قطب التكنولوجيا ليس أول من يسيئ فهم الغاية من هذا المقياس الاقتصادي
تيم هارفورد
من بين مختلف المزاعم التي صدرت عن إيلون ماسك أخيراً، استرعى انتباهي بشكل خاص ما ذكره في تغريدة له حول ضرورة استبعاد الإنفاق الحكومي من قياس الناتج المحلي الإجمالي، زاعماً أن ذلك يؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بطرق مفتعلة عبر إنفاق الأموال على خدمات لا تحسن من مستوى حياة الناس.
وسواء أكان ماسك جاداً في طرحه أم لا، فإن الفكرة تستحق التمعن، لأنها تعكس بشكل صريح سوء فهم جوهري، وتوحي - بشكل ضمني - بسوء فهم آخر لا يقل أهمية.
يتمثل سوء الفهم الصريح، في الافتراض بأن قياس الناتج المحلي الإجمالي بدقة يعني أن يشمل فقط الأمور التي تجعل حياة الناس أفضل. وهذا غير صحيح. أما الخطأ الضمني، فهو الاعتقاد بأن الناتج المحلي الإجمالي يحتاج إلى أن يكون دقيقاً لأن الحكومات تسعى إلى تعظيمه. وهذا أيضاً غير صحيح.
وما أثار دهشتي هو ما كشفته ديان كويل في كتابها الجديد «مقياس التقدم»، حيث أوضحت أن الفكرة التي طرحها ماسك كادت أن يكون لها الهيمنة عندما وُضعت معايير قياس الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة، فقد تم إدراج الإنفاق الحكومي ضمن الناتج المحلي الإجمالي فقط بعد نقاش حاد.
وجاء إدراج الإنفاق الحكومي في الناتج المحلي الإجمالي جزئياً سبب دوافع سياسية، فقد كانت الحرب العالمية الثانية مشتعلة، ولم تكن الحكومات ترغب في تجاهل إنفاقها العسكري. لكن المبرر الأقوى نظرياً كان يرتكز على أسس اقتصادية: فقد وضع جون ماينارد كينز نظرية في الاقتصاد الكلي تعتمد على الطلب الإجمالي، بما في ذلك الطلب الحكومي. وبالتالي، فإن أي مقياس للناتج المحلي الإجمالي يتجاهل وجود الحكومة سيكون غير مفيد في فهم الاقتصاد أو تحقيق استقراره.
والناتج المحلي الإجمالي هو قيمة جميع السلع والخدمات المنتجة داخل الاقتصاد. لكن هذا التعريف يطرح سؤالاً فورياً: القيمة وفقاً لمن؟
الإجابة - بشكل أو بآخر - هي القيمة وفقاً للسوق. فإذا كنت تزرع القمح، فإن قيمته تُحدد بناءً على سعر بيعه مطروحاً منه تكاليف إنتاجه. لكن ماذا لو لم تُبع السلعة أو الخدمة من خلال معاملة سوقية؟ إذا كانت لا تزال ذات قيمة، فمن حيث المبدأ، ينبغي إدراجها في الناتج المحلي الإجمالي. لكن في الممارسة العملية، قد يتم تجاهلها.
وعلى سبيل المثال، إذا دفعت لشخص ما مقابل الطهي والتنظيف ورعاية أطفالك، فإن هذه المعاملات تحتسب ضمن الناتج المحلي الإجمالي. أما إذا قمت بنفسك بالغسيل ورعاية أطفالك، فإن النشاط ذاته لا يُحسب.
وقد لخص أحد الانتقادات الشهيرة للناتج المحلي الإجمالي هذه المشكلة بالقول: «عندما يتزوج الرجل مدبرته المنزلية، ينخفض الناتج المحلي الإجمالي».
ومثال آخر: يمكن شراء التعليم كمنتج، أو يمكن أن يكون مجانياً بتمويل من دافعي الضرائب.
فكيف يمكننا تقييم نظام تعليمي تموله الدولة بالكامل؟ أحد الخيارات هو تقدير قيمته السوقية، ويمكننا افتراض أن قيمة التعليم تعادل ببساطة ما يتقاضاه المعلمون من رواتب.
أو يمكننا اعتماد اقتراح ماسك والقول إنه، طالما أن المدارس ممولة من أموال دافعي الضرائب، فمن «الأدق» افتراض أنها بلا قيمة على الإطلاق. وهذا، تفسير بسيط، لكنه سخيف.
وماسك ليس الوحيد الذي قال أشياء سخيفة عن الناتج المحلي الإجمالي، ففي عام 1968، ألقى السيناتور روبرت كينيدي خطاباً شهيراً انتقد فيه الناتج القومي الإجمالي (وهو مقياس قريب من الناتج المحلي الإجمالي) قائلاً إنه «يحسب التلوث البيئي وإعلانات السجائر... والأقفال الخاصة لأبوابنا والسجون لمن يخرقها»، لكنه في المقابل «لا يشمل صحة الأطفال... أو جمال شعرنا الأدبي، أو متانة علاقاتنا الزوجية، أو مستوى ذكاء نقاشاتنا العامة، أو نزاهة مسؤولينا».
وقد ازداد الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بشكل كبير منذ عام 1968، سواء أكان الأمر ذاته ينطبق على مستوى ذكاء النقاش العام أم نزاهة المسؤولين أم لا.
لكن لكي تدرك مكمن السذاجة في هذا الطرح، تخيل أنك جمعت مجموعة من الخبراء وسألتهم: «كيف يمكننا تحسين صحة الأطفال، وتقوية العلاقات الزوجية، وزيادة جمال الشعر الأدبي؟» هناك العديد من الإجابات المحتملة على هذه الأسئلة، لكن لا أحد منها سيكون: «إعادة تعريف الناتج المحلي الإجمالي».
إن الناتج المحلي الإجمالي يقيس الناتج الاقتصادي، وأحياناً لا يقوم بذلك بشكل جيد.
وكما توضح ديان كويل في كتابها «مقياس التقدم»، فإن الصعوبات القديمة في قياس قيمة العمل غير المدفوع والخدمات الحكومية لا تزال قائمة، إلى جانب التحديات الجديدة التي تواجهها البنية الإحصائية في احتساب الخدمات المالية، وتحسينات الجودة، والخدمات التي يتم تقديمها ضمن منتجات مادية.
وهناك بالتأكيد مجال كبير للتحسين، لكن الهدف من هذا التحسين يجب أن يكون قياس الناتج الاقتصادي بشكل أكثر دقة.
لكن ماذا عن كوكب الأرض؟ وماذا عن الحياة والحرية والسعي وراء السعادة؟ وماذا عن كل ذلك الشعر الجميل؟ إذا كانت هذه الأمور مهمة، فيجب دعمها بسياسات جيدة تستند إلى إحصاءات دقيقة. لكن بمجرد التفكير بجدية في ماهية هذه الإحصاءات، ستدرك أنها لا علاقة لها بالناتج المحلي الإجمالي.
إذا كنا نريد فعلاً قياس الأمور التي «تحسن حياة الناس»، فمن العبث محاولة تعديل الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق ذلك. هذا ببساطة خطأ تصنيفي، تماماً كأن تحاول تقدير متوسط العمر المتوقع لشخص ما بالبدء بتقييم القيمة السوقية لسيارته ثم إجراء بعض التعديلات.
ولقياس جودة حياة الناس، اسألهم مباشرة. ويمكن للمهتمين الاطلاع على تقرير السعادة العالمي المنشور حديثاً كمثال على مثل هذه الجهود. وبالمثل، فإن إنقاذ الكوكب لا يتطلب إعادة تعريف هدف اقتصادي شامل، بل يحتاج إلى مجموعة واسعة من السياسات المدروسة بعناية، تستند جميعها إلى بيانات دقيقة.
المشكلة الحقيقية في الناتج المحلي الإجمالي ليست كونه يشمل الإنفاق الحكومي أو يستثني الأعمال المنزلية أو يعجز عن قياس جودة الشعر. بل تكمن المشكلة في أنه يغري البعض بالنظر إلى التقدم البشري كرقم مجرد، يمكن تعظيمه بمجرد تصحيح ما نعتقد أنه خلل في طريقة احتسابه. لكن هذا مجرد وهم.