راشيل ميلارد
تُظهر قاعة تداول «إن كوموديتيز» الواقعة في مجمع تجاري بمدينة آرهوس الدنماركية، جانباً جديداً وحيوياً لأسواق الطاقة الأوروبية. ويُراقب المتداولون الشباب في الشركة، المملوكة جزئياً لغولدمان ساكس، صفوفاً من الشاشات الضخمة، مترقبين اللحظة المثالية لشراء أو بيع الكهرباء.
ويعمل موظفون آخرون على تطوير خوارزميات تُمكّنهم من أداء عملهم بكفاءة أعلى بكثير من مجرد عقل بشري.
ويسعى الجميع إلى تحقيق ميزة في سوق الطاقة المتجددة المُعقد بشكل متزايد، والذي تطور مع نمو توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية على حساب الوقود الأحفوري. وقد استقطب مزيج من الأرباح المُحتملة العالية، والتحدي الفكري.
والدور الممكن في التحول إلى اقتصاد أخضر، عشرات من رواد الأعمال الشباب الأذكياء في مجال التجارة لإنشاء مشاريع في آرهوس وكذلك في آلبورغ، التي تبتعد ما يزيد قليلاً عن 100 كيلومتر.
وتتنافس هذه الشركات مع لاعبين راسخين مثل شركة دانسك كوموديتيز التابعة لشركة إكوينور في منطقة أطلق عليها دانييل أندرسن، الرئيس التنفيذي لشركة «إن كوموديتيز» في أوروبا، اسم «وادي السيليكون لتجارة الطاقة».
وقال أندرسن إن التوسع في توليد الطاقة المتجددة سيزيد الطلب على خدمات شركات مثل شركته. وأضاف إن التداول كان له «تأثير باتجاه إحداث استقرار بالسوق المتقلب بطبيعته، إذ أزال الاختناقات في توزيع الكهرباء».
وأضاف: يبرز هذا التقلب اعتماد السوق على ظروف طبيعية تتغير باستمرار إلى جانب تذبذب الطلب حيث يمكن أن تتغير الأمور لأسبابٍ بسيطة، مثل مدى قوة الشمس على لوحة شمسية في مدريد، أو زاوية توربين رياح في بحر الشمال، أو طلبات إضافية في مصنع في جنوبي ألمانيا.
وأضفى التعقيد المتزايد والكميات الهائلة من البيانات أهميةً أكبر بكثير على خوارزميات التداول المتطورة، ما خلق فرصاً للمتداولين مثل إن كوموديتيز الذين يمكنهم تصميمها ونشرها.
وقال أندرسن إن زيادة توليد الطاقة المتجددة ستولد كمياتٍ متزايدة من البيانات. لذا، يجب أن تكون قادراً على التعامل مع هذه الزيادة في البيانات.
وقد بدأت الجهات التنظيمية إيلاء اهتمام أكبر لصعود التداول الآلي. ففي تقرير صدر العام الماضي، ذكرت هيئة المستهلكين والأسواق الهولندية أنه في حين أن هذا الاتجاه جلب فوائد مثل زيادة السيولة، إلا أنه جاء أيضاً بمخاطر.
وأضافت إن هذه المخاطر شملت تقلبات أكبر، وانخفاض الشفافية، والتلاعب غير المقصود بالسوق.
ويقر إيان ماكجوان، رئيس قسم الامتثال في «إن كوموديتيز» بوجود مجال لفهم أفضل لكيفية تفاعل الخوارزميات مع بعضها بعضاً. وقال: «مع زيادة كميات الخوارزميات، يزداد خطر السلوك غير المقصود في السوق».
ويبرز ظهور السوق الجديد كيف تغيرت صناعة توليد الطاقة في أوروبا. فقبل 20 عاماً، كان أقل من 10% من طاقة القارة يأتي من مصادر متجددة، بينما يتجاوز الرقم الآن 25%.
ويمكن أن تتأرجح أسعار الطاقة الفورية في السوق في ألمانيا ــ أكبر مستهلك للطاقة في القارة ــ من السلبية في الأيام التي يكون فيها الكثير من الطاقة إلى أكثر من 600 يورو لكل ميغاواط/ساعة في الأيام التي تكون فيها الشمس مخفية والرياح خفيفة.
وقال مادس شميدت كريستنسن، نائب رئيس الاستراتيجية في «دانسك كوموديتيز» إن مهمة التنبؤ بإنتاج الطاقة المتجددة وموازنته وتحسينه تتطلب الكثير من العمل والتفاني.
وأضاف إن المتداولين بحاجة إلى مراقبة العوامل قصيرة الأجل، مثل مستويات غطاء السحب، والتغيرات الطفيفة في أنماط الرياح، وتأثير الجليد على توربينات الرياح، مشيراً إلى أنه مع استمرار تزايد حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة، ستزداد الحاجة إلى تحقيق توازن فوري لأسواق الطاقة.
كما يحتاج المتداولون بشكل متزايد إلى القدرة على تغيير مراكزهم في اللحظة الأخيرة لمراعاة أي مفاجآت في سوق متزايد التعقيد. وقد أدى ذلك إلى تسريع اعتماد التداول الآلي، وفقاً للدراسة التي أجرتها هيئة المستهلكين والأسواق الهولندية العام الماضي.
وأشارت الدراسة إلى أن «التحول في مجال الطاقة هو تطور يدفع استخدام الخوارزميات إلى مستويات أبعد كثيراً». وقد أصبح توليد الطاقة المتجددة أقل قابلية للتنبؤ، ونتيجة لذلك، تزداد حاجة المتداولين إلى إدارة مراكزهم في اللحظات الأخيرة.
وقد دخلت شركة إن كوموديتيز السوق عام 2017، انطلاقاً مما وصفه أندرسن بأنه اعتقاد راسخ بأن التكنولوجيا والخوارزميات هما الطريق للمضي قدماً.
وأشار إلى أن أسواق الطاقة تأثرت بعوامل تشمل التوترات الجيوسياسية، والأخبار، وصناعة السياسات والإجراءات التنظيمية، والتقدم التكنولوجي، ومرونة الطلب، والظروف الاقتصادية الكلية، والظروف المادية.
وأوضح أن الخوارزميات تصبح ضرورية لتحليل كل هذه البيانات، واستخراج المعلومات ذات الصلة، وفهم كيفية تأثيرها في الأسعار.
ومن ناحية أخرى، تأثر السوق بشكل خاص بالأرباح المرتفعة التي حققها المتداولون عندما ارتفعت أسعار الطاقة بشكل حاد في عام 2022 بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وحققت إن كوموديتيز أرباحاً بعد خصم الضرائب بلغت 1.06 مليار يورو عام 2022، بزيادة عن 112 مليون يورو في العام السابق، بينما حققت دانسك كوموديتيز أرباحاً بلغت 1.47 مليار يورو بنفس المقياس، بزيادة عن 303 ملايين يورو في عام 2021.
في حين عادت الأرباح منذ ذلك الحين إلى مستويات أقرب إلى المعدلات الطبيعية، شجعت العوائد الوفيرة لعام 2022 على تأسيس سلسلة من الشركات المنافسة الجديدة.
وتأسست بالتالي شركات مثل أروس كوموديتيز وبيور هاوس تريدينج وآرهوس إنيرجي وآسجارد وهي شركات مملوكة في الغالب لمؤسسين شباب طموحين - في آرهوس وآلبورغ عام 2023.
وصرح مارك زيمرلين، الشريك في شركة الاستشارات أوليفر وايمان، بأن أسواق تداول الطاقة قد تغيرت مع قيام المشاركين الأصغر ببناء قوة مالية لجذب الموظفين. وأضاف إن صناديق التحوط والبنوك عادت أيضاً إلى السوق بعد أن كانت قلصت حضورها سابقاً.
وهناك اهتمام متزايد من قِبَل مجموعة واسعة من الشركات بالتداول الآلي. ووفقاً لإبيكس، وهي بورصة أوروبية متخصصة في تداول الطاقة، فإن 70% من أحجام التداول في السوق في عام 2024 تم عبر أنظمة آلية، مقارنةً بـ44% فقط في عام 2020.
وبينما يعتمد بعض المتداولين على أنظمة جاهزة مُشتراة من آخرين، استثمر بعض المشاركين في السوق بكثافة في تطوير برمجيات خاصة لتعزيز تنافسيتهم.
وتوقع تقرير لهيئة المستهلكين والأسواق الهولندية أن تستمر حصة التداول الآلي من أحجام التداول في الارتفاع، مع تراجع تنافسية التداولات اليدوية.
كما تزداد الخوارزميات تطوراً، بل يمكنها الآن التعلم في أثناء عملها. وتوقعت الدراسة أن تُحسّن هذه الخوارزميات سيولة الأسواق وتجعل عملية وضع الأسعار أكثر كفاءة.
ومع ذلك، أشارت الدراسة أيضاً إلى أن استخدام الخوارزميات قد يتلاعب أحياناً بالسوق عن غير قصد. وحذرت من أنه عندما تنخرط خوارزميتان في معارك روبوتية في السوق، فقد تتداولان بسرعة كبيرة وترسلان إلى السوق إشارات خطأ أو مضللة.
وأعربت أيسر، وهي هيئة تُنسّق عمل هيئات تنظيم الطاقة الأوروبية، عن قلقها أيضاً. وقالت إن السرعة الكبيرة لتداول الخوارزميات.
حيث تُوضع الأوامر في أجزاء من الثانية، تُشكّل تحدياً ملموساً لفرق المراقبة في أماكن التداول وللهيئات التنظيمية على حد سواء، مع أنها شدّدت على وجود أنظمة مراقبة كافية.
وفي مكتبه في آرهوس، أقرّ ماكجوان، من إن كوموديتيز، بوجود بعض المخاوف المشروعة بشأن آثار التداول الخوارزمي المتزايد. وقال إنه قد تكون هناك نتائج غير متوقعة مع زيادة أحجام التداول.
وقال: كانت وتيرة التغيير على مدى السنوات القليلة الماضية كبيرة. وأشار إلى أنه تم تطبيق قواعد سوقية جديدة لمعالجة بعض المشكلات، على الرغم من أن الإرشادات للشركات مثل شركته حول ما تعنيه كانت غير موجودة تقريباً.