لماذا تفشل استراتيجية ترامب التجارية ضد الصين؟

آرثر كرويبر

شريك مؤسس ورئيس قسم الأبحاث في مؤسسة «غافيكال دراغونوميكس».

لم يترك أسبوع من صدمة التعريفات اقتصاد العالم أسوأ حالاً بكثير مما كان عليه في «يوم التحرير» الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ورغم أن ترامب تراجع عن تهديداته القصوى بالتعريفات المتبادلة، لكننا لا نزال نواجه حداً أدنى للرسوم بنسبة 10 في المئة على جميع الواردات الأمريكية تقريباً، ورسوماً بنسبة 25 في المئة على الصلب والألمنيوم والسيارات، وتعريفة باهظة بنسبة 145% على الصين.

ويسعى فريق الرئيس جاهداً لتبرير الفوضى بأنها خطة مهمة لتشكيل تحالف لمواجهة النزعة التجارية الصينية، لكن أي خطة من هذا القبيل محكوم عليها بالفشل. ولإدراك الأسباب، يجب علينا أولاً فهم ما يريده ترامب فعلياً من التعريفات الجمركية، حيث لا تصمد الادعاءات المعتادة، من أنه يريد قمع الممارسات التجارية الجائرة، والقضاء على العجز التجاري، وإعادة التصنيع لأمريكا، ومواجهة الصين، أمام التمحيص الدقيق. وغالباً ما يسترشد ترامب بهذه الأهداف، إلا أن هذه الغايات المعلنة كثيراً ما تتعارض فيما بينها، أو تتناقض مع سياسات أخرى، أو من الواضح أنها غير قابلة للتحقيق.

التفسير الأفضل هو أن ترامب يسعى لمراكمة النفوذ وممارسته، والتعريفات تمثل الأداة المثلى لتجسيد هذا النفوذ، إذ يكمن هدف حربه التجارية الشاملة في إزاحة القيود التي يفرضها النظام الاقتصادي العالمي على الممارسة الأحادية للقوة الأمريكية، خاصة تلك التي يمارسها الرئيس.

وتبرز التعريفات كأداة مفضلة لسببين رئيسيين: أولهما إيمان ترامب الراسخ منذ عقود بأن العالم سيدفع أي ثمن للنفاذ إلى السوق الأمريكية، وثانيهما، وربما الأكثر أهمية، أن ترامب يتمتع بصلاحية شخصية مطلقة لفرض (أو سحب) التعريفات على أي دولة، في أي وقت، ولأي سبب.

إن جوهر ما يسعى إليه ترامب هو استعراض الهيمنة وفرض الخضوع، فالدول التي لم تبدِ مقاومة فعلية لتعريفاته حظيت بإعفاءات من المعدلات المرتفعة، بينما تعرضت الدولة التي تجرأت على تحديه لعقاب قاس.

وباتت معظم دول العالم تدرك الآن بوضوح أن المبررات الاقتصادية المختلفة التي يسوقها المستشارون الاقتصاديون في إدارة ترامب ليست سوى واجهة تجميلية لإخفاء الدوافع الحقيقية، وطالما ظل ترامب في سدة الحكم، ستبقى الولايات المتحدة شريكاً غير موثوق، ولن يخاطر أي زعيم يتحلى بالحكمة بالانضمام إليه في حملته ضد الصين.

وهناك سبب ثانٍ لفشل حرب ترامب التجارية ضد الصين، إذ كشف التراجع المهين الأسبوع الماضي عن سياسة التعريفات «المتبادلة» أن سوق السندات هي التي تحدد حجم العصا الجمركية التي يلوح بها، وهي أصغر بكثير مما تصور، حيث اضطر ترامب للتخلي عن التعريفات المرتفعة عقب ردة فعل سلبية من الأسواق المالية.

وبهذا فقد ترامب نفوذه في المفاوضات التجارية، لأنه لا يمكنه رفع التعريفات مرة أخرى، لأن سوق الخزانة سيثور مرة أخرى. وسيكون الحافز لمعظم القادة العالميين هو عقد صفقات سريعة يتم فيها خفض التعريفات مقابل تنازلات تجميلية وبعض الاحترام. ولن تشمل هذه الوعود بتفجير علاقاتهم التجارية والاستراتيجية مع الصين.

السبب الثالث الذي سيقود إلى فشل الحرب التجارية مع الصين يتمثل في الصين ذاتها. فعلى الرغم من أن الصين تبدو للوهلة الأولى في موقف أضعف مقارنة بالولايات المتحدة، حيث فقدت إمكانية الوصول المباشر إلى أحد أكبر أسواقها التصديرية، وتواجه عزلة دبلوماسية ظاهرية، إلا أنها في الواقع مهيأة بشكل جيد للغاية لخوض حرب استنزاف اقتصادية طويلة الأمد ضد الولايات المتحدة.

وقد تشهد الصين تراجعاً في الطلب الأمريكي على منتجاتها، إلا أنها تستطيع تعويض هذا النقص عبر تحفيز الطلب الاستهلاكي المحلي، الذي ظل ضعيفاً بصورة استثنائية نتيجة السياسات النقدية المتشددة والتركيز المفرط على توجيه موارد الدولة نحو قطاع التصنيع، غير أن الرئيس شي جين بينغ غيّر مساره الاستراتيجي وبات يبدي اهتماماً جدياً بتعزيز الطلب الداخلي.

وبإمكان الصين أيضاً المضي قدماً دون الاعتماد على الواردات الأمريكية، إذ أسهمت خمس سنوات من القيود التصديرية المفروضة عليها في تطوير قدراتها على تصنيع منتجاتها دون الاستعانة بالتكنولوجيا الأمريكية.

ورغم المخاوف في الأسواق المالية، تمتلك الصين القدرة على تحقيق الاستقرار دون اللجوء إلى خفض حاد في قيمة عملتها، فقد خففت بكين بعض القيود المفروضة على الرنمينبي لامتصاص جزء من ضغط التعريفات، وقد تسمح بانخفاض إضافي بنسبة واحد أو اثنين بالمئة، بينما سيؤدي تنفيذ سياسة مقنعة لتحفيز الطلب إلى جذب تدفقات رأسمالية جديدة تسهم في دعم سعر صرف العملة.

في المقابل، تواجه الولايات المتحدة مستويات تضخم أعلى بكثير نتيجة الضرائب المفروضة على السلع الاستهلاكية الصينية، حيث يبلغ اعتمادها على المدخلات الصناعية الصينية ثلاثة أضعاف اعتماد الصين على المكونات الأمريكية، وقد بدأت أسعار المدخلات المرتفعة تؤثر سلباً في الاستثمارات التجارية، ففي حين تواجه الصين تحدياً في جانب الطلب يمكن معالجته عبر سياسات اقتصادية كلية أفضل، تصطدم الولايات المتحدة بشدة في العرض واحتمالية الركود التضخمي، اللذين لا يمكن التغلب عليهما إلا بتغيير جذري في النظام الاقتصادي.

وإذا كان الهدف من حرب ترامب التجارية الجديدة مع الصين هو إجبار بكين على الانحناء أمام القوة الأمريكية، فلن تكون النتيجة سوى الإحباط وخيبة الأمل.