النفط الرخيص ليس الأولوية الرئيسة بملف الطاقة لدى إدارة ترامب

روبرت أرمسترونغ - أيدن رايتر

تتبنى إدارة ترامب في سياستها حول الطاقة هدفين رئيسين، لكنهما متناقضان: الأول هو خفض أسعار النفط والطاقة عموماً، والثاني هو رفع مستوى الإنتاج الأمريكي.

وتعتمد زيادة الإنتاج الأمريكي بشكل أساسي على ارتفاع الأسعار، لجذب الاستثمارات، لذلك يراقب المهتمون بسوق النفط، المؤشرات التي تكشف أياً من هذين الهدفين يحظى بالأولوية.

وربما كان هناك مؤشر منذ أيام، عندما أعلن ترامب عبر منصة «تروث سوشيال»، أن الولايات المتحدة ستفرض رسوماً جمركية شاملة بنسبة 25 % على الدول التي تستورد النفط الفنزويلي، اعتباراً من الثاني من أبريل.

والمفارقة أن أكبر مستورد للنفط الفنزويلي في عام 2024، كانت الولايات المتحدة نفسها. وليس واضحاً بعد ما إذا كان هذا يعني أن واشنطن تعتزم وقف استيراد النفط الفنزويلي، أم أنها تخطط لفرض التعريفات على نفسها، أو ربما شيئاً آخر تماماً - وهو ما لم نتمكن من تحديده.

كما قامت الإدارة الأمريكية بإلغاء ترخيص شركة شيفرون لاستخراج النفط في فنزويلا. وعلى الرغم من حصول الشركة مؤخراً على تمديد للترخيص، إلا أنه من المتوقع للشركة أن تنهي وجودها في البلاد أواخر شهر مايو.

وتُشكل صادرات النفط الفنزويلية جزءاً ضئيلاً من السوق العالمية، وحسبما يشير كيران تومبكنز من «كابيتال إيكونوميكس» فإن هذه التعريفات ستؤثر فقط في 0.5 مليون برميل يومياً، أي أقل من 1 % من الإنتاج العالمي اليومي.

ويضيف تومبكنز: «هذا ليس بالأمر المهم بالمرة لسوق النفط في حد ذاته». غير أن الولايات المتحدة بدأت أيضاً تطبيق العقوبات النفطية على إيران بشكل مكثف، مستهدفة ناقلات النفط الإيرانية.

ووفقاً لتومبكنز، فإن التعريفات على فنزويلا والعقوبات على إيران معاً، قد تُقلصان الإمدادات العالمية بمقدار 1 - 1.5 مليون برميل يومياً، وهو ما يبدأ بالتأثير بشكل ملموس. وهذا لا يشمل حتى التعريفات المحتملة على النفط الكندي، والتي ستكون لها تداعيات كبيرة على سوق النفط الأمريكي.

وسيعتمد مصير النفط الفنزويلي - سواء وجد طريقه للالتفاف حول التعريفات، أم خرج من السوق تماماً - على كيفية تطبيق هذه التعريفات. لكن عموماً، مع ثبات العوامل الأخرى، فإن الضغط على إيران وفنزويلا، إضافة إلى التعريفات على النفط الكندي، سيدفع أسعار النفط للارتفاع.

والسؤال هنا: هل يمكن لتحرير المخزونات من قبل «أوبك+»، تخفيف هذا الوضع؟ تعتقد هيليما كروفت، المديرة العالمية لاستراتيجية السلع في «آر بي سي كابيتال ماركتس»، أن هذا غير مرجح.

فقد أشارت التحركات السياسية الأخيرة، وتصريحات مسؤولي «أوبك+»، إلى أن أعضاء المنظمة «لا يتطلعون إلى دعم سياسة ترامب الخارجية القسرية... ولن يفتحوا بوابات الإمدادات»، على حسب قول كروفت، وعليه، فإن السوق يتجه في المحصلة نحو أسعار أعلى، وبالتالي، إنتاج أمريكي أكبر.

وكما هي الحال مع أي رسوم يفرضها ترامب، فإن العلاقة بين ما يصرح به الرئيس الأمريكي وما يحدث في نهاية المطاف، غير منتظمة للغاية. ولكن إذا كانت نبرة خطاب الإدارة مؤشراً يُعتد به، فإن الأسعار المنخفضة - سواء للنفط أو للأسواق بشكل عام - ليست الأولوية الحقيقية للإدارة، بل إن التفوق الصناعي الأمريكي، هو ما تسعى إليه.

على صعيد آخر، وفي تركيا، فإن هذه الدولة عانت منذ عام 2021 من موجة تضخم حادة، وقد دفع ذلك الأسر التركية للتدفق نحو سوق الأسهم كملاذ من التضخم. وانضم المستثمرون الأجانب إليهم، بمجرد وضع البنك المركزي تحت إدارة أكثر حزماً، وما بدا أنه أكثر استقلالية في يونيو 2023.

ووفقاً لبيانات البنك المركزي التركي، كان المستثمرون الأجانب يزيدون من استثماراتهم في السندات التركية منذ نحو عام. ويقول إمري أكشاكماك رئيس قسم الأسواق الناشئة في مجموعة «إيست كابيتال»:

«إن تراجع سوق الأسهم، كان في معظمه بسبب المستثمرين المحليين»، الذين كانوا أيضاً وراء الطفرة الكبيرة الأولى في الأسهم. ولذلك، فإن عمليات البيع الأجنبية قد تكون المسؤولة بشكل أكبر عن القفزة التي شهدتها عوائد السندات الحكومية التركية الأسبوع الماضي.

وتُعد العملات أكثر حساسية للمخاطر السياسية، من أي فئة أصول أخرى، وعلى الرغم من أن البنك المركزي التركي قد عمل على بناء احتياطياته من العملات الأجنبية خلال السنوات القليلة الماضية، ونفّذ تدخلاً هو الأكبر في تاريخه لدعم الليرة، إلا أن ذلك لم يؤدِ إلا إلى إبطاء وتيرة الانخفاض.

ويلاحظ العديد من المحللين، في الوقت نفسه، احتمالية ظهور تداولات تركية متأثرة بترامب. فتركيا تمثل إلى حد ما وسيطاً اقتصادياً بين روسيا والغرب، ويبدو ترامب مصمماً على إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا.

وبالفعل، ومع ظهور مثل هذه التداولات - فقد أبلت الأسهم التركية بلاءً حسناً منذ ذلك الحين، مدفوعة بآفاق السلام في أوكرانيا، والتغييرات في سوريا.

غير أن أداء هذه الأسهم لم يكن بنفس قوة أداء أسهم الأسواق الناشئة الأخرى، وتحديداً أسهم شرقي أوروبا، والتي قد تجني عوائد أكبر من السلام، إلى جانب استفادتها من التحول في السياسة المالية الأوروبية.

ويقول إمري أكشاكماك إن الاضطرابات الداخلية، ربما كانت حافزاً للمستثمرين، لا سيما العالميين، الذين ما زالوا في السوق، للخروج منها، وتفضيل أسواق ناشئة أخرى.

ويظل السؤال قائماً: هل ستنعكس مشكلات السياسة الأمريكية – بما في ذلك ما يصفه البعض بأزمة دستورية وشيكة – على أسعار الأصول الأمريكية؟ الوقت لا يزال مبكراً للحكم، لكن تجربة تركيا توحي بأن المؤشر الأهم للمخاطر، يبدأ من مكان واحد: استقلالية البنك المركزي، فمن هناك تبدأ المتاعب.