غموض مستقبل صناعة السيارات مع تهديدات ترامب الجمركية

أرجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حربه التجارية مع المكسيك وكندا لبعض الوقت، لكن ذلك لم يطمئن رؤساء شركات السيارات الأوروبية واليابانية والكورية الجنوبية، فقد لوح ترامب بفرض «رسوم جمركية متبادلة» على شركاء الولايات المتحدة التجاريين.

والتي ستسري اعتباراً من الثاني من أبريل، وهو اليوم الذي ينتهي فيه تأجيل فرض رسوم بنسبة 25 % على الواردات من دول أمريكا الشمالية.

وقال ترامب إنه سيرفع الرسوم الجمركية، رداً على الضرائب والرسوم واللوائح والإعانات التي تعتبرها واشنطن غير عادلة، إلا أن الغموض المحيط بتفاصيل آلية تطبيق هذه الرسوم الجمركية المتبادلة يثير الكثير من القلق لدى رؤساء شركات صناعة السيارات.

وسلطت المفاوضات التجارية الأخيرة للولايات المتحدة مع المكسيك وكندا الضوء على قطع غيار السيارات، ما زاد من احتمال فرض قواعد جديدة أو رسوم على المكونات الأساسية التي تستوردها شركات تصنيع السيارات غير الأمريكية من أوروبا وآسيا.

وقال مسؤول تنفيذي في إحدى شركات صناعة السيارات الأوروبية: «نشعر بالارتياح حالياً بسبب التمديد، لكننا لا نعرف ما الذي سيكون الهدف المقبل». لكن كيف ساعد تمديد المهلة لمدة 30 يوماً على الرسوم الجمركية المفروضة على المكسيك وكندا صناعة السيارات؟

يشمل الإعفاء الجمركي الأخير من واشنطن السيارات المُجمعة في المكسيك وكندا، التي تتوافق مع شروط اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمها ترامب عام 2020، وكي تكون السيارة مؤهلة للإعفاء من الرسوم بموجب اتفاقية الولايات المتحدة - المكسيك - كندا، يجب ألا تقل نسبة مكونات السيارة القادمة من أمريكا الشمالية عن 75 % من إجمالي قيمتها. كما يتعين أن تستوفي عملية الإنتاج متطلبات أخرى، تتعلق بالمواد المستخدمة والأجور.

ومنذ إبرام اتفاقية 2020، عززت شركات السيارات الأمريكية والدولية استثماراتها في التصنيع بأمريكا الشمالية، ما ساعد على دعم سلاسل التوريد والقوى العاملة.

ونتيجة لذلك، فإن نصف المكونات المستخدمة في المركبات التي تُنتجها «جنرال موتورز» و«فورد» و«ستيلانتيس» (الشركة الأم لعلامة كرايسلر) في كندا، تأتي من الولايات المتحدة، بينما تبلغ هذه النسبة 35 % في السيارات المجمعة بالمكسيك، وفقاً لمجلس سياسة السيارات الأمريكية.

وفي حال قررت واشنطن الإبقاء على قواعد اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، فإن غالبية الطرازات المنتجة في كندا والمكسيك، ستظل تستوفي الشروط المطلوبة للإعفاء الجمركي، باستثناء بعض السيارات الفاخرة المنتجة بكميات محدودة.

ومن بين شركات صناعة السيارات الدولية، قالت «تويوتا» و«هوندا»، إن جميع السيارات المنتجة في أمريكا الشمالية تقريباً متوافقة مع اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، كما أن سيارات فولكسفاغن الألمانية تستوفي المعايير.

أما سيارات بي إم دبليو، فلن تستفيد من الإعفاء، إذ لا تصل نسبة مكوناتها من أمريكا الشمالية إلى الحد الأدنى البالغ 75 %. ولم تعلق «مرسيدس-بنز» على الأمر، لكن وفقاً لمؤسسة ستاندرد آند بورز غلوبال موبيليتي، فمن المرجح ألا تكون طرازاتها متوافقة مع شروط الإعفاء.

وجاء قرار تأجيل فرض الرسوم الجمركية بعد ضغوط مكثفة مارستها شركات صناعة السيارات الثلاث الكبرى، لإعفاء الشركات التي استثمرت في التصنيع داخل أمريكا الشمالية، لتلبية لوائح اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.

وقد دعا جون إلكان رئيس مجلس إدارة شركة ستيلانتيس، إدارة ترامب إلى التركيز بدلاً من ذلك على واردات السيارات القادمة من كوريا الجنوبية، واليابان، والاتحاد الأوروبي، بدلاً من استهداف السيارات القادمة من المكسيك وكندا.

وقال إلكان في تصريحات أدلى بها لمستثمري «ستيلانتيس» في فبراير: «الفرصة الحقيقية أمام الإدارة لتعزيز الوظائف في أمريكا، وزيادة الاستثمار في التصنيع، تكمن في سدّ الثغرة التي تسمح حالياً بدخول نحو 4 ملايين سيارة إلى البلاد». وتخضع الواردات القادمة من كوريا الجنوبية حالياً لإعفاء جمركي.

بينما تُفرض رسوم نسبتها 2.5 % على المركبات القادمة من اليابان والاتحاد الأوروبي، علاوة على ذلك، لا تخضع هذه السيارات لقواعد المحتوى الأمريكي، التي تتطلب أن تكون نسبة من قطع غيارها مصنوعة في أمريكا.

لكن هل ستُدرج قطع غيار السيارات ضمن الرسوم الجمركية المتبادلة التي سيفرضها ترامب؟ قال المسؤولون الأمريكيون إنهم سيفرضون تعريفات متبادلة على أساس «كل دولة على حدة».

وستشمل أيضاً الرد على الحواجز غير الجمركية. وإذا قررت واشنطن مطابقة الرسوم الجمركية الأمريكية مع تلك التي تفرضها الدول الأخرى على السلع الأمريكية.

فقد تشمل هذه الرسوم قطع غيار السيارات، لا سيما في حالة الاتحاد الأوروبي، الذي يفرض رسوماً بنسبة 10 % على واردات السيارات، و3 % - 4.5 % على واردات قطع الغيار.

بينما لا تفرض الولايات المتحدة سوى 2.5 % على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبي. لكن مارك ويكفيلد رئيس قطاع سوق السيارات العالمي في شركة أليكس بارتنرز، يرى أن استهداف المكونات الأجنبية سيكون «معقداً ومكلفاً من الناحية الإدارية». وهكذا، يبقى القلق مسيطراً على المسؤولين التنفيذيين في صناعة السيارات.

فقد صرح مايكل روبينيه المدير التنفيذي للاستشارات في مجال السيارات في «ستاندرد آند بورز غلوبال»، بأن فرض رسوم 25 % على الدول التي تصدر سيارات أو قطع غيار إلى الولايات المتحدة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، يُعد «احتمالاً وارداً جداً». وأضاف: «في أزمة أشباه الموصلات الناتجة عن كوفيد، كنا نعرف أن هناك نهاية للأزمة أما في هذه الحالة، فلا نعرف كيف سينتهي الحال».

وتمتلك شركات صناعة السيارات العالمية، مثل «بي إم دبليو» و«تويوتا»، و«هيونداي»، بصمة تصنيعية راسخة في أمريكا الشمالية، مع سلاسل توريد مترابطة بشكل عميق، إلا أن بعض الطرازات الفاخرة منخفضة الإنتاج.

إضافة إلى السيارات الهجينة والكهربائية، تعتمد بشكل أساسي على مكونات تُستورد من ألمانيا، واليابان وكوريا الجنوبية. وفقاً للمحلل في «يو بي إس»، كوهِي تاكاهـاشي، فإن «سوبارو» تستورد منظومات الدفع الخاصة بها.

بما في ذلك المحركات والمكونات الأساسية الأخرى اللازمة لتشغيل السيارة، من اليابان كما تعتمد «تويوتا» على أنظمة ناقل الحركة المصنوعة في اليابان لطرازاتها الهجينة المنتجة في الولايات المتحدة، رغم خططها لزيادة الإنتاج المحلي لهذه المكونات هذا العام.

وقال تاكاهـاشي إن: «تعريف المركبات المصنعة في الولايات المتحدة، وإمكانية فرض رسوم جمركية على قطع غيار السيارات المستوردة من اليابان، لا يزال بحاجة إلى توضيح».

وقال شاي ناتاراجان، من «موبيليتي إمباكت بارتنرز» وهو صندوق أسهم خاصة مقره في نيويورك، إن هيونداي قادرة على الحفاظ على مبيعاتها في السوق الأمريكية، بفضل مصانعها المحلية، لكن المشكلة تكمن في أن بعض الطرازات التي تُنتج وتُباع في الولايات المتحدة، تحتوي على ما يقرب من 80 % من قطع الغيار المصنوعة في كوريا الجنوبية.

وفي حال فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على كوريا الجنوبية تشمل قطع غيار السيارات، فسيكون على «هيونداي» إعادة هيكلة سلاسل التوريد الخاصة بها بشكل جذري. وأضاف ناتاراجان: «ستحتاج هيونداي إلى زيادة قدراتها في تصنيع وتوريد المكونات في الولايات المتحدة بسرعة».

وتواجه شركات السيارات الألمانية أيضاً تداعيات الحرب التجارية، فقد صرح أوليفر زيبسه الرئيس التنفيذي لشركة بي إم دبليو، بأن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي والصين، سيكلف الشركة مليار يورو هذا العام. وقال: «لا يوجد رابح في مثل هذا الوضع».

وحتى شركة تسلا، التي تعد الأقل تأثراً برسوم ترامب الجمركية، حذرت من أن أي رسوم ضد الولايات المتحدة، قد ترفع تكلفة تصنيع السيارات داخل أمريكا.

وأكدت الشركة في رسالة غير موقعة، وُجهت إلى ممثل التجارة الأمريكي، جيميسون غرير: «حتى مع التوطين المكثف لسلسلة التوريد لا تزال هناك بعض الأجزاء والمكونات التي يصعب أو يستحيل تأمينها من داخل الولايات المتحدة».