شركات تجارة السلع تتسابق إلى تعزيز هيمنتها على سلاسل التوريد العالمية

ليزلي هوك - توم ويلسون

بدأت شركات تجارة السلع العالمية استثمار أرباحها الاستثنائية التي حققتها خلال أزمة الطاقة في مشاريع توسعية جريئة، تشمل الاستحواذ على أصول استراتيجية متنوعة، والاستثمار في قطاعات جديدة، لتعزيز نفوذها في سلاسل التوريد العالمية المعقدة.

وقد حققت كبرى الشركات التجارية الخاصة، مثل «ترافيجورا» و«فيتول» و«جونفور» و«ميركوريا»، صافي أرباح تجاوز 57 مليار دولار منذ بداية العملية العسكرية في أوكرانيا عام 2022، مع ترقب نتائج «فيتول» لعام 2024، وهي الآن بصدد إنفاق هذه الأرباح.

وتشهد استراتيجيات هذه الشركات تحولاً لافتاً نحو التنويع، من خلال اقتحام مجالات جديدة كتجارة المعادن، وضخ استثمارات طموحة في قطاعات ناشئة مثل صناعة الوقود الحيوي، إضافة إلى شراء المزيد من الأصول الثابتة مثل السفن والمصافي.

وأكد ماركو دوناند، الرئيس التنفيذي لشركة «ميركوريا»، أن سنوات الازدهار مثلت أوقاتاً استثنائية مكنت الشركة من تكوين احتياطيات مالية ضخمة وتوسيع نطاق محفظتها الاستثمارية، مضيفاً: نستهدف من 5 إلى 10 مشاريع كبرى، تراوح قيمة الاستثمار في كل منها نصف مليار دولار أو أكثر.

وتابع: لم نكن لنمتلك القدرة المالية على خوض هذه المشاريع لولا الأرباح الإضافية التي جنيناها مؤخراً، مضيفاً إن البنية التحتية للتعدين والخدمات اللوجستية تحظى بأهمية خاصة.

ورغم أن جذور هذه المؤسسات التجارية تمتد تاريخياً في قطاع النفط، إلا أن بعض استثماراتها الأخيرة تعكس جهوداً للتنويع والاستفادة من التحولات الكبرى التي يشهدها قطاع الطاقة العالمي. وشرعت شركات «ميركوريا» و«جونفور» و«فيتول» في بناء فرق تجارية متخصصة في قطاع المعادن للاستفادة من الطلب المتنامي على النحاس والألمنيوم، الحيويين في مشاريع الطاقة النظيفة، لتنافس بذلك «ترافيجورا» المهيمنة تقليدياً أكبر تاجر للمعادن في القطاع الخاص.

وباعتبارها شركات خاصة، وزعت هذه المؤسسات التجارية أرباحاً ضخمة على المساهمين، وهم غالباً من مؤسسيها أو موظفيها، واستثمرت في ترقية منصات التداول الداخلية الخاصة بها. كما تستغل هذه الشركات الفرصة الحالية لتعزيز تنافسيتها في ظل تزايد المنافسة في السوق، وخاصة من صناديق التحوط مثل سيتاديل وميلينيوم التي توسعت بوتيرة متسارعة في قطاع تجارة السلع خلال السنوات الأخيرة.

وأكد آدم بيركنز، الشريك في مؤسسة «أوليفر وايمان» الاستشارية، أن هيمنة كبار التجار التقليديين آخذة في التراجع، مشيراً إلى أن أكبر 10 متداولين فقدوا مجتمعين نحو 10 نقاط مئوية من حصتهم السوقية منذ 2019، ويعزو ذلك جزئياً إلى دخول لاعبين جدد السوق، فضلاً عن قيام المنتجين والمستهلكين بإجراء المزيد من العمليات التجارية بأنفسهم.

وأضاف: الاستثمارات التي شهدناها ركزت بالأساس على تعزيز الأعمال الأساسية، مستشهداً بعمليات الاستحواذ على أصول مثل السفن والمصافي، ومؤكداً أن هذا يعزز أهميتهم ويطيل استمراريتهم في السوق. ووفقاً لتقرير حديث أصدرته مؤسسة «أوليفر وايمان»، بلغت الأرباح الإجمالية للقطاع العام الماضي 95 مليار دولار، وهو أقل مما تحقق في العامين السابقين، لكنه لا يزال يفوق بنحو 2.5 مرة المتوسط المسجل خلال الفترة من 2011 إلى 2019.

وقال جيف ويبستر، المدير المالي لشركة «جونفور» إن الفترة الأخيرة من الأرباح المرتفعة أدت إلى جذب مزيد من المنافسين الجدد إلى سوق تجارة السلع العالمية، مشيراً بصفة خاصة إلى صناديق التحوط التي توسعت في تداول السلع الأولية، وأضاف: نحن نتجه في الاتجاه المعاكس نوعاً ما، إذ بدأنا إضافة أصول مادية لتعزيز منصتنا التجارية.

وفي دلالة واضحة على حجم الأرباح الاستثنائية التي أفرزتها أزمة الطاقة، أعلنت «جونفور» الثلاثاء الماضي تحقيق صافي ربح 729 مليون دولار لعام 2024، وهو يتماشى مع مستويات 2021، لكنه يقل عن ثلث الأرباح القياسية البالغة 2.4 مليار دولار التي سجلتها الشركة في 2022، وأكثر بقليل من نصف الـ1.25 مليار دولار التي حققتها في 2023. ورغم كونها أصغر حجماً من منافسيها «فيتول» و«ترافيجورا»، وجهت «جونفور» عوائدها القياسية نحو مشاريع واستثمارات جديدة.

ففي العام الماضي استحوذت الشركة على 50 % من «توتال باركو»، المالكة لشبكة تضم أكثر من 800 محطة وقود في باكستان، من شركة «توتال إنرجيز»، كما اشترت حصة 75 % في محطة لتوليد الكهرباء تعمل بالغاز في إسبانيا.

وقال توربيورن تورنكفيست، الرئيس التنفيذي للشركة، إن «جونفور» تسعى أيضاً لزيادة حصتها في مشاريع إنتاج الغاز الأمريكية، مضيفاً إن «وتيرة استثمار» الشركات التجارية في البنية التحتية المادية قد زادت في السنوات الأخيرة. وتتيح السيطرة على البنية التحتية مثل محطات الطاقة والمصافي للتجار تعزيز أرباحهم، وذلك لسببين رئيسين: اكتساب المزيد من المعرفة بالسوق من خلال تشغيل هذه الأصول.

والقدرة على تعديل مستويات الإنتاج صعوداً أو هبوطاً لمواكبة ظروف السوق أو تلبية متطلبات محافظهم التجارية. وحققت «فيتول»، أكبر متداول مستقل للطاقة في العالم، صافي ربح بلغ 13.2 مليار دولار في 2023، متفوقة بذلك على شركة النفط البريطانية العملاقة «بي بي»، وذلك بعد أن سجلت رقماً قياسياً بلغ 15 مليار دولار في 2022.

واستخدمت «فيتول» الأرباح الضخمة التي حققتها للاستحواذ على أصول جديدة في مختلف قطاعات الطاقة، تشمل أكبر مصفاة في منطقة البحر المتوسط، وشبكة توزيع الوقود التابعة لشركة «بي بي» في تركيا، وشركة «إنجن» النفطية في جنوب أفريقيا، حتى أصبحت تمتلك 10 آلاف محطة وقود.

وفي تطور لافت هذا الأسبوع، أبرمت «فارو إنرجي» المدعومة من «فيتول» صفقة تتجاوز قيمتها ملياري دولار للاستحواذ على «بريم»، وهي مؤسسة طاقة اسكندنافية تمتلك أعمالاً واسعة في الوقود الحيوي، وذلك في أحدث مثال على استثمار شركات التجارة في هذا القطاع.

وفي الشهر الماضي، كشفت «فيتول» عن صفقة بقيمة 1.65 مليار دولار للاستحواذ على جزء من مشروع نفطي في غانا، ومشروع للغاز الطبيعي المسال في جمهورية الكونغو تديره «إيني» الإيطالية.

وأشار راسل هاردي، الرئيس التنفيذي لـ«فيتول»، إلى أن الشركة اشترت أول مصفاة لها عام 1994، مقراً بأن حجم محفظة أصول الشركة شهد نمواً ملحوظاً خلال السنوات الثلاث الماضية. وأكد أن قدرة الشركة على توريد واستلام المنتجات النفطية من شبكة واسعة من حقول النفط والمصافي ومحطات الوقود المملوكة لها كانت دائماً جزءاً أساسياً من استراتيجية «فيتول»، مضيفاً: نمتلك المزيد من الأصول، والمزيد من التكامل بين هذه الأصول وأعمالنا التجارية... وقد أثبت هذا النهج فعاليته بشكل عام للشركة.

أما بالنسبة لشركة «ترافيجورا»، أكبر شركة خاصة لتجارة المعادن، فقد صرح رئيسها التنفيذي الجديد ريتشارد هولتوم بوجود سقف لمزيد من عمليات الاستحواذ التي ترغب الشركة في تنفيذها، قائلاً: لدينا أصول بقيمة 10 مليارات دولار و700 متداول حول العالم، ومعظم هؤلاء المتداولين يتقدمون إلينا بأفكار لشراء مزيد من الأصول، لكن من غير المستحسن التوسع المفرط في قاعدة الأصول الثابتة.