«الدهشة» من هوس ترامب بـ «غرينلاند» تتحول إلى خوف

ريتشارد ميلني

دفع مشهد تفريغ طائرتين عسكريتين أمريكيتين من طراز هيركوليز لعربات مصفحة على مدرج مطار نوك، هوس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بغرينلاند، إلى مرحلة جديدة وخطيرة.

من المقرر أن يصل مستشار الأمن القومي الأمريكي، وزوجة نائب الرئيس، ووزير الطاقة، ومسؤولون آخرون، في وقت لاحق، في «زيارة خاصة» لمشاهدة المسابقة الوطنية لتزلج الكلاب على الجليد في جزيرة مهمة جيوسياسياً. لكن يرجح أيضاً أن يقوموا بزيارة إلى قاعدة عسكرية أمريكية في أقصى الطرف الشمالي من غرينلاند.

هذا تفسير لم يقبل به أي أحد في غرينلاند، الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي داخل مملكة الدنمارك. وقد أفسح الذهول والدهشة بشأن اهتمام ترامب المتكرر بقطعة الأرض الضخمة والمتجمدة تلك في القطب الشمالي، والتي يسكنها 57,000 شخص فقط، المجال أمام الشعور بالغضب في نوك وكوبنهاغن، فضلاً عن الشعور بالخوف.

حسب كلاوس ماتييسن، الملحق العسكري السابق في أوكرانيا، الذي يلقي محاضرات حالياً بكلية الدفاع الملكية في الدنمارك: «ما يحدث حالياً يذكرنا بالوقت السابق على ضم روسيا شبه جزيرة القرم»، في إشارة إلى الحشد الروسي التدريجي للقوات في القرم عام 2014.

وأضاف دبلوماسي من إحدى دول الشمال، أن مبرر مسابقة تزلج الكلاب، هو أسوأ ذريعة للقيام برحلة، منذ أن ادعى روسيان يشتبه في ارتكابهما هجوماً للتسميم في سالزبوري، أنهما توجها إلى المدينة الإنجليزية، لزيارة كاتدرائيتها الشهيرة.

قبل بضعة أشهر، ربما كان الأمر ليبدو مبالغة، أن تقارن العملية الروسية بالتحركات الأمريكية، حليفة الدنمارك وغرينلاند في الناتو. لكن مسؤولين من دول الشمال، قالوا إن مخاوفهم مبررة، بعد أن أتبع ترامب تهديده بالاستحواذ على غرينلاند، بسلسلة استفزازات آخذة في التزايد.

وأفاد أحد الدبلوماسيين: «الأمر أكثر وحشية مقارنة بشراء الجزيرة».

وتمر غرينلاند حالياً بفترة حساسة بشكل خاص، ما يجعل الزيارة أكثر استثنائية. وتحاول الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، تشكيل حكومة ائتلافية جديدة، وستجري انتخابات محلية الأسبوع المقبل. وأوضح مسؤولون في غرينلاند، أنه لا مجال لعقد اجتماعات مع الوفد الأمريكي إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة.

وبالإمكان لمس هذا الغضب في تصريحات موتي إيغيده رئيس الوزراء المنتهية ولايته، مساء الأحد الماضي، والذي قال «إن الضغط الأمريكي شديد العدوانية الذي تمارسه ضد غرينلاند، صار على مستوى شديد الخطورة، إلى درجة لا يمكن تجاوزها».

وأضاف في تصريحات لصحيفة «سيرميتسياك»، إن «الوقت الذي كان يمكن فيه لغرينلاند أن تثق في أمريكا، بفضل العلاقات الجيدة والتعاون قد انتهى».

وبالنسبة للنبرة العامة التي صدرت عن كوبنهاغن فقد كانت أقل حدة، لكن الرسالة الضمنية هي نفسها.

وقال لارس لوك راسموسن وزير خارجية الدنمارك، الاثنين الماضي، إن الزيارة تعكس عدم احترام، و«شهية غير لائقة» من جانب الأمريكيين.

وفي الغرف المغلقة، استحالت المحاولات السابقة للتفهم والانفتاح على رغبة أمريكا في مزيد من التعاون في القطب الشمالي، انزعاجاً من الإدارة التي لا تلقي بالاً بالأعراف الدبلوماسية.

إن واشنطن التي نتحدث عنها، هي الضامن الأساسي لأمن الدنمارك وغرينلاند، وهي أيضاً المورد العسكري لهما، والحليفة في الناتو، ما يصعب تقبل الأمر. ويعتقد الكثيرون أن ترامب وأمريكا يسيئون قراءة الموقف، ويتوقعون أن تقابل هذه الزيارة الأخيرة بالاحتجاجات.

وأبدت كوبنهاغن ونوك رغبتهما في بحث كافة الأمور، مثل تزايد الوجود العسكري الأمريكي في غرينلاند، إضافة إلى الاستثمار في المعادن الأرضية النادرة، باستثناء الأمر الذي يرغب فيه ترامب أكثر من أي شيء آخر، وهو الأرض.

من جهته، كرر ترامب التصريح برغبته في الحصول على غرينلاند بذريعة «الأمن القومي»، مستشهداً بتزايد الوجود الروسي والصيني في القطب الشمالي.

وذكر، في وقت مبكر من الشهر في البيت الأبيض: «ربما سترون توجه المزيد والمزيد من الجنود الأمريكيين إلى هناك»، ما يتناقض مع الوجود العسكري الأمريكي في غرينلاند الآخذ في التراجع، من ذروة تبلغ 15,000 جندي، إلى قرابة 200 جندي حالياً.

أما سكان الجزيرة، الذين ظنوا في بادئ الأمر أن اهتمام ترامب قد يساعد مساعيهم نحو الحصول على الاستقلال من الدنمارك، فقد أصبحوا يستشعرون الخطر.

وقد يرغب حزب «ديموكراتيت»، أو الديمقراطيين، الفائز غير المتوقع بالانتخابات الوطنية التي جرت الشهر الجاري في غرينلاند، في تحقيق الاستقلال بوقت لاحق، لكن بوتيرة أبطأ من بعض منافسيه.

لكن زعماء الأحزاب الخمسة في غرينلاند، انضموا إلى بعضهم بعضاً في استنكار تصريحات ترامب، والتأكيد على رغبتهم في ألا يكونوا أمريكيين أو دنماركيين، وإنما يرغبون في أن يكونوا غرينلانديين.

لكن، كما أكد إيغيده، فمن الواضح أن غرينلاند تحتاج لمساعدة من الخارج، لتحمل الضغوط الأمريكية المتزايدة. وربما نشرت ميت فريدريكسن رئيسة وزراء الدنمارك، صورة وهي تتناول وجبة عشاء ودية مع قادة آخرين لدول الشمال، بعد مبادرات ترامب السابقة، لكن لا توجد رغبة كبيرة لديهم أو أي من الحلفاء الآخرين، في التحدث علناً عما تحاول الولايات المتحدة فعله.

ولفت إيغيده: «إن حقيقة أن حلفاءنا الآخرين في المجتمع الدولي يبدون وكأنهم يختبئون في زاوية صغيرة، ويتهامسون بشأن دعمهم لنا، ليس ذا جدوى»، واستطرد: «ستتصاعد حدة الموقف يوماً بعد يوم، إن لم يشجبوا علناً الطريقة التي تعامل بها أمريكا غرينلاند».

لذا، وبدلاً من أن تكون مصدراً للفخر الوطني، تثير مسابقة التزلّج بالكلاب هذا العام شعوراً متزايداً بالقلق في غرينلاند، بشأن المستقبل الذي ستشهده الجزيرة.