك، تعمل على استنزاف حسابها البالغ 414 مليار دولار لدى الفيدرالي.

إن الوقت ينفد بسرعة، فحتى مع تدفق إيرادات ضريبية جديدة، من المتوقع أن تستنفد الخزانة الأمريكية أموالها «في وقت ما من هذا الصيف، ربما في أغسطس»، وفقاً لبريج خورانا من شركة ويلينغتون مانجمنت، وبعد ذلك، ستضطر الخزانة إلى اتخاذ «إجراءات استثنائية» لحماية الحكومة الأمريكية من التخلف عن سداد التزاماتها.

ومن المرجح أن يقوم الكونغرس برفع سقف الدين، قبل الوصول إلى تلك النقطة الحرجة، رغم أنه ستكون هناك حتماً مناورات سياسية تصاحب هذه العملية، وبعدها ستحتاج الخزانة إلى إصدار سندات دين جديدة لإعادة تعبئة خزائنها المالية.

وحذّر غونيت دينغرا كبير استراتيجي أسعار الفائدة الأمريكية في بنك بي إن بي باريبا، من أنه إذا تزامن ذلك مع عمليات التشديد الكمي، فسينتج عن ذلك ضغط مزدوج على سيولة النظام المالي، يسعى البنك المركزي لتجنبه.

وأضاف: «عندما تقوم الخزانة باستنزاف رصيدها النقدي، فإن ذلك يضخ سيولة إضافية في النظام المصرفي. لكن عندما تعيد الخزانة بناء رصيدها النقدي من خلال إصدار المزيد من سندات الخزانة، تنتقل تلك الأموال من النظام المصرفي إلى حساب الخزانة لدى الفيدرالي، ما يسحب السيولة من النظام المصرفي. في الوقت نفسه، تعمل سياسة التشديد الكمي أيضاً على سحب السيولة من النظام».

وكانت الخزانة أصدرت ديوناً جديدة في عام 2022، عندما كان التشديد الكمي في أوجه، إلا أنه في ذلك الوقت، كانت هناك سيولة أكبر ومصادر متعددة للسيولة، مثل الأموال المتاحة في برنامج إعادة الشراء العكسي.

ولو حدث تزامن بين التشديد الكمي وطفرة كبيرة في إصدارات سندات الخزانة الجديدة، فإن ذلك قد يؤدي إلى أزمة سيولة حادة، وهو ما يمكن أن يؤثر في استقرار النظام المالي.

ويمثل تباطؤ وتيرة التشديد الكمي أخباراً مرحباً بها في الأسواق المالية، حيث تستفيد الأسهم من السيولة الإضافية المتوقعة، ورغم أن تأثير سياسات التشديد والتيسير الكمي في عوائد سندات الخزانة، يُرجح أن يكون محدوداً، إلا أن نهاية التشديد الكمي ينبغي أن تؤدي، مع ثبات العوامل الأخرى، إلى انخفاض طفيف في عوائد هذه السندات.

من جانبنا، نميل إلى تصديق تصريحات باول، غير أن تباطؤ التشديد الكمي سيخفف حتماً بعض الضغط خلال صيف قد يشهد توترات سياسية ومالية، فبعض أعضاء الحزب الجمهوري يركزون اهتمامهم على قضية الدين الوطني.

بينما يسعى معظم الديمقراطيين إلى إيجاد سبل لمواجهة سياسات ترامب، ما يرفع من احتمالات المواجهة المالية، بينما يقرر الكونغرس كيفية التعامل مع سقف الدين. وفي ظل هذه الأجواء، قد يكون من الحكمة تقليص المخاطر المحتملة، حيثما أمكن ذلك.