باتي فالدمير
يشهد فصل الشتاء في منطقة الغرب الأوسط الأمريكي تقلصاً ملحوظاً، ما يهدد الموروث الثقافي المرتبط بالطقس البارد، مثل التزلج، وصيد الأسماك على الجليد، وسباقات زلاجات الكلاب، وحتى الطرق الجليدية، ولمواجهة هذا التحدي، يتجه سكان المنطقة إلى استخدام تقنيات حديثة، حيث أصبحت ممارسات مثل صناعة الثلوج بكفاءة أعلى، وحتى «استزراع الثلوج»، أكثر انتشاراً، بهدف إطالة أمد الاستمتاع بفصل الشتاء.
وتلجأ منتجعات التزلج الأمريكية إلى تقنيات مبتكرة لمواجهة تبعات التغير المناخي، إذ يعد أحد منتجعات ميشيغان بتمديد موسم التزلج حتى فصل الصيف من خلال تقنية «استزراع الثلج»، وهي عملية تقوم على اكتشاف الثلج وجمعه وتكديسه بعمق 20 قدماً على المنحدرات.
وقال جيسون بيرل، المدير العام لمنتجع جبل بوين في ولاية ميشيجان: «سيتمكن الزوار من التزلج صباحا والاستمتاع بلعب الغولف بعد الظهر في الموقع نفسه»، مشيراً إلى تحد كبير في منطقة تتجاوز درجات حرارتها 21 درجة مئوية خلال شهر يونيو، ولم تكن هذه أجواء التزلج عندما كنت أزور المنتجع وأنا طفل وكسرت كاحلي.
وأضاف: «لم نعد قادرين على الاعتماد على الطبيعة وحدها، فقد دفعنا تغير المناخ إلى تبني استراتيجيات أكثر مرونة»، لافتاً إلى استثمارات ضخمة في تقنيات صناعة الثلج المتطورة التي لم تعد تتطلب حتى برودة الطقس الخارجي.
وأوضح أن منتجع بوين، ذا الارتفاع المنخفض وتل ثلجي يبلغ 500 قدم فقط، سيعتمد على صناعة معظم الثلج أولاً قبل البدء بعملية الاستزراع، على عكس جبل مونارك في كولورادو الذي يرتفع أكثر من 10 آلاف قدم، حيث يعتمد كليا على استزراع الثلج الطبيعي دون تصنيعه.
ووصف مالكوم ويلبر، مساعد مدير العمليات في مونارك، استزراع الثلج بأنه جهد مكثف يبدأ من قص العشب لتوفير كمية الثلج اللازمة لتغطية المنحدرات، وصولاً إلى نشر أسوار متنقلة لاحتجاز الثلج والاحتفاظ به.
وتشير تقارير خبراء الرياضات الشتوية إلى ضغوط متزايدة على المنتجعات منخفضة الارتفاع لابتكار حلول جديدة، فبحسب «مؤشرات تغير المناخ» الصادرة عن وكالة حماية البيئة الأمريكية، تقلص موسم الغطاء الثلجي في البلاد بنحو أسبوعين بين عامي 1972 و2013، مع تراجع آخر يوم لسقوط الثلوج 19 يوماً عن الموعد السنوي.
وقد كبّدت هذه التغيرات صناعة التزلج الأمريكية خسائر فادحة، إذ كشفت إحدى الدراسات عن خسارة القطاع 5 مليارات دولار بين عامي 2000 و2019 بسبب تغير المناخ، كما أدى تراجع الثلوج لتراجع الطلب على زلاجات الثلج الآلية، ما دفع اثنين من كبار الصناع إلى وقف الإنتاج، حسبما أكدت جيمي كاتز من مؤسسة «مورنينجستار».
وتكمن المفارقة في أن تغير المناخ يعمل في الوقت نفسه على زيادة تساقط الثلوج في المناطق المحيطة بالبحيرات الكبرى، فهذه البحيرات التي تمثل نحو خُمس المياه العذبة على كوكب الأرض تعد من أسرع بحيرات العالم احتراراً، وفق دراسة مناخية أمريكية رسمية، إذ تراجع الغطاء الجليدي الأقصى للبحيرات الكبرى بنحو 5 % في العقد الواحد بين عامي 1973 و2023.
وعندما لا تتجمد هذه البحيرات، يتبخر المزيد من المياه ليسقط على الأراضي المجاورة كثلوج «تأثير البحيرة»، وبالتالي يمكن أن يؤدي تناقص الجليد إلى زيادة الثلوج - الأمر الذي قد يفيد منتجعات التزلج مثل بوين.
إلا أن تلك الزيادة لن تنقذ رياضات أخرى مثل صيد الأسماك على الجليد، أو الزلاجات التي تجرها الكلاب، أو حتى قيادة السيارات عبر البحيرات المتجمدة. وقد ألغيت مهرجانات عديدة ترتبط بهذه الرياضات بسبب نقص الثلوج، خاصة خلال العام الماضي الذي سجل أعلى درجات حرارة بتاريخ ولايتي ميشيغان وويسكونسن.
وحذر دونالد وويبلز، الأستاذ الفخري لعلوم الغلاف الجوي بجامعة إلينوي من تفاقم المشكلة قائلاً: «ستصبح المشكلة أكبر فأكبر، خلال العقود القليلة المقبلة، لن تتمكن من ممارسة تلك الرياضات بشكل كبير»، مضيفاً أن صناعة الثلج تستهلك الوقود الأحفوري وكميات هائلة من المياه. ويتوقع خبراء المناخ أن يضطر الأمريكيون للتوجه إلى كندا للاستمتاع بأنشطة الشتاء مستقبلاً - هذا إذا كان الكنديون لا يزالون مستعدين لاستقبالهم.
وتؤكد شيلبي برونر من مؤسسة نظام مراقبة البحيرات الكبرى غير الربحية أن تناقص الجليد سيترك «أثراً ثقافياً» عميقاً على منطقة الغرب الأوسط، وتستذكر: «ما زلت أتذكر والدي وجدي وهما يصطادان الأسماك على الجليد في التسعينيات في ميشيغان، لكنهما توقفا عن ذلك لأن الجليد لم يعد موثوقاً»، مشيرةً إلى أن تقلص الموسم بشكل كبير «يجعل الأمر لا يستحق العناء».
فهل سيكون جيلنا الأخير الذي ينحني في كوخ صغير فوق بحيرة متجمدة لصيد السمك مع أحد الأجداد؟ وهل سنكون آخر من يقود سيارة بأمان عبر بحيرات الغرب الأوسط في الشتاء لمجرد الوصول إلى الضفة الأخرى؟ ربما - لكن كما تلاحظ برونر، فإن هذا ببساطة «يفسح المجال لأنشطة جديدة في المستقبل»، كالتزلج ولعب الغولف في يوم واحد ربما.