هل يستطيع وزير الخزانة الأمريكي حقاً السيطرة على سوق السندات؟

روبرت أرمسترونغ - أيدن رايتر

يسعى وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، جاهداً إلى تخفيض عوائد سندات الخزانة، وهو هدف يتصدر جدول أعماله بشكل متكرر. ولا غرابة في ذلك، إذ إن ارتفاع عوائد الخزانة يقيد قدرة الحكومة على الإنفاق في مجالات حيوية مثل التخفيضات الضريبية أو الدفاع. وبالتالي، يعد تخفيف هذه القيود من أبرز مهام وزير الخزانة.

ومع ذلك، فإن ما يثير الاستغراب هو تزايد الاعتقاد بأن بيسنت يمتلك نفوذاً واسعاً على عوائد سندات الخزانة، خصوصاً طويلة الأجل منها. وبات يقال «لا تعارض خزانة بيسنت»، بدلاً من المقولة الشائعة «لا تعارض الاحتياطي الفيدرالي». ومما يظهر هذا الاعتقاد بوضوح، مقال نشرته وكالة بلومبرغ أخيراً جاء فيه:

خلال الأسابيع القليلة الماضية، خفض كبار الاستراتيجيين في مجال أسعار الفائدة في مؤسسات «باركليز»، و«رويال بنك أوف كندا»، و«سوسيتيه جنرال»، توقعاتهم لعوائد السندات لأجل 10 سنوات عند نهاية العام، جزئياً، كما قالوا، بسبب حملة بيسنت لخفضها.

وأوضحوا أن الأمر لا يقتصر على التصريحات المتكررة، بل يشمل أيضاً قدرته على اتخاذ إجراءات ملموسة، مثل تقليص حجم مزادات السندات لأجل 10 سنوات، أو الدعوة إلى تخفيف اللوائح المصرفية لتعزيز الطلب على السندات.

أو دعمه المحموم لحملة إيلون ماسك لخفض عجز الموازنة، أما نحن فنتبنى موقفاً متشككاً إزاء مدى قدرة بيسنت على التحكم بسوق السندات، الذي يعد من أضخم الأسواق وأكثرها سيولة وانتشاراً عالمياً (باستثناء سوق الدولار الأمريكي).

ويمكن توجيه الخزانة لإصدار المزيد من أذون الخزانة قصيرة الأجل وتقليل السندات طويلة الأجل. لكن بيسنت كان قد انتقد هذه الاستراتيجية ووصفها بأنها «تيسير كمي بوسائل أخرى» عندما طبقتها سلفه جانيت يلين، لكن اليوم يطبق بيسنت الاستراتيجية نفسها.

ويرى جونيت دينجرا، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأمريكية في بنك «بي إن بي باريبا»، أنه بإمكانه الاستمرار في تطبيق هذه الاستراتيجية لفترة تتجاوز توقعات السوق.

إن ثمة حداً طبيعياً لعمليات إصدار أذون الخزانة، إذ قد يؤدي الإفراط في المعروض منها إلى رفع عائدها فوق أسعار الفائدة قصيرة الأجل السائدة في أسواق المال. وعند حدوث ذلك، يصبح واضحاً أن الخزانة لا تحقق صفقة مجدية للممولين من دافعي الضرائب.

غير أن دينجرا يعتقد بوجود مساحة كافية للحكومة لتمويل نفسها باستخدام الأذون وحدها حتى نهاية عام 2026 على الأقل، وربما حتى خلال عام 2027.

ويشرح دينجرا قائلاً: «يمكن النظر إلى الاستراتيجية طويلة المدى على أنها شراء للوقت، مع الأمل في انخفاض السعر طويل الأجل - إما بسبب تراجع التضخم، أو لانخفاض علاوة الأجل عندما يتحسن الوضع المالي».

ويمكن لبيسنت استحداث حوافز تنظيمية لتشجيع البنوك على شراء المزيد من سندات الخزانة، حيث تعد نسبة الرافعة المالية التكميلية التنظيم الرئيسي في هذا الصدد، وفقاً لما أوضحه ستيفن كيلي من برنامج «ييل» للاستقرار المالي.

وتمثل هذه النسبة قسمة حقوق الملكية المشتركة للبنوك على إجمالي أصولها، إذ يجب أن تتجاوز النسبة المئوية الناتجة حداً معيناً يختلف باختلاف حجم البنك.

وخلال جائحة كوفيد، تم استبعاد كل من سندات الخزانة واحتياطيات البنك المركزي مؤقتاً من حساب هذه النسبة بشكل كامل، بهدف تخفيف الضغوط في أسواق الخزانة والائتمان.

وفي عام 2021، مع انتهاء فترة الاستبعاد، أعلن الاحتياطي الفيدرالي أنه «يدعو لتلقي تعليقات الجمهور على تعديلات عدة محتملة على نسبة الرافعة المالية التكميلية»، غير أن تلك المبادرة لم تسفر عن أي نتائج.

ويرى كيلي أن الظروف التنظيمية تتهيأ حالياً لتخفيض وزن سندات الخزانة في حساب نسبة الرافعة المالية التكميلية، مما سيجعل الاحتفاظ بهذه السندات أكثر جاذبية للبنوك، إذ سيتعين عليها الاحتفاظ برأس مال أقل مقابلها.

ويمثل هذا شكلاً من أشكال التيسير الكمي، لكن المشتري هنا يكون البنوك التجارية وليس البنك المركزي، ويعتقد كيلي أن احتمالية حدوث ذلك مرتفعة جداً.

كما يمكن لبيسنت الضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي لإعادة تفعيل سياسة التيسير الكمي، علماً بأن الفيدرالي سيلجأ إلى هذا الإجراء تلقائياً في حال وقوع أزمة في سوق سندات الخزانة. أما في غير ذلك، فيبقى الأمر مرهوناً بحظ السيد الوزير.

وبإمكان بيسنت أيضاً اللجوء إلى إجراء غير تقليدي، كمحاولة تأسيس صندوق ثروة سيادي وتوجيهه لشراء سندات الخزانة. ويرى رئيس قسم الدخل الثابت في إحدى شركات إدارة الأصول الكبرى، الذي فضل عدم ذكر اسمه عند الحديث عن «أفكار غير مألوفة»، إلى أن هذا النهج «سيبدأ في الظهور بصورة تشبه إلى حد كبير التمويل النقدي (طباعة النقود لتمويل الإنفاق الحكومي) .

ومن المحتمل أن يؤدي إلى انهيار قيمة الدولار الأمريكي». ويمكنه كذلك تشجيع الكونغرس على إقرار ميزانية تخفض العجز بشكل ملموس، وهو إجراء قد يكون فعالاً لكنه سيثبت على الأرجح أنه صعب التحقيق.

ونحن نرى أن جميع خيارات بيسنت، باستثناء تقليص العجز، لا تعدو كونها محاولات لشراء الوقت، في أفضل الأحوال، وإنها مصممة لإبعاد شبح العوائد المرتفعة حتى يتحسن الوضع المالي. ومع ذلك، فحتى هذه الأدوات قد لا تجدي إلا في حدود ضيقة.

وإذا لم يتحسن الوضع المالي للحكومة، فإن الاعتماد على تمويل الحكومة عبر أذون الخزانة قصيرة الأجل سيعني ببساطة تأجيل المشكلة، مع احتمال إصدار سندات بمعدلات فائدة أعلى بعد عام أو عامين.

وما لم يتم إلغاء تأثير سندات الخزانة في حساب نسبة الرافعة المالية تماماً، فإن البنوك لن تقبل على زيادة استثماراتها في سندات الخزانة إذا لم تلمس تحسناً في الأفق المالي - وبالتالي احتمالية انخفاض العوائد مستقبلاً.

وعموماً، نؤكد أنه لا وجود لما يسمى بـ «ضمانة بيسنت»، حيث يبقى أفضل ما يمكن للوزير فعله هو المناورة لكسب بعض الوقت الإضافي.

على صعيد آخر، فقد ارتفعت الأصوات المحذرة بعد صدور استطلاع مديري الصناديق العالمية الأخير من بنك أوف أمريكا، والذي أظهر انخفاضاً حاداً في مخصصات المديرين للأسهم الأمريكية وهبوطاً كبيراً في توقعات النمو.

غير أن الاستطلاع، شأنه شأن جميع الاستطلاعات لا يرصد سوى ما يفكر به الناس أو يقولونه، وليس ما يفعلونه بالفعل. وإذا كان مديرو الصناديق يترجمون تصريحاتهم المتشائمة إلى عمليات بيع حقيقية، فإن ذلك لا ينعكس في تدفق الأموال إلى صناديق الأسهم الأمريكية.

فقد بلغت تدفقات الأسهم الأمريكية الأسبوع الماضي 24 مليار دولار، وفقاً لمؤسسة «إي بي إف آر»، وهي أكبر زيادة أسبوعية في عام 2025 وبفارق كبير. وبالنظر إلى المتوسط المتحرك للتدفقات على مدى أربعة أسابيع، يتضح أن الاتجاه يسير صعوداً بشكل واضح.

وقد لا يشكل ذلك إشارة إيجابية، فبحسب مايكل هارتنت، الاستراتيجي في بنك أوف أمريكا المشرف على استطلاع مديري الصناديق العالمية، فإن التدفقات القوية تظهر أن «لا أحد يؤمن حقاً بتأثير التعريفات الجمركية... المستثمرون العالميون ليسوا قريبين على الإطلاق من بيع الأسهم الأمريكية أو العالمية...

قد يكون للأخبار السلبية تأثير أكبر من الأخبار الإيجابية». وكما يقول البعض «تتسلق الأسواق جدار القلق، لكنها في الغالب تتدحرج من على جبل التفاؤل».