التمويل الخاص يخفق في دعم مساعي التحول الأخضر العالمي

ألان بيتي
جاء أجاي بانغا، الرئيس التنفيذي السابق لشركة ماستر كارد، رئيساً جديداً للبنك الدولي، متعهداً بضخ مدروس للأموال العامة لتحفيز استثمارات القطاع الخاص في البنية التحتية بالدول النامية. ونالت الخطة الثناء باعتبارها نهجاً جديداً وجريئاً، مدفوعاً بالسوق في مساعدة الدول الفقيرة على أن تكون ثرية، بيد أن هذا لم يحدث في واقع الأمر.

ويمتد هذا النمط إلى ما قبل ديفيس مالباس، رئيس البنك الدولي بين عامي 2019 و2023، وجيم يونغ كيم بين عامي 2012 و2019، وروبرت زوليك بين عامي 2007 و2012. بل يمتد هذا النمط إلى التسعينات، حينما حاول جيمس وولفينسون، أحد أكثر رؤساء البنك الدولي نفوذاً، استخدام تدفقات رأس المال في خضم فورة العولمة بعد انقضاء الحرب الباردة.

وبات تحدي اجتذاب تمويل القطاع الخاص لبناء البنية التحتية أكثر صعوبة في الوقت الراهن، بسبب التحول الأخضر نحو الطاقة المتجددة والتقنيات منخفضة الانبعاثات الكربونية.

وبالنسبة للدول المانحة السخية تقليدياً، مثل المملكة المتحدة وفرنسا والنرويج، فهي تعمل على خفض موازنات المساعدات. وعوضاً عن ذلك، غالباً ما تركز الدول المانحة على «مؤسسات التمويل الإنمائي» مثل «بريتيش إنترناشونال إنفستمنت».

أما أكبر مؤسسة تمويل إنمائي على مستوى العالم، فهي مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي. وهي تُقرض مؤسسات التمويل الإنمائي شركات في الدول النامية أو تستحوذ على حصص بها، بهدف «حشد» رأس المال الخاص.

وكانت النتائج دائماً مخيبة للآمال. ويشير كتاب مُرتقب صدوره ألّفه جيمس ليغلاند، الخبير الاقتصادي السابق لدى البنك الدولي.

وهو يدور حول صعود وانهيار الشراكات بين القطاعين العام والخاص، إلى أن إسهامات القطاع الخاص في مشروعات البنية التحتية للعالم النامي بلغت ذروتها عند مستوى متدن في عام 2012، إذ اتجهت 10% فقط منها إلى الدول الأقل دخلاً، ثم انخفضت من بعد ذلك. وحققت مساهمات القطاع الخاص نجاحات نسبية في بعض القطاعات، مثل توليد الطاقة المتجددة، لكنها واجهت صعوبات في قطاعات أخرى.

وتتوقع مجموعة مستقلة من الخبراء المعنيين بالمصارف الإنمائية متعددة الأطراف، بتكليف من الاقتصادات الرائدة في مجموعة العشرين، تحقيق تعبئة لرأس المال الخاص بقيمة 240 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.

وبلغ المبلغ الأخير 71.1 مليار دولار فقط، ولم يتجه منه سوى 10% إلى أفقر الدول. وتستهدف مؤسسات التمويل الإنمائي إلى استخدام مضاعفات كبيرة من الأموال التي تُضخ، لكن عملياً، واجهت نسبة رأس المال الخاص إلى العام صعوبة في تخطي 1:1.

وعرف عن المستثمرين المؤسساتيين، مثل صناديق المعاشات التقاعدية، تغيّبهم كلياً تقريباً عن المشهد. وبينما تنشط الصناديق الأسترالية والكندية في تمويل البنية التحتية في الاقتصادات المتقدمة، فإن إسهاماتها في المشروعات بالدول النامية كانت ضئيلة للغاية تاريخياً وتقل عن 1% من إجمالي الاستثمارات.

ما السبب وراء ذلك؟ لا شك أن هناك بعض الحلول التي يمكن تجربتها. وقد طرح أفيناش بيرسود، المستشار الخاص لدى بنك التنمية للبلدان الأمريكية الذي عمل في مبادرة بريدجتاون لزيادة تدفقات رأس المال إلى الدول النامية، حُجة إنشاء آلية لتقليل مخاطر العملات على الاستثمارات.

ويقول مديرو استثمار إن هناك مشكلة أكبر، تكمن في أن مؤسسات التمويل الإنمائي تتصرف وكأنها مستثمرو قطاع خاص في جوهرها، وليس كمحفزين لاستثمارات أخرى، لافتاً إلى أن عملياتهم البيروقراطية تثبّط تمويلات أخرى ولا تجتذبها.

ومعروف أن الاستثمارات في البنية التحتية صعبة في حد ذاتها، لكونها استثمارات على المدى الطويل وتنطوي على مخاطر سياسية وتجارية أيضاً، خاصة فيما يتعلق بالمرافق العامة الضرورية مثل الطاقة والمياه. وبالتالي، تتطلب هذه الاستثمارات معلومات دقيقة وتنظيماً محكماً في الدولة المتلقية.

وأصدرت مبادرة الشفافية بشأن المساعدات «بابليش وات يو فند»، تقريراً، ذهبت فيه إلى وجوب الإفصاح المُفصّل عن البيانات على مستوى المشروعات، بحيث يكون اتخاذ القرارات الاستثمارية قائماً على الدراية، معتبرة أن ممارسات مؤسسة التمويل الدولية ومؤسسات التمويل الإنمائي كانت بطيئة في هذا الصدد. ويدعم مستثمرون مؤسساتيون، مثل «أليانز جي آي» و«أفريكا إنفستور»، الاستنتاجات التي توصلت إليها المبادرة.

قال هيوبرت دانسو، الرئيس التنفيذي لدى «أفريكا إنفستور غروب»: «إطار العمل القانوني والتشريعي المستقر والبيانات الأفضل أكثر أهمية من المصارف الإنمائية متعددة الأطراف، التي عادة ما تكون أكثر مهارة في تثبيط رأس المال الخاص وليس حشده».

ويعارض دانسو ومبادرة «بابليش وات يو فند» حُجة مؤسسة التمويل الدولية، بأن نشر مثل هذه البيانات يهدد السرية التجارية.

وتميل المصارف الإنمائية ومساهموها منذ أمد طويل إلى الحكم على أنفسهم وفق قدر الأموال الذين تمكنوا من جمعها وليس بما يفعلونه بمجرد إتاحة الأموال. ويُعد منحى التفكير هذا مؤسفاً بالنسبة لمؤسسات التمويل الإنمائي على وجه الخصوص، لأن هذه الجهات من المفترض بها تسهيل الأمور على الآخرين.

والأكثر أهمية من ذلك، أنه يجب على المصادر الرسمية للقروض والائتمان والحكومات أن يكونوا أكثر واقعية بشأن ما يمكن للتمويل الخاص أن يحققه على صعيد البنية التحتية. ومن المفارقات أن المملكة المتحدة على وجه الخصوص كانت حريصة على تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص في البلدان النامية، رغم أن تجربة بريطانيا ذاتها في هذا المجال لم تكن إيجابية.

وتباينت نتائج مبادرة التمويل البريطانية، التي دامت لعقود طويلة، قبل إلغاء حكومة حزب المحافظين لها في عام 2018. وأثبتت التجربة أن توقيع العقود التي أتاحت المحفزات وتنتقل فيها المخاطر فعلياً إلى المستثمرين في القطاع الخاص محفوف بالتحديات.

وشهدت العاصمة لندن مؤخراً انعقاد قمة لتشجيع المستثمرين في القطاع الخاص على تمويل البنية التحتية البريطانية من جديد، لكن تكاثفت فيها التساؤلات عن غياب الوضوح ومناخ الأعمال في المملكة المتحدة، مع لجوء الحكومة الواهن إلى الشعارات القديمة بشأن اجتثاث البيروقراطية.

إن تشجيع المستثمرين في القطاع الخاص على الإسهام في البنية التحتية بالدول منخفضة وعالية الدخل أمر جدير بالاحترام من حيث المبدأ. لكن مواصلة إعلان مبادرات جريئة والحديث عن استمالة مئات المليارات من الدولارات دون خلق حوافز ملائمة أمر يدعو للسخرية بالفعل.

وإذا كان العالم يرغب في تحقيق أهدافه في التحول الأخضر، فمن غير المُرجح أن هناك بديلاً سهلاً لاضطلاع أموال القطاع العام بغالبية العمل. إن التظاهر بغير ذلك ليس مفيداً لأحد، خاصة الدول النامية ذاتها.