إيفان ليفنغستون - أوليفر بارنز - جوشوا فرانكلين
اضطر صانعو الصفقات إلى مراجعة توقعاتهم بشأن ارتفاع النشاط هذا العام؛ حيث أدت خسائر سوق الأسهم وحالة عدم اليقين تجاه سياسات إدارة الرئيس ترامب الجديدة إلى عرقلة عمليات الاستحواذ والاكتتابات العامة الأولية.
ويحمل اقتراب نهاية الربع الأول، أنباء تباطؤ نشاط الاستحواذ، على عكس ما توقع المستشارون نهاية العام الماضي، عندما سجلت أسهم الخدمات المصرفية الاستثمارية مستويات قياسية مدفوعة بالآمال التي علقت على «انتعاش ترامب».
وتشير بيانات «ديلوجيك» إلى تسجيل عدد الصفقات المعلنة منذ بداية يناير الماضي أبطأ وتيرة منذ أكثر من عقد. وشهد العالم إعلان نحو 6600 صفقة عالمية هذا الربع، بانخفاض نحو 30 % على أساس سنوي، وبتراجع 44 % من ذروة النشاط عام 2021.
وحاولت وول ستريت التحدث عن التعافي في إبرام الصفقات طوال عامين بعد زيادات أسعار الفائدة في عام 2022، والتي أجهزت على الطفرة التي شهدتها فترة الجائحة. وما بدأ في عام 2023 باعتباره «براعم خضراء» تحول إلى «مراحل مبكرة» عام 2024، ثم تحول إلى «مغامرات» عقب فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر الماضي.
وتواجه الشركات أوقاتاً عصيبة في التخطيط لبناء المصنع التالي، ناهيك عن إتمام صفقات استحواذ، في ظل مواصلة ترامب فرض تعريفات جمركية، ومع التغيير الذي يطرأ على صفوف المسؤولين في الهيئات الرقابية العالمية ذات الصلة بالمنافسة.
واستولت المخاوف على أسواق الأسهم الأمريكية في الأسابيع الأخيرة بشأن صحة الاقتصاد المحلي، فانخفض مؤشر «إس آند بي 500» القياسي للشركات الكبرى بنحو 4 % حتى الآن هذا العام.
وحذر رئيس هيئة الاتصالات الفيدرالية الأسبوع الماضي من احتمالية قيامه بحظر صفقات الشركات التي توجد لديها «أشكال بغيضة من التمييز القائم على التنوع والمساواة والاندماج»، فيما يتوقع حالياً من مسؤولين آخرين عن مكافحة الاحتكار، مثل غيل سليتر، الإبقاء على نهج أكثر صرامة في عملية الإنفاذ مقارنة بما كانت وول ستريت تتوقعه بادئ الأمر من إدارة ترامب.
وقال جوناثان كورسيكو، الذي يرأس نشاط الدمج والاستحواذ بمكتب سيمبسون تاتشر للمحاماة في العاصمة واشنطن: «دائماً ما يكون هناك عدم يقين لدى مجيء إدارة أمريكية جديدة إلى سدة الحكم، لكن عدم اليقين الموجود اليوم يتخطى كثيراً ما مرت به من قبل».
وأظهرت بيانات «ديلوجيك»، ارتفاع قيمة عروض الاستحواذ المعلنة بنسبة 14 % مقارنة بالفترة ذاتها العام الماضي إلى نحو 812 مليار دولار. لكن ازدياد القيمة كان مدفوعاً جزئياً بعدد من الصفقات الكبيرة.
وأعلنت «ألفابيت» المالكة لـ «جوجل» هذا الشهر، أكبر عملية استحواذ في تاريخها بقيمة 32 مليار دولار على شركة الأمن السيبراني «ويز». وأبرمت «بلاك روك» صفقة لشراء عشرات الموانئ، بما في ذلك ميناءان في قناة بنما، بقيمة 23 مليار دولار، مع مواجهة شركة سي كيه هاتشينسون، التي باعت الميناءين وتتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، كما وافقت شركة «سيكامور بارتنرز» لعمليات الاستحواذ، على صفقة لشراء سلسلة «والجرينز بوتس أليانس» للصيدليات.
وعززت شركات الأسهم الخاصة التي تتعرض بالفعل لضغوط لبيع أصولها وإعادة النقد للمستثمرين، أيضاً نشاطها. وقفزت قيمة ما يطلق عليها عمليات الدمج والاستحواذ المدعومة من الرعاة الماليين إلى 295 مليار دولار، بارتفاع من 160 مليار دولار في الفترة نفسها العام الماضي.
ولم يرْقَ إبرام الصفقات إلى ما كان ينشده المستشارون في توقعاتهم بشأن التعافي الذي كانوا يعدون له طوال عامين من الهدوء.
وقال نافين ناتاراجا، الرئيس المشارك للصيرفة الاستثمارية الأمريكية لدى «إيفركور»: «إننا نشهد تأخراً مفهوماً في تعافي نشاط الدمج والاستحواذ»، موضحاً أن المصرف ما زال يتوقع «بيئة أكثر نشاطاً في الدمج والاستحواذ خلال فترات لاحقة من العام، خاصة مع بدء انقشاع عدم اليقين الذي يلبد سماء السياسة التجارية والخارجية».
وأفاد مصرفيون بارزون ومحامون، أنه في حين كان هناك كثير من المناقشات مع العملاء بشأن الصفقات، إلا أن الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة ظلوا حذرين بشأن إتمام الصفقات.
ويرى بيرس بريشارد جونز، شريك الدمج والاستحواذ ورئيس مكتب فريشفيلدز للمحاماة، أن «رغبة السوق للنظر في الصفقات قوية، لكن شهية إبرام الصفقات ليست بالقوة نفسها».
وتابع: «هناك اعتقاد بأن الأمور قد تتغير سريعاً، لكنني لن أراهن على هذا وفق ما أراه الآن».
كما فشلت عمليات الطرح العام الأولي في الانتعاش بالقوة المأمولة، رغم مضي شركات مثل «كور ويف» و«ستاب هاب» و«كلارنا» قدماً في طرح أسهمها بالبورصة. وارتفعت عائدات عمليات الاكتتاب العام الأولي حتى الآن هذا العام بمقدار الخمس فقط مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لبيانات مجموعة بورصة لندن، وذلك بانخفاض كبير مقارنة بعامي 2021 و2022.
ودفع السوق الباهت بعض المصارف ومكاتب المحاماة إلى تعديل خطط التوظيف.
وقال ويل ليهيز، الشريك المؤسس لشركة بلتفرم للبحث التنفيذي: «سترغب المصارف في تعيين أفضل المواهب». واستطرد: «مع اقترابنا من نهاية الربع الأول، يشير عديد من عملائنا إلى أن نمو التوظيف بصدد الاستقرار وليس بصدد الازدياد الذي شهده كثير منهم في بداية العام».
وفي مصرف «غولدمان ساكس»، أفاد أشخاص على اطلاع بالأمر إلى أن الفرق التي لديها عدد أقل من الصفقات لن تحل محل المصرفيين المبتدئين الذين يغادرون على الفور. ورفض «غولدمان ساكس» التعليق.
تجدر الإشارة إلى أن مستوى التقلبات في السوق قد زاد صعوبة موافقة المشترين والبائعين على الأسعار، لكن مستشارين ذهبوا إلى أن الصفقات قد تنتعش بمجرد وجود مزيد من الوضوح بشأن سياسة مكافحة الاحتكار، على سبيل المثال.
وأشار ستيفن بيك، رئيس قسم الدمج والاستحواذ في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى «باركليز»، إلى أن «الأمر يبدو وكأن هناك قدراً أقل من الوضوح بشأن التقييمات مقارنة بما سبق»، وأضاف: «هناك كثير من الصفقات التي تم تأجيلها أو ما زالت قيد الانتظار ويمكن إنعاشها سريعاً».