مسببات نهاية «الاستثنائية الأمريكية» تتراكم منذ زمن طويل

روتشير شارما

كثيرون ممن روجوا لانتخاب دونالد ترامب للبيت الأبيض بصفته دفعة قوية لـ «الاستثنائية الأمريكية» يرون هم أنفسهم أن التراجع الأخير في الأسهم الأمريكية والدولار مؤشر على أن عصر الهيمنة الأمريكية هذا مهدد، ويربطون هذا التحول المفاجئ بترامب أيضاً.

إنهم يعتقدون أنه لولا الأحداث الدراماتيكية اليومية في واشنطن، لكانت أسواق الولايات المتحدة لا تزال تسبق بكثير بقية العالم. إلا أن مقدمات نهاية الاستثنائية الأمريكية تسبق فترة ولاية ترامب الثانية بزمن طويل.

فبعد تراكمها في الأسواق العالمية لسنوات، أظهرت بوادر بلوغها نقطة الذروة بعد انتخابه، عندما بدا كثيرون مقتنعين بأن سياسات الرئيس الجديد ستجذب المزيد من رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة.

لكن هذا الحماس المفرط كان لا بد أن ينفجر مع أول ضربة موجعة. ولولا الاضطرابات التي شهدتها الأيام الأولى لإدارة ترامب، لكان من الممكن أن تؤدي صدمة أخرى إلى دفع المستثمرين إلى إعادة النظر في تخصيصاتهم القياسية المرتفعة للأصول الأمريكية.

إنه حتى بعد تراجعات الشهر الماضي، لا تزال القيمة الحقيقية للدولار عند مستويات مرتفعة نادراً ما شوهدت منذ نهاية أسعار الصرف الثابتة في أوائل السبعينيات. في الوقت نفسه، مع انخفاض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 10 في المائة عن ذروته في فبراير، فإنه لا يزال يتداول بنسبة 25 في المائة أعلى من خط اتجاهه الصعودي خلال الـ 150 عاماً الماضية.

كذلك، فإنه رغم الارتفاع الحاد في الأسهم الأوروبية والصينية هذا العام، فإن قيمة الأسهم الأمريكية أعلى بنسبة 50 في المائة من الأسواق العالمية - وهي قريبة من أوسع الفوارق المسجلة.

كما لا تزال حصة أمريكا من مؤشر السوق العالمي الرئيسي أعلى بكثير من 60 في المائة على الرغم من أن حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أقل بكثير من 30 في المائة. باختصار، لقد بدأت للتو عملية إعادة التوازن المتأخرة كثيراً للأسواق العالمية، ومن المرجح أن تستمر لفترة طويلة.

ومن خلال العناوين الرئيسية، قد تعتقد أن المستثمرين يشككون في هيمنة الولايات المتحدة بناءً على رسوم ترامب الجمركية وعدم اليقين الشديد المحيط بسياساته. ولكن الضجة حول الاستثنائية الأمريكية كانت مبنية على النمو الاقتصادي المتفوق في الولايات المتحدة.

والذي تم تعزيزه بشكل مصطنع من خلال الإنفاق الحكومي الضخم والطفرة غير المسبوقة في الإنفاق الرأسمالي بمجال الذكاء الاصطناعي.

لم يكن الاقتصاد الأمريكي معتمداً على الحكومة بهذا الحد من قبل، ولم يكن تشغيل عجز في الميزانية بنسبة 6 في المائة مستداماً. وفي الوقت نفسه، تظهر الإصلاحات المالية الأخيرة في ألمانيا، وإطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي منخفضة التكلفة في الصين، أن بقية العالم قادر على منافسة الولايات المتحدة. وحتى الآن، قادت تدفقات الأموال السريعة، بما في ذلك صناديق التحوط، عملية الخروج من الأسهم الأمريكية.

ولم يتبعها الكثيرون بعد. وحتى مع إظهار استطلاعات المستهلكين والشركات الصغيرة انخفاض الثقة، يواصل مستثمرو التجزئة الأمريكيون شراء الانخفاض.

وقد واصلوا ضخ المزيد من الأموال في الأسهم الأمريكية كل يوم (باستثناء يوم واحد) منذ أن بلغت الأسعار ذروتها في أواخر الشهر الماضي. وغالباً ما يستخدمون أكثر الأدوات المتاحة عدوانية، مثل صناديق الاستثمار المتداولة ذات الرافعة المالية.

كذلك، يواصل المستثمرون الأجانب، من صناديق التقاعد الأسترالية إلى شركات التأمين اليابانية، نقل الأموال إلى الولايات المتحدة. وخلال السنوات الأخيرة، ذهب أكثر من 80 في المائة من الأموال المستثمرة في صناديق سوق الأسهم في جميع أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة.

وبعد أن تضاعفت حيازاتهم من الأسهم الأمريكية بأكثر من 3 أضعاف لتصل إلى 20 تريليون دولار العقد الماضي، يمتلك الأجانب الآن 30% من سوق الأسهم الأمريكية، وهو رقم قياسي.

ولعقود من الزمن، عانت الولايات المتحدة من عجز كبير في الاستثمار الدولي، مما يعني أن الأمريكيين يمتلكون أصولاً في الخارج أقل بكثير مما يمتلكه الأجانب في الولايات المتحدة.

وفي بداية هذا العقد، تجاوز هذا العجز 50 % من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وهو مستوى كان يشير في كثير من الأحيان إلى انخفاض العملة في الماضي. واليوم أصبح العجز أوسع نطاقاً، حيث بلغ 80 % من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن الاقتصادات المتقدمة الأخرى تحقق فوائض في الغالب.

في الماضي، كانت الأسهم في جميع أنحاء العالم تميل إلى الأداء الجيد عندما كان أداء السوق الأمريكي جيداً، وتسجل أداءً ضعيفاً عندما كان الأداء الأمريكي ضعيفاً. لكن هذا الرابط انكسر في الآونة الأخيرة.

لذلك، فإنه عندما تتعثر الولايات المتحدة الآن فقليل فقط من الدول الأخرى يتعثر معها. فقد شهدت أسواق الأسهم الأوروبية للتو أفضل شهر لها من حيث التدفقات الأجنبية في عقد من الزمان. وتجذب اليابان التدفقات أيضاً.

ولم تعد الأسواق الناشئة تتراجع مع السوق الأمريكية أيضاً. ومع انتشار التساؤلات والشكوك حول هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد والسوق بين أوساط المستثمرين حول العالم، سيستمر الضجيج حول الاستثنائية الأمريكية في التلاشي. وقد يصعب تصديق ذلك، لكن هناك بالفعل العديد من القوى التي تؤثر بدرجة أكبر بكثير من ترامب.