أدوية إنقاص الوزن تهدد استقرار أنظمة معاشات التقاعد

باتريك جينكينز

يشهد عالمنا المعاصر تفاقماً ملحوظاً في أزمة سوء التغذية والسمنة، فيما يتواصل الانتشار الواسع لأدوية إنقاص الوزن مثل «أوزمبيك» و«ويجوفي»، التي اكتسبت شهرة كبيرة بين الباحثين عن حلول سريعة.

وتشير الدلائل إلى أن معدلات السمنة في معظم الدول الغربية تتجه بسرعة نحو المستوى المرتفع المسجل في الولايات المتحدة، والذي يبلغ 40 %.

هذا الأمر يوضح الفوائد الواضحة لمكافحة هذه الظاهرة أو القضاء عليها، سواء على مستوى المجتمعات أم الأفراد. وتشمل هذه الفوائد مجتمعات أكثر صحة وسعادة، وزيادة في الإنتاجية، وتخفيف الضغط المتزايد على أنظمة الرعاية الصحية العامة.

أما من الناحية المالية، فإن المكاسب الهائلة لشركات الأدوية ومقدمي الخدمات الصحية، قد تتجاوز جميع التوقعات.

غير أن وجود رابحين يعني في المقابل وجود خاسرين في المعادلة ذاتها. فثمة قطاع حيوي في المنظومة المالية - يتمثل في شركات التأمين على الحياة وعملائها - قد ينقلب عليه سحر إنقاص الوزن السريع عبر عقاقير «سيماغلوتيد» ليصبح نقمة لا نعمة، فالآثار الإيجابية لمكافحة السمنة.

من تراجع ملحوظ في معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسكري، إلى تحييد مخاطر الوفاة المبكرة التي تزيد غالباً بنسبة 40 %، كلها عوامل تنذر بزعزعة الاستقرار الذي طالما نعمت به صناعة التأمين على الحياة والمعاشات التقاعدية.

وبدأت المخاوف تتسلل إلى أوساط خبراء الحسابات الاكتوارية من أن الطفرة الصحية المرتقبة للأفراد قد تكون جذرية للدرجة التي تقلب معها كل حسابات شركات التأمين بشأن متوسط الأعمار المتوقعة للبشر، وما يترتب على ذلك من تضخم حجم المبالغ التي ستلتزم بدفعها لعملائها طيلة حياتهم.

وإذا تطورت هذه الظاهرة تدريجياً، فسيواجه المستفيدون على الأرجح خفضاً في قيمة المعاشات السنوية المستقبلية، مما قد يتسبب في فجوة حادة بمدخراتهم التقاعدية.

أما إذا حدث التحول بوتيرة متسارعة، وأدى إلى قفزة كبيرة في متوسط العمر المتوقع للمستفيدين في الستين من عمرهم ممن يعانون من السمنة، وذلك بعد شرائهم وثائق معاشات سنوية، فسيقع العبء الثقيل على كاهل شركات التأمين، مستنزفاً احتياطياتها المالية.

وحتى الآن، لا يزال تأثير هذه التطورات على قطاع التأمين نظرياً في الغالب. غير أن الأعداد المتزايدة بسرعة من متعاطي هذا النوع من الأدوية - والتي وصلت إلى 6 % من الأمريكيين وفق آخر إحصاء، جعلت هذا الموضوع يطفو على سطح النقاشات عند إعلان نتائج شركات التأمين.

وعند سؤال مسؤولي شركة التأمين البريطانية «ليغال آند جنرال» أخيراً عما إذا كانت افتراضاتهم بشأن متوسط العمر المتوقع ستحتاج إلى تعديل نتيجة انتشار أدوية إنقاص الوزن، أوضح المدير المالي جيف ديفيز أن المجموعة «ترصد الوضع باستمرار»، مضيفاً بقوله: «الضرر قد وقع بالفعل».

لكن ماذا لو كانت هذه النظرة متفائلة أكثر من اللازم؟ فلفترة طويلة، دأب خبراء الحسابات الاكتوارية على إدراج زيادات في متوسط العمر المتوقع تصل إلى 1.5 % سنوياً، لمراعاة التحسينات الروتينية في الصحة ونمط الحياة. غير أنه ليس من المستحيل تصور سيناريو جديد يشهد تحسينات أكثر حدة.

وكشفت دراسة حديثة استمرت 4 سنوات على مرضى يعانون من السمنة وأمراض قلبية وعائية سابقة، أن احتمالية الوفاة أو الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية كانت أقل بنسبة 20 % خلال فترة أربع سنوات لدى الأشخاص الذين يتناولون عقاقير «سيماغلوتيد» مقارنة بالذين تناولوا دواءً وهمياً.

وكان الانخفاض الحاد في معدلات التدخين احتاج عقوداً ليحدث أثراً عميقاً على متوسط الأعمار في الدول الغربية، قبل أن تعرقل جائحة كورونا هذا الاتجاه طويل الأمد.

فمنذ ستينيات القرن الماضي، ارتفع متوسط العمر المتوقع بنسبة 10 - 15 % ليصل إلى نحو 80 عاماً في معظم دول أوروبا الغربية. أما الآن، فقد يحدث ابتكار دوائي واحد طفرة مماثلة خلال أشهر أو سنوات قليلة، وليس عقوداً، احتاجها انخفاض معدلات التدخين في الولايات المتحدة من 42 % إلى أقل من 12 %.

ومع ذلك، ثمة جوانب ما زال يكتنفها الغموض، فالآثار بعيدة المدى لعقاقير «سيماغلوتيد» لا تزال غير واضحة تماماً، كما أن بعض آثاره الجانبية قد تنفر المستخدمين، ولا يمكن الجزم بتعميم نتائج الأبحاث على نطاق سكاني واسع.

رغم ذلك، يزداد اقتناع بعض الخبراء بأن هذا الابتكار قد يوازي اكتشاف علاج لأحد السرطانات الكبرى في تأثيره على إطالة الأعمار.

وفي هذا السياق، يقول ستيوارت ماكدونالد، الشريك في مؤسسة «إل سي بي» الاستشارية: «نحن أمام تطور يغير قواعد اللعبة، وعلى شركات التأمين الاستعداد له بخطط مدروسة».

أما بالنسبة لشركات التأمين الصحي (ومنظومات الصحة العامة أيضاً)، فإن الوفورات المتوقعة على المدى البعيد في تكاليف معالجة الأمراض المزمنة قد تفوق بكثير الزيادة الكبيرة في النفقات العلاجية الأولية.

غير أن العكس يبدو هو الأرجح لشركات التأمين على الحياة ومؤسسات المعاشات التقاعدية. فلم يعد أمام مجالس إداراتها وهيئاتها الرقابية - وكذلك شركات إعادة التأمين التي قد تنقل إليها مخاطر طول الأعمار - متسع من الوقت للركون إلى التفاؤل غير المبرر.