سارة أوكونور
كانت إحدى أولى وظائفي كمراسلة متدربة كتابة تقرير يومي عن سوق الأسهم. لم تكن هذه المهمة تُزعج صحافياً متمرساً، لكنها كانت مُخيفة وصعبة بالنسبة لي كصحافية مبتدئة. مع ذلك، كنتُ محظوظة:
فبعد أن أُقدّم مسودتي، كان محرري يطلب مني الوقوف خلفه، ومشاهدة شاشته أثناء تحريرها. كان يشرح لي بصوت عالٍ ما يُغيّره ولماذا، ما ساعدني على تعلم كيفية القيام بذلك بشكل أفضل في اليوم التالي.
تذكرت ذلك عندما كنت أقرأ كتاب «شفرة المهارة»، وهو كتاب نُشر العام الماضي للأكاديمي مات بين، يطرح فكرة مفادها أن «رابطة العمل» بين الخبراء والمتعلمين، كانت «أساس نقل البشرية للمهارات والإبداع عبر آلاف السنين». ولكن هل يُمكن لهذه الرابطة الصمود في عصر الذكاء الاصطناعي؟
حتى الآن، فإن المهام التي يبدو أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يعتبر الأنسب لها، هي تلك التي يميل العديد من المتدربين ذوي الياقات البيضاء إلى القيام بها.
وعندما حلل باحثون في معهد بروكينغز، وهو مركز أبحاث أمريكي، بيانات من «أوبن إيه آي»، وجدوا أن نسبة المهام المعرضة لخطر الأتمتة كانت أعلى بخمس مرات لدى محلل أبحاث السوق منها لدى مدير التسويق، على سبيل المثال. وكانت أعلى بثلاث مرات لدى مندوب المبيعات منها لدى مدير المبيعات، وأكثر من الضعفين لدى مصمم الغرافيك منها لدى مدير التصميم الفني.
وأشارت التقارير أيضاً إلى أن بنوك الاستثمار تدرس بالفعل مدى حاجتها لتوظيف هذا العدد الكبير من المحللين المبتدئين في المستقبل. وحتى مع الرغبة في الاستمرار في توظيف المتدربين، قد تصبح اقتصادات هذا النموذج التجاري أكثر صعوبة.
وأخبرني أحد كبار المحامين أن إقناع العملاء بدفع أجر المحامين المبتدئين أصبح بالفعل أكثر صعوبة، لأنهم يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي قادر على القيام بالعمل بدلاً منهم.
ومن جانبهم، يبدو المبتدئون مترددين بدرجة كبيرة في استخدام الأدوات الجديدة، لخشيتهم من أنها ستُقلل من ساعات عملهم المدفوعة، وستُفقدهم الممارسة التي يحتاجونها للتقدم في العمل.
وفي كتابه «شفرة المهارة»، يرى مات بين أن اكتساب الإتقان في أي مهنة، يتطلب تحديات وتعقيدات وتواصلاً، لكنه يُحذر من أن «المبتدئين أصبحوا بشكل متزايد مشاركين اختياريين وبعيدين في المهام اليومية للخبراء».
ويستشهد بعدد من التقنيات الجديدة، وليس الذكاء الاصطناعي فقط. فعندما بحث في عمليات الجراحة الروبوتية في المستشفيات، على سبيل المثال، وجد أن استخدام الروبوتات قلل من فرصة مشاركة الجراحين المبتدئين. وأستطيع أن أتخيل عدداً من الطرق التي يمكن أن يحدث بها كل ذلك.
وعلى الجانب المتفائل، قد تتوصل الشركات إلى طرق جديدة لتدريب الجيل القادم من المهنيين، باستخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة حكيمة، لتسريع تقدمهم دون المساس باكتسابهم للمعرفة، وفرص التواصل الإنساني. ويمكن أن يتطلب ذلك تغييرات في بعض نماذج الأعمال.
وقد تحتاج شركات المحاماة، على سبيل المثال، إلى التخلي عن نظام الساعات المدفوعة. ولكن لا داعي لإضفاء طابع تجميلي على الطريقة القديمة في العمل، خاصة في الشركات التي كان يُتوقع فيها من الموظفين الجدد العمل لساعات طويلة للغاية في أعمال مملة نوعاً ما، والتي كانت، في أسوأ حالاتها، نوعاً من التنمر المهني.
على الجانب الآخر، وفي أسوأ السيناريوهات، قد تتوقف الشركات عن توظيف الموظفين الجدد، خاصة عندما تكون في عجلة من أمرها لتحقيق مكاسب إنتاجية. وكتبت مولي كيندر، إحدى الباحثات في معهد بروكينغز: «هذا هو السيناريو الذي يُبقيني مستيقظة طوال الليل».
«عالم من عملاء الذكاء الاصطناعي ذوي الكفاءة العالية، يتعلمون التعامل مع معظم المهام المكتبية اليومية، ويديرهم كادر صغير من كبار المديرين ذوي الخبرة».
وفي هذا السيناريو، كيف يمكن لأي شخص اكتساب الخبرة اللازمة للوصول إلى أعلى مستويات السلم الوظيفي، والتي لا يمكن أتمتة وظائفها؟
تساءل المحامي الكبير الذي تحدثت إليه عما إذا كنا سنشهد يوماً ما عودة نظام التدريب المهني القديم، الذي كان سائداً في معظم أنحاء أوروبا قبل الثورة الصناعية، حيث كانت العائلات القادرة على تحمل التكاليف، تدفع تكاليف تدريب أبنائها على يد معلم.
وتداعيات ذلك على الحراك الاجتماعي - الذي لا يزال ضعيفاً في العديد من المهن - أمرٌ بديهي. فعندما يتعلق الأمر بدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في العمل المكتبي، لا يزال الوقت مبكراً جداً، لكن لا أحد يعلم حقاً كيف ستسير الأمور.
وما ستفعله هذه التكنولوجيا أو لن تفعله ليس سوى جزء واحد من هذا السؤال. أما الجزء الآخر، فهو ما ستختار الشركات فعله تجاه ذلك. وفي رأيي، ستدور قرارات الشركات ذات التأثير الأكبر في العمل المكتبي حول كيفية الصعود على السلم الوظيفي. وإذا كنت في أعلى السلم، وتريد أن تنظر إلى الأمام، فإن أفضل ما يمكنك فعله، هو أن تنظر إلى هؤلاء في الأسفل.