عدم القدرة على التنبؤ يمكن أن يدمر أسواق الأسهم الأمريكية

روبرت أرمسترونغ

تظهر أسواق الأسهم الأمريكية حالة رفض شديدة لإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. ففي اليوم التالي للإعلان عنها، انخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 5 %، وهو أسوأ يوم له منذ عام 2020، كما استمرت المعاناة يوم الجمعة، مع تحمّل أسهم التكنولوجيا والشركات الصغيرة والبنوك العبء الأكبر.

ومن السهل إلى حد ما تفسير ذلك، فالجميع متفقون على أن الرسوم الجمركية ستزيد من تكاليف الشركات الأمريكية، وستؤدي إلى انخفاض أرباحها، على الأقل على المديين القصير والمتوسط.

ويتم تسعير الأسهم جزئياً، بناءً على الأرباح. وبناءً على نظرتك الشخصية لكيفية عمل الرسوم الجمركية، فقد تعتقد أن انخفاض الأرباح وأسعار الأسهم هو ثمن مقبول لدفعه اليوم، مثلاً، مقابل ارتفاع الإنتاج المحلي والأجور غداً. ويبدو أن هذا ما قصده ترامب، عندما قال إن «الرسوم الجمركية ستسبب اضطراباً طفيفاً، لكننا لا نمانع ذلك».

لكن الأسواق تواجه مشكلة أكبر من مجرد احتمال انخفاض الأرباح على المدى القصير، حيث يمكن للمستثمرين والشركات التكيف مع معظم هذه الأمور، فقط عندما يعرفون القواعد، لكن مع ترامب، تتغير القواعد دائماً. عند طرح أي سياسة جديدة، يتعين على الأسواق أن تأخذ في الاعتبار، ليس فقط آثار السياسة، ولكن يجب أيضاً أن تضع تقديراً لمدى استمرارها.

لذا، فإن التصحيح الذي نشهده حتى الآن، مع انخفاض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 15 %، عن أعلى مستوى له على الإطلاق في فبراير - هو جزئياً تقدير للضرر الذي ستسببه التعريفات الجمركية، وجزئياً تقدير لمدى استمرارها.

لكن الأسواق لديها لغز تقييم ثالث أصعب لحله، وذلك لأن سياسة ترامب الجمركية ستكون دائماً هدفاً متحركاً، فكيف يمكنك تسعير ذلك؟ ويمكنك معرفة السبب من خلال النظر في الطريقة التي حسبت بها الإدارة معدلات التعريفات الجمركية المفترضة لشركائها التجاريين، فالصيغة تعتمد على حجم العجز التجاري لكل دولة مع الولايات المتحدة، نسبة إلى إجمالي صادراتها إلى الولايات المتحدة.

وهذه الرسوم لا تُحسب على أساس التعريفات أو الحواجز غير الجمركية التي فرضتها الدول الأخرى على الولايات المتحدة، كما قال ترامب. إنها تستند فقط إلى العجز. ويفترض ذلك أن العجز لا يمكن أن ينتج إلا عن ممارسات تجارية غير عادلة، وهو أمر خاطئ تماماً.

فهل يجب على الولايات المتحدة أن توازن التجارة مع الدول التي لا تبيع الأشياء التي نحتاجها، بل تحتاج إلى ما ننتجه؟ أم العكس؟ إن سياسة إدارة ترامب ليست خاطئة فحسب، بل إنها غير نزيهة، فالتعريفة الجمركية الدنيا البالغة 10 % على جميع الدول، بغض النظر عن الرسوم أو العجز، ليست متبادلة بطبيعتها.

وهذا الأمر «جنوني» بكل بساطة. وكما قال وزير الخزانة السابق، لاري سامرز، فإن الأمر بالنسبة للاقتصاد، هو ما تمثله نظرية الخلق بالنسبة لعلم الأحياء. وأي شخص لديه معتقدات خاطئة راسخة، سيواجه بانتظام مواجهات غير سارة مع الواقع.

يغيرون المسار، فقط ليعودوا مباشرة إلى نفس الخندق. وحيث إن ترامب لا يتوقع له أن يحصل على ما يريده من سياسة التعريفات الجمركية، لذلك، فإنه سيواصل تغييرها، تاركاً الأسواق في مأزق. وستواصل هذه التكتيكات تذبذبها مع استمرار الخطأ الاستراتيجي الجوهري.

إن حساب ترامب للرسوم الجمركية، هو مجرد مثال واحد على الفوضى التي لا يمكن تقدير قيمتها، والتي تجد الأسواق نفسها فيها. ولم يتم الإعلان عن الخطوط العريضة لهذه السياسة مسبقاً، لذا، فقد جاءت بمثابة مفاجأة كبيرة.

وبدا أن الظهور التلفزيوني لمستشاري ترامب الاقتصاديين قبل الإعلان وبعده، يزيد من إثارة القلق لدى المستثمرين. ولم يبدُ أن وزير التجارة هوارد لوتنيك، ولا وزير الخزانة سكوت بيسنت، قد تم إطلاعهما على الأمر مسبقاً.

لذلك، فلك يكونا مستعدين لشرح الخطوات التالية. فهل كُتبت هذه السياسة التي تغير العالم بأسره، في جلسة مكثفة في الليلة السابقة؟! وقد انعكست الغرابة المطلقة للأداء برمته، في أفعال غير عادية في الأسواق في أعقاب «يوم التحرير».

ويجب أن تدفع الرسوم الجمركية الأمريكية على بقية العالم، مع تساوي جميع العوامل الأخرى، قيمة الدولار إلى الارتفاع (فمن خلال استنزاف الطلب الأمريكي على الواردات، فإنها تستنزف الطلب على العملات الأجنبية).

يجب أن تؤدي الصدمة الاقتصادية العالمية أيضاً، إلى زيادة الطلب على الدولار - فقد كان منذ فترة طويلة الملاذ الآمن للعالم. لكن العجيب أن الدولار قد انخفض. وقد يكون التفسير الأبسط لما يحدث، هو أن المستثمرين يرون مستوى جديداً من عدم اليقين للدولار والأصول المقومة به.

لذلك، فهم يبتعدون عن الطريق. وقد يجادل البعض بأن ترامب كان متقلباً في ولايته الأولى، كما هو اليوم، ومع ذلك، فقد ازدهرت الأسواق آنذاك. لكن السياق العالمي تغير بشكل كبير منذ ذلك الحين، فالأسهم الأمريكية والأصول الخطرة بشكل عام، أغلى بكثير، مقارنةً بالتاريخ والأسواق الأخرى، مما كانت عليه في عام 2017.

كما أن عجز الموازنة والدين العام أعلى بكثير، ما يترك للحكومة حيزاً مالياً أقل، في حال الحاجة إلى تحفيز. كذلك، فقد خرج مارد التضخم من القمقم، ما قلص مساحة التيسير النقدي من قبل البنك المركزي. وكان الاقتصاد الأمريكي يتباطأ بالفعل، بسبب معدلات النمو غير المستدامة التي شهدها ازدهار ما بعد الجائحة.

كما أن الاقتصاد الصيني، الذي كان يوماً ما محرك النمو العالمي، متذبذب، هو الآخر. ورغم ذلك كله، لا شيء من هذه الحقائق يُمثل قدراً اقتصادياً ضخماً، لكن الأمر أن الأوضاع باتت أكثر حساسية وتقلباً مما كانت عليه قبل ثماني سنوات. ومن شأن «اليد الثابتة وليست المهتزة»، أن تُساعد حقاً.

إن الأسواق والشركات والاقتصادات كائنات مرنة بشكل رائع. ومع مرور الوقت، ستقدم على التنازلات التي تتطلبها الرسوم الجمركية المرتفعة. لكن المعضلة أن أسلوب إدارة ترامب المتقلب في صنع السياسات، لا يُبشر بالخير. وكل ما ينتج عنه هو خسائر فادحة.