غياب التنوع يلقي بظلال قاتمة على جوائز نوبل للعلوم

أنجانا أهوجا
عندما علم بيير كوري أنه على وشك الحصول على جائزة نوبل في الفيزياء مشاركة مع هنري بيكريل عن أبحاثهما المستقلة في مجال النشاط الإشعاعي أصر على ضم شريكته في المختبر وزوجته، ماري كوري، إلى قائمة الفائزين، وبعد احتجاجه أضيفت زوجته بالفعل إلى الفائزين، ليقتسم الثلاثة الجائزة عام 1903.

وبعد مرور أكثر من قرن على هذه الواقعة تبقى التساؤلات حول العدالة والتنوع والتمثيل الشامل حاضرة على مسرح أكثر الجوائز العالمية المرموقة في مجال العلوم.

وخلال الأسبوع تم إعلان حصول سبعة علماء على الجائزة لعام 2024، لكنهم كانوا جميعاً من الرجال، وكانوا إما من أمريكا الشمالية وإما أوروبا. وخلال تهنئة من لجنة الجائزة لأحد الفائزين بجائزة نوبل للعلوم استشهدت بورقة بحثية رائدة، تعود إلى عام 1993 وكانت زوجته المؤلف الأول لها، ما أثار تكهنات بأنها تعرضت للتجاهل تماماً.

كذلك، فقد أظهر تحليل إحصائي نشرته مجلة «نيتشر» أن الحائزين الجدد على الجائزة غالباً ما يدورون في فلك الحاصلين القدامى عليها، وأن شبكة العلاقات الاجتماعية مهمة في هذا السياق، ولذلك وصفت المجلة الجوائز بأنها «لا تمثل العالم».

كذلك أثارت جوائز هذا العام الدهشة لأسباب أخرى، فقد ذهبت جائزتا الفيزياء والكيمياء إلى نجوم في سماء البحوث عن الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك جيفري هينتون، العالم السابق لدى «جوجل»، وديميس هاسابيس، الرئيس التنفيذي لدى «جوجل ديب مايند».

ويتمتع كل منهما بخلفيات موسوعية تمزج بين علوم الحاسوب والنفس والأعصاب، لكن من المثير للاهتمام أن هينتون وهاسابيس لهما روابط مع وحدة الأبحاث نفسها في جامعة «لندن كوليدج».

عموماً قليلون هم الذين يشككون في إنجازات هينتون، حيث كان عمله حاسماً في بناء الذكاء الاصطناعي، كما أن نموذج «ألفا فولد 2» من «جوجل ديب مايند»، وهو برنامج ذكاء اصطناعي يتنبأ ببنية البروتينات، أحدث بالفعل تحولاً في علم الأحياء.

كما حصلت الشركة على جائزة مرموقة في مجال الهندسة هذا العام، بفضل تقنيتها للتنبؤ بالطقس، لكن في عصر الذكاء الاصطناعي، ووسط تحديات متعددة التخصصات مثل التغير المناخي، قد نتساءل عما إذا كانت فئات جوائز نوبل الحالية مناسبة للوقت الحالي.

وقد أجرت «نيتشر» تحليلاً لـ 346 جائزة نوبل منحت إلى 646 فائزاً في الفئات العلمية الثلاث: الفيزياء والكيمياء والفسيولوجيا أو الطب، منذ عام 1901، مع العلم بأنه يمكن أن يتقاسم ثلاثة أشخاص الجائزة الواحدة التي تقدر قيمتها بأكثر من مليون دولار بقليل.

وتم منح جوائر نوبل للعلوم 11 مرة إلى نساء خلال القرن العشرين، وازداد الرقم منذ عام 2000 إلى 15، أما هذا العام، فلم تحصل أي امرأة على الجائزة. وقالت لي جوسلين بيل بورنيل، عالمة الفيزياء الفلكية لدى جامعة أوكسفورد: «لا يفاجئني ذلك، لكنه للأسف يصيبني بالإحباط».

ويعتقد على نطاق واسع أن بيل بورنيل نفسها خسرت جائزة نوبل في عام 1974 لصالح عالمين اثنين كبار، رغم اكتشافها لـ«النجوم النابضة»، وكان أحد الفائزين مشرفاً على رسالتها للدكتوراه، لكن في عام 2018 حازت بيل بورنيل جائزة «بريكثرو» البالغة قيمتها 3 ملايين دولار.

وهي جائزة جديدة تنافس جوائز نوبل، وشارك في تدشينها عدد من المليارديرات في قطاع التكنولوجيا بينهم مارك زوكربيرج. وقد استخدمت بيل بورنيل الأموال لإطلاق صندوق منح دراسية للفيزيائيين من الخلفيات غير الممثلة حق التمثيل.

في الوقت نفسه منحت أكثر من نصف جوائز نوبل للعلوم إلى فائزين من أمريكا الشمالية، لذلك قالت لي فرانسيس أرنولد، الأستاذة لدى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والحائزة جائزة نوبل للكيمياء في 2018 «كنت أود رؤية فائزات من النساء بالجائزة، وكذلك المزيد من التنوع الجغرافي»، خاصة أن مجموعة المواهب آخذة في الاتساع، لذلك شددت على أن العالم سيشهد هذا التغيير لا محالة.

وكما أشرنا يميل الحائزون الجائزة إلى أن يخلفهم آخرون ذوو صلة، وقام جيه جيه تومسون، الحائز نوبل للكيمياء في عام 1906، بتدريب 9 آخرين حصلوا فيما بعد على الجائزة في فرع الفيزياء، أما العالمان الأمريكيان فيكتور أمبروس وغاري روفكون، اللذان تقاسما جائزة الفسيولوجيا أو الطب لهذا العام.

فقد تعلما على يدي روبرت هورفيتز، الفائز بالجائزة في عام 2002. كما أن ديفيد بالتيمور، الحائز الجائزة عام 1975، كان المشرف على رسالة الدكتوراه التي حصل عليها أمبروس.

ويعكس التقارب بين الحاصلين على نوبل جزئياً حجم التمويل والقوة والمكانة، التي تتمتع بها بعض المؤسسات، وكذا عملية الترشيح التي تخضع لرقابة مشددة. ويمكن فقط للحائزين القدامى على نوبل ترشيح الأسماء التي يمكنها الحصول على الجائزة.

وكذلك أعضاء الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، وبعض الأساتذة في عدد ضئيل من الجامعات المرموقة، أما الآخرون فيحتاجون إلى خطاب رسمي يمنحهم الإذن بترشيح الأسماء، ولا يمكن للعلماء ترشيح أنفسهم لنيل الجائزة، وظلت كافة الأسماء المقترحة سرية طوال 50 عاماً.

وتقول لجان الجائزة إنها تحاول التعرف إلى عدد أكبر من النساء والشباب والعلماء خارج الولايات المتحدة وأوروبا ليكونوا مرشحين، وقد عرضت كل من الأكاديمية الأفريقية للعلوم والأكاديمية العالمية للعلوم المساعدة في هذا الصدد.

وتأسست الأخيرة عام 1983 على أيدي محمد عبد السلام، الباكستاني الحاصل على جائزة نوبل للفيزياء، وتضم أسماء 1,400 عالم من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

ورغم كل شيء تظل جوائز نوبل الرمز العالمي الأبرز للإنجاز الشخصي حتى في عصر العلوم التشاركية على وجه الخصوص، لذلك من العدل أن تبذل لجان الاختيار جهداً أكبر في تسليط الضوء على النطاق الواسع للعلماء، الذين يستحقون الجائزة المرموقة.