اللا بديل.. ومعركة أوروبا لكسر احتكار ماسك للفضاء

اقترحت أوروبا تمويلاً بديلاً محلياً لشركة إيلون ماسك «ستار لينك»، بعد تهديد الولايات المتحدة بقطع خدمات الشركة للنطاق العريض في أوكرانيا.

وفي خطوة تهدف لدعم شركات الأقمار الاصطناعية الأوروبية التي تعاني تراكم الديون، أشارت ورقة سياسات الدفاع، للمفوضية الأوروبية، إلى ضرورة أن تقوم بروكسل بتمويل وصول الجيش الأوكراني إلى خدمات الاتصالات التي تقدمها شركات تجارية مقرها الاتحاد الأوروبي.

وفي الأسابيع الأخيرة، عزز احتمال تجدد الدفع الأوروبي نحو امتلاك سيادة فضائية، أسهم الشركات المشغلة المثقلة بالديون، مثل «يوتلسات» و«إس إي إس». لكن النجاح لن يكون سهلاً حتى مع وجود تمويل من جانب الاتحاد الأوروبي.

وتمتلك «ستارلينك» 40 ألف محطة طرفية في أوكرانيا تقدم خدماتها للمستهلكين، وللحكومة، وعلى وجه الخصوص، قوات الجيش في الخطوط الأمامية، حتى أن الجنود الأوكرانيين ثبتوا محطات مدمجة في الطائرات المسيرة لنقل مقاطع فيديو حية لتساعدهم في توجيه الهجمات.

ويرى خبراء أنه لا يمكن لأي شركة أوروبية منفردة أن تقدم هذا التنوع الواسع من التطبيقات. لكن يمكن للحل الأوروبي أن ينطوي على عدد متنوع من الأقمار الاصطناعية في مدارات مختلفة، ما سيقدم أداءً متفاوتاً وسيتطلب محطات لشبكات مختلفة.

وجوهر المشكلة هو فشل المشغلين القدامى في أوروبا، وعلى نطاق أوسع، في التحرك بالسرعة نفسها التي تتحرك بها «ستار لينك». وافترض كثيرون أن تحديات التشغيل في الفضاء ستحميهم من الاضطراب، بينما يحاولون تعويض انخفاض إيرادات البث التلفزيوني، عن طريق تطوير أعمال اتصال جديدة.

وخلال خمسة أعوام فقط، أطلقت خدمات النطاق العريض الخاصة بماسك 7.000 قمر صناعي إلى المنطقة غير المستغلة نسبياً من الفضاء والتي تعرف باسم المدار الأرضي المنخفض.

وتعد الشركة حالياً أكبر مشغلة للأقمار الاصطناعية على مستوى العالم، وتمكنت من الاستئثار بعقود نطاق عريض مع شركات طيران، ومجموعات شحن، وحكومات أيضاً.

أما المشغلون التقليديون لخدمات الأقمار الاصطناعية، مثل «إس إي إس»، فكانوا يأملون في أن توفر هذه القطاعات قبلة حياة لأقمارها الاصطناعية في المدارات الجغرافية الأعلى التي تقع على ارتفاع 36.000 كيلومتر أعلى سطح الأرض.

وتتطلب الملاحة في المدارات الأقل ارتفاعاً، 550 كيلومتراً في حالة «ستارلينك»، آلاف الأقمار الاصطناعية واستثمارات بالمليارات لتقديم خدمة عالمية. لكن بتشغيل الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي المنخفض، تمكنت «ستارلينك» من تقديم زمن استجابة أقل.

وهو الوقت الذي تستغرقه الإشارة لتنتقل من الأرض إلى القمر الاصطناعي ثم للأرض مرة أخرى. وبذلك قدمت الشركة سرعة اتصال أعلى للجمهور مقارنة بكثير من الشركات الأقدم بالسوق.

وتم تصميم «ستارلينك» للسوق الاستهلاكي أيضاً. وقدمت منذ البداية إعانات ضخمة لمحطاتها الخاصة التي كان سعرها يبلغ 2.000 دولار، فصارت تبيع الواحدة بين 500 إلى 600 دولار.

ومنذ بداية تجارب تشغيل خدمة ستارلينك عام 2020، استطاعت الخدمة جذب 4.5 ملايين مشترك، وانتزعت عملاء رئيسيين من منافسيها في خدمات الأقمار الاصطناعية الجغرافية (GEO). على سبيل المثال، شركة إير فرانس، التي كان يفترض أن تكون فوزاً سهلاً لشركة «يوتلسات»، ومقرها باريس، اختارت شركة «ستارلينك» في الخريف الماضي.

وفي ضوء الإرباك وضغوط الأسعار، ركزت الشركات القديمة في المجال على المدارات الجغرافية الأعلى ذات الأداء الأفضل وعلى إيجاد مدارات جديدة. وفي عام 2022، أعلنت «يوتلسات» استحواذها على شركة «وان ويب» التي تعمل على تشغيل أقمار اصطناعية في المدار الأرضي المنخفض مثل «ستارلينك» لكن على ارتفاع يبلغ 1.200 كيلومتر أعلى سطح الأرض.

في الوقت نفسه، عملت «إس إي إس» على توسيع نطاق المدار الأرضي المتوسط عن طريق شبكة «أو 3 بي إم باور» الخاصة بها، وتعمل حالياً على الاستحواذ على منافستها «إنتلسات» التي تعمل في المدارات الجغرافية الأعلى. وتحملت كلتا الشركتين ديوناً هائلة لتمويل استراتيجياتهما متعددة المدارات، غير أن خطواتهما ما زالت لم تثمر.

وواجهت «وان ويب» صعوبة في تحقيق أهداف الإيرادات المبدئية بسبب بطء نشر محطاتها الأرضية. ويعتقد محللون أيضاً أن «يوتلسات» التي ترزح تحت وطأة ديون هائلة ستواجه صعوبة في تمويل الجيل الجديد من أقمار «وان ويب» الاصطناعية، التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها ضرورية للمنافسة مع تكنولوجيا «ستارلينك» الأكثر تقدماً.

وسيكون أحدث مشروع فضاء أوروبي، «آيريس 2»، الذي تبلغ تكلفته 10 مليارات يورو، ويهدف لتوفير اتصالات حكومية آمنة اعتباراً من 2030، ضرورياً في إطلاق العنان أمام التمويل في هذا الصدد.

في الوقت نفسه، واجهت «إس إي إس» صعوبة بسبب مشكلات تتعلق بالطاقة في أول أقمارها الاصطناعية من الجيل الجديد في مشروع «أو 3 بي إم باور» خلال 2023، ما أسفر عن استثمارات إضافية.

وقال عادل الصالح، الرئيس التنفيذي لدى «إس إي إس» إنه «من المستحيل استبدال ستارلينك بين عشية وضحاها». رغم ذلك، يرى أن أوروبا بإمكانها فعل ذلك على المدى الطويل.

وقال «شبكة المدار الفردي ليست مرنة بما يكفي. أنت بحاجة إلى أن تكون لديك مدارات عدة لتتوفر لديك المرونة، والاحتياط، وكذلك القدرة على تحويل حركة البيانات».

ومن المرجح أن يشتمل أي مقترح بشأن أوكرانيا على مزيج من الأقمار الاصطناعية في المدارات المنخفضة والمتوسطة والمرتفعة، ما سيكون تجربة أداء مبكرة لنظام «آيريس 2».

وستكون «وان ويب» التابعة حالياً لـ «يوتلسات»، عنصراً مهماً في أي حل متعلق بأوكرانيا، وكذلك بنظام «آيريس 2». ومع ذلك، فإن قدرات الشركة تظل محدودة بشكل أكبر في ظل تمتعها بقرابة 630 قمراً اصطناعياً بالمدار.

وفيما يتعلق بالارتفاعات الأعلى، فإن زمن الاستجابة الأعلى قليلاً الخاص بـ «وان ويب» وأقمارها الاصطناعية يحتاج إلى مزيد من الطاقة، ما سيجعل الهوائيات والمركبات الفضائية أكبر وأعلى تكلفة.

وبالنسبة لمحطات «وان ويب»، المصممة للشركات والحكومات وليس للمستهلكين، فهي أكبر حجماً وأكثر تعقيداً، وتكلف الواحدة منها ما يتراوح بين 5.000 و10.000 دولار تقريباً.

ويرى المطلعون على شبكة «وان ويب»، أنها تظل حلاً محتملاً. وفي كل الأحوال سيظل البديل الأوروبي متعدد المدارات والشبكات أكثر تعقيداً وتكلفة، وسيتطلب تكاملاً على مستوى مختلف الأنظمة.