النقاش حول المعلومات المضللة.. تشتيت للأنظار عن القضية الجوهرية

جون بيرن مردوخ

عادةً ما يُنظر في النظريات الاقتصادية إلى التحول من الأسواق الاحتكارية، التي تسيطر عليها شركات قليلة، نحو بيئة تنافسية زاخرة بالشركات الصغيرة، على أنه أمر إيجابي. لكن هذه النظرة الإيجابية تتلاشى عندما تُوجه منتجات المتنافسين نحو فئات متنوعة من المستهلكين، مقدمةً لهم نسخاً مختلفة من الواقع، مما يثير تساؤلات جدية حول الفوائد الحقيقية التي يجنيها المجتمع من هذا التحول.

وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بظاهرة المعلومات المضللة، فإن التركيز الضيق على الأكاذيب الصريحة يحجب عنا تحولاً أكثر خطورة وعمقاً، حيث لم يعد الخطر الماثل يكمن في تصديق الناس للمعلومات الكاذبة - وهو أمر موجود عبر التاريخ - بل في غياب المساحات المشتركة للمعلومات والقناعات، سواء كانت صحيحة أم خاطئة.

إن المشكلة الأساسية تتجاوز مسألة صحة المعلومة أو زيفها، لتطرح تساؤلاً أعمق حول ما إذا كان مختلف أطياف المجتمع يتعرضون للمعلومات ذاتها من الأساس. وكانت المؤسسات الإعلامية التقليدية في السابق تسير في فلك أجندة إخبارية متشابهة ضمن الحدود الوطنية للدول، غير أن البيئة المعلوماتية الحالية التي تجاوزت الحدود وتشظت إلى أجزاء متناثرة، باتت تتخطى حراس البوابات القدامى والمعايير التقليدية بصورة متزايدة.

وقد أدى هذا التحول إلى انقسام متنامٍ لمنصات النشر على الإنترنت، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، إلى فضاءات تميل علناً نحو اليمين أو اليسار، تنتشر فيها أجندات متباينة. وكشخص يستخدم كلاً من منصتي «إكس» و«بلوسكاي»، أستطيع ملاحظة الفوارق الواضحة في الموضوعات المتداولة بين المنصتين.

وتكمن إحدى نقاط الضعف الأخرى في خطاب التضليل المعلوماتي في الادعاء بأن هذه المشكلة تقتصر على «جانب» واحد فقط، فقد أظهرت الأبحاث أنه بينما يميل المحافظون الأمريكيون في المتوسط إلى تصديق الادعاءات الكاذبة حول تغير المناخ، فإن الليبراليين أكثر عرضة لتصديق المعلومات المغلوطة حول الطاقة النووية. كما كشفت دراسات أخرى أجريت في الولايات المتحدة أن الحاصلين على تعليم جامعي لا يتفوقون على خريجي المدارس الثانوية في قدرتهم على تمييز مصداقية الأخبار.

لا أسلط الضوء على هذه الظاهرة بهدف انتقاد فئة بعينها، بل على العكس تماماً، فأنا أفعل ذلك لأشدد على حقيقة أن غالبية الناس - سواء من اليسار أو اليمين، المتعلمين أو الأقل تعليماً - لا يتحرون ببساطة صحة كل ادعاء يصادفونه.

إن الطبيعة البشرية تميل إلى تعظيم الكفاءة وتوفير الجهد، وهذا يدفعنا للبحث عن الطرق المختصرة في كل فرصة ممكنة. والواقع أن الغالبية العظمى منا لن تخصص وقتاً لتحري الحقائق أو تقييم جميع المعلومات التي نستهلكها، إذ يكفينا أن تبدو المعلومة معقولة وأن تأتي من مصدر لا نشك في مصداقيته.

وعندما تجتمع هذه الطريقة الاستدلالية مع الزيادة الهائلة في عدد مصادر المعلومات الجديدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، والتي تميل للعمل ضمن «جيوب معلوماتية» محددة في مشهد إعلامي متشظٍ بدرجة غير مسبوقة، فإن النتائج ستكون مثيرة للاهتمام بلا شك.

وعلى الرغم من أن الأدلة البحثية حول وجود ما يسمى «غرف الصدى» و«فقاعات التصفية» كانت متباينة حتى وقت قريب، فإن معظم هذه الدراسات أُجريت قبل التحول الجذري الأخير نحو «خوارزميات توصية» متطورة للغاية تعمل بالوقت الفعلي وتخصص المحتوى بدقة غير مسبوقة لكل مستخدم.

ومن خلال تحليل بيانات «دراسة الانتخابات البريطانية»، توصلت إلى أن الأشخاص الذين اعتمدوا على منصة «تيك توك» كمصدر للأخبار كانوا أكثر عرضة للتحول إلى مؤيدين لحزب «إصلاح المملكة المتحدة» بين عامي 2021 و2024 مقارنة بغيرهم، حتى بعد تحييد تأثير متغيرات العمر والجنس والمستوى التعليمي. والملفت للانتباه أن هذا النمط يظهر بقوة أكبر بين الرجال مقارنة بالنساء، مما يتوافق مع فرضية أن المجموعات المختلفة أصبحت تعيش في بيئات معلوماتية وسياسية متباينة تماماً عبر الإنترنت، حتى ضمن المنصات الرقمية ذاتها.

وبشكل مماثل في ألمانيا، يرى بعض المراقبين أن الحضور القوي لكل من حزب «البديل من أجل ألمانيا» وحزب «اليسار» على منصة «تيك توك» قد عزز من شعبيتهما لدى الشباب والشابات على التوالي، مما أسهم في إحداث فجوة جندرية واضحة في أنماط تصويت الشباب الألماني خلال انتخابات الشهر الماضي.

ويتجلى الارتباط بين هذا التشظي الإعلامي في كل مكان تنظر إليه، فالنظام الإعلامي المستقطب في الولايات المتحدة يصاحبه انقسامات سياسية أوسع بكثير مما نشهده في الدول التي تمتلك مشاهد إعلامية أكثر تماسكاً، كما تؤكد الدراسات الطولية أن البيئة الإعلامية المنقسمة تولّد بالضرورة سياسة مستقطبة.

وعند النظر عبر مختلف الفئات العمرية، نجد أن الشباب - الذين تختلف مصادر معلوماتهم بشكل حاد عن الأجيال السابقة وعن بعضهم البعض (خاصة بين الشبان والشابات) - يُظهرون حالياً أوسع انقسام أيديولوجي وفق العديد من المؤشرات.

وبينما سيستمر النقاش حول التضليل المعلوماتي دون شك، إلا أنه يشبه المراهق المنغمس في شاشته، حيث يفتقد للسياق الأوسع للظاهرة.