تصرفات ترامب وتقلباته.. هل تبرّر ارتفاع أسعار الذهب؟

جوناثان جوثري

مع بداية ولاية دونالد ترامب الرئاسية الثانية، ساد تفاؤل بين المستثمرين في البورصات الأمريكية، مدفوعاً بما عُرف إعلامياً بـ«ضمانة ترامب»، حيث راهنوا على مسارعة الرئيس الجمهوري إلى ضبط بوصلة سياساته الاقتصادية، لدعم الأسواق المالية في حال تدهورها، وتوفير شبكة أمان ضمنية، تحدّ من مخاطر الهبوط.

بيد أن تراجع مؤشر «إس آند بي 500» بنحو 6 % منذ انتخابات نوفمبر الماضي، قوّض ثقة المستثمرين في قدرة ترامب على حماية البورصات الأمريكية من التدهور، فيما قد يدفع مؤيدو فكرة «ضمانة ترامب» بأن الانخفاض الحالي لا يزال محدوداً، ولا يستدعي تدخلاً رئاسياً بعد.

وفي تقديري، فإن مفهوم «ضمانة ترامب»، ليس سوى واحدة من محاولات عديدة يقوم بها محللون قلقون لإضفاء طابع منطقي على تصرفات الرئيس الأمريكي وتقلباته، حيث يفسرون تصريحاته المتغيرة، باعتبارها أساليب غير تقليدية لاستراتيجية سياسية معهودة.

وقد أثبتت الأحداث حتى الآن أن تقديرات الخبراء المطمئنين لسلوك ترامب كانت خاطئة، فيما صدقت توقعات مجموعة أخرى من المحللين، الذين تبنّوا رؤية أكثر بساطة ومباشرة، إذ حذروا قائلين:

«هذا الرجل سيتصرف بطريقة خطيرة». فقد شرع الرئيس الأمريكي بالفعل في تهديد سيادة كندا والدنمارك، وصعّد حرباً تجارية شاملة، بل وانحاز إلى روسيا في الحرب المتواصلة في أوكرانيا، كل ذلك فيما لا تزال الولاية الرئاسية في بدايتها.

وفي ظل هذا العالم المتغير، بات المعدن الأصفر هو «ضمانة ترامب» الحقيقية للعديد من المستثمرين العالميين، حيث ارتفع سعر الذهب بنسبة 10 % منذ فوز ترامب في الانتخابات، كما قفز بنسبة 25 % منذ انسحاب جو بايدن من السباق الرئاسي، والذي جعل فوز ترامب شبه مؤكد، ليخترق سعر الأوقية حاجز 3000 دولار قبل أيام.

وفي حين أن «الضمان» في عالم المال، يعني تقليدياً خياراً لبيع أصل بسعر محدد مستقبلاً للحد من الخسائر، فإن الذهب الفعلي لا يندرج تحت هذا التعريف الدقيق، غير أنه أثبت مؤخراً قدرته على الارتفاع، توقعاً لأحداث مضطربة، ما يعوض أية خسائر محتملة في محافظ الأسهم.

وهكذا، يشهد المناصرون للاستثمار في المعدن النفيس، لحظة انتصار تاريخية، بينما يعيش خصومهم فترة إحباط واضحة، في امتداد لمعركة عقائدية طويلة الأمد بين الفريقين.

ويرى مؤيدو الذهب أن المعدن النفيس يستحق الاحتفاظ به، لكونه موضع تقدير البشرية عبر آلاف السنين، ويميل هؤلاء غالباً إلى عدم الثقة بالعملات التي تصدرها البنوك المركزية والتجارية، ويصفون المعدن الأصفر أحياناً بأنه «تحوط ضد التضخم»، رغم أن هذه الفكرة تظل محل جدل واسع.

وتكمن في خلفية هذه القناعات، مخاوف من إمكانية انزلاق العالم نحو الفوضى، وهو أحد الأسباب التي تدفع المشككين في جدوى الذهب، للاعتقاد بأن ما يُطلق عليهم «المهووسون بالذهب» واقعون في وهم كبير.

حيث يسخر هؤلاء المشككون قائلين، إن على عشاق الذهب أيضاً الاستثمار في الذخيرة والأغذية المعلبة، تماماً كالمستعدين لنهاية العالم.

وبعيداً عن الحجج الشخصية، فإن الذهب، شأنه شأن البيتكوين أو الفن، لا يُدر عوائد مباشرة، فلا أرباح أسهم ولا فوائد سندات، بل إن الذهب المادي يحمل عائداً سلبياً عند احتساب تكاليف التخزين والحراسة.

إن تصرفات ترامب وتقلباته، لم تدفعني بعد إلى التحول إلى أن أكون أحد المهووسين بالذهب، لكنني بدأت أشعر بفضول متزايد تجاهه، فالأحداث ذات الاحتمالية المنخفضة، بما فيها أزمة الديون الأمريكية، ومحاولات تقويض الديمقراطية الأمريكية، أصبحت أكثر احتمالاً، ضمن قائمة المخاطر المحتملة.

وعقب الأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2007-2008، شرعت البنوك المركزية في بناء مخزوناتها من المعدن النفيس بوتيرة متسارعة، إذ يقول أدريان آش من مؤسسة «بوليون فولت» المتخصصة في خدمات مستثمري الذهب من الأفراد:

«أصبحت البنوك المركزية عاملاً داعماً بالغ الأهمية لسوق الذهب».وها هم المسؤولون في البنوك المركزية يعودون للنظر إلى الذهب باعتباره أصلاً احتياطياً، يعزز الثقة الاقتصادية خلال فترات الأزمات.

وهو ما يفسر ارتفاع سعره بنسبة 90 % منذ بداية انتشار جائحة كوفيد بصورة حادة، كما أن الذهب يمتاز بكونه أصعب استهدافاً للمصادرة من قبل الخصوم، مقارنة باحتياطيات العملات الأجنبية المودعة أو المتداولة في الخارج.

وهكذا، إذا كنت مستثمراً فردياً، هل ينبغي عليك التفكير في شراء الذهب؟ بالنسبة لي، الإجابة هي «لا»، حيث إنه إذا كان المعدن الأصفر استثماراً منفرداً، فالأصول التي لا تدر عائداً، هي في جوهرها أصول مضاربة. ومع ذلك، يمكنني رؤية بعض المبررات للاحتفاظ بالذهب كوسيلة تحوط ضد خسائر محتملة في الأسهم والسندات.

وشخصياً، لن أكلف نفسي عناء الاستثمار في أسهم شركات تعدين الذهب، تاركاً ذلك للمستثمرين الأكثر جرأة لاختبار مدى دقة المقولة الساخرة: «المنجم ما هو إلا حفرة في الأرض، مع كذاب يقف على رأسها».

وتمثل صناديق المؤشرات المتداولة التي تستثمر في الذهب، خياراً استثمارياً أفضل للمستثمرين الأفراد، إذ تتبع هذه الصناديق سعر المعدن النفيس بدقة عالية، وتكلفة منخفضة، وهي «عملية نظيفة للغاية»، وفق تعبير جوزيف كافاتوني، المسؤول بمجلس الذهب العالمي.

ومن بين هذه الصناديق «إس بي دي آر جولد شيرز»، المدرج في البورصات الأمريكية، بينما يتوفر بديل مدرج في بورصة لندن، وهو «آي شيرز فيزيكال غولد إكستشينغ تريديد كوموديتي».

وإذا كانت هذه الخيارات لا تزال بعيدة عن الملكية المباشرة من وجهة نظرك، فيمكنك التفكير في امتلاك الذهب الفعلي، عبر خدمات متخصصة، مثل «بوليون فولت»، التي تتولى شراء وتخزين المعدن النفيس نيابة عن عملائها.

كما يمكنك الذهاب إلى أبعد من ذلك، ودفع قيمة إضافية للحصول على عملات معدنية، أو سبائك ذهبية، لامتلاكها بشكل مباشر، وهو خيار يفضله عدد متزايد من المستثمرين الأفراد.

فقد شكلت مشتريات هذه الفئة ربع إجمالي الطلب العالمي على الذهب، البالغ 4,553 طناً العام الماضي، حسب تقرير مجلس الذهب العالمي، متفوقة بذلك على مشتريات البنوك المركزية. غير أن هذا الخيار يضعك أمام تحدي تخزين كنزك الثمين، دون لفت انتباه اللصوص.

وفي هذا السياق، كان لأحد المستثمرين الأفراد، الذي أجريت معه مقابلة خلال الأزمة المالية في العقد الأول من الألفية، حل طريف، إذ قرر استخدام سبيكته الذهبية الصغيرة، كسنادة للباب.

وللتخلص من فضول زواره، كان يدعي أنها مجرد قطعة دعائية اشتراها من متجر للهدايا الرخيصة. لكنني بالتأكيد لا أنصح باتباع هذا الأسلوب، لكن خفة ظله في التعامل مع الموضوع، تضع ضآلة المعضلات المالية الشخصية في سياق صحيح خلال الأزمات العالمية.