«فك التشابك» في «فوضى التعريفات»

ازداد وضع قادة الأعمال والحكومات والمستثمرين المضطرين إلى الشرب من «خرطوم مياه السياسة الأمريكية» (الكاتب يشير إلى سيل القرارات الأمريكية)، تعقيداً في الأسبوع الماضي، حيث أعلن الرئيس دونالد ترامب عن توقف مفاجئ للتعريفات «المتبادلة» العالية، التي وُصفت مراراً بأنها دائمة. وكانت النتيجة تقلبات حادة في الأسواق المالية، وقلبت التوقعات الاقتصادية قصيرة وطويلة الأجل في وول ستريت. ولفهم كل هذا، اسمحوا لي أن أقترح أربعة استنتاجات، من المؤكد إلى الأقل معرفة.

ينطبق توقف ترامب لمدة 90 يوماً على جميع البلدان، باستثناء الصين، التي يقول البيت الأبيض إنها لا تزال تواجه معدل تعريفة إضافي قدره 145 %، والتي فرضت رسوماً إضافية انتقامية، وقيوداً أخرى على الولايات المتحدة.

وعلى النقيض من ذلك، أجّل الاتحاد الأوروبي انتقامه، في انتظار معرفة هل هناك فترة توقف أخرى في المستقبل، أو إيقاف لزر التشغيل، أو الرجوع للخلف. ومثل الآخرين، فهو حريص أيضاً على رؤية ما يفكر فيه ترامب بشأن التنازلات الخاصة بالشركات.

وبالانتقال من «ماذا» إلى «لماذا؟»، فإن التدفق الأخير للتعليقات من كبار مسؤولي الإدارة، كان فيها عنصر مشترك: وهو دور سوق السندات. فيبدو أنهم أدركوا أن سندات الخزانة الأمريكية كانت تقترب جداً من الخط الذي يفصل التقلبات غير العادية عن توقف السوق، حيث لا يستطيع المشترون والبائعون العثور على سعر لإجراء المعاملات.

حدث ذلك في عامي 2008 و2020، ما أدى إلى انتشار الاضطرابات في الأسواق والاقتصاد في الداخل وعلى الصعيد الدولي، واستلزم ذلك إيقاف دوائر رئيسة في الحكومات والبنوك المركزية.

وشملت العوامل الأخرى التي ساهمت في إعلان توقف التعريفات، تحذيرات علنية صارخة من شخصيات بارزة، مثل جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك «جيه بي مورغان تشيس».

محمد العريان رئيس كلية «كوينز» بجامعة «كامبريدج» ومستشار لمؤسستي «أليانز» و«غراميرسي»
محمد العريان رئيس كلية «كوينز» بجامعة «كامبريدج» ومستشار لمؤسستي «أليانز» و«غراميرسي»

وأفهم أيضاً أنه كان هناك سيل من المكالمات القلقة إلى الإدارة والكونغرس والاحتياطي الفيدرالي. ثم جاءت محاولة كلاسيكية لتطوير الرواية لتناسب ما حدث: كان التوقف هو الخطة طوال الوقت، وقد تم تفعيله، بعد أن اتصلت أكثر من 70 دولة بالإدارة الأمريكية للدخول في مفاوضات، بهدف خفض الحواجز التعريفية وغير التعريفية مع الولايات المتحدة.

وفي بداية اجتماع وزاري متلفز، الخميس الماضي، عزز الرئيس فكرة «الرحلة الوعرة»، بالإشارة إلى «تكاليف انتقالية» و«مشاكل انتقالية». ففي نهاية المطاف، التقلب هو سمة، وليس خللاً في «فن الصفقة». الشيء الرئيس الذي يجب على الأسر والشركات الأمريكية تذكره، هو الوجهة الجذابة حتماً.

يقود هذا إلى النقطة الثالثة: الحفر التي على الطريق. هناك مخاطر تتعلق برياح ركود تضخمي فوري، والتفاعل مع إلغاء القيود التنظيمية، وما يسمى بأجندات كفاءة الحكومة، واحتواء الاضطرابات الكبيرة في السوق، وحمل الدول الأخرى على تقديم تنازلات كبيرة، على أمل إنهاء تهديد الحروب التجارية والعقوبات الاستثمارية بشكل حاسم.

في غضون ذلك، وبالحكم من ارتفاع أسعار الذهب والمؤشرات الجزئية الأخرى، يبدو أن الدول سارعت لتنويع استثماراتها بعيداً عن أمريكا، التي ينظر إليها على أنها تقوض وضعها كملاذ آمن في قلب النظام الاقتصادي والمالي العالمي.

هناك أيضاً مخاطر تشغيلية. فليس من السهل التفاوض مع هذا العدد الكبير من البلدان في وقت واحد، وبطريقة مختلفة لكل منها، مع منح تنازلات لشركات بعينها أيضاً.

لن تنجح هذه الفوضى، إلا إذا تمكنت الإدارة من حل الخلافات الداخلية حول الهدف الأساسي لهذه الحرب التجارية. هل هو فرض تجارة أكثر عدلاً في عالم من التعريفات المنخفضة أو الصفرية، أم زيادة كبيرة في الإيرادات وإعادة الإنتاج إلى الوطن بشكل دائم؟ على أية حال، فقد ازداد الخلاف العلني في الأسبوعين الماضيين.

يعتقد أحد الجانبين أن نتيجة كل هذا، هي إعادة هيكلة أوسع، على غرار ريغان/تاتشر للاقتصاد الأمريكي والعالمي، على حد سواء. وتظهر الولايات المتحدة أمام العالم وهي تتنافس على قدم المساواة مع قطاع خاص أكثر تمكيناً، وحكومة أصغر حجماً وأكثر إنتاجية. ويعتقد الجانب الآخر أن ذلك سيؤدي إلى تدهور الولايات المتحدة في ركود تضخمي، على غرار فترة جيمي كارتر، مع تفاقم الآثار العالمية السلبية، بسبب التوترات بين الصين والولايات المتحدة.

الخلاصة واضحة. لقد أثبت تقلب الأسبوعين الماضيين، بلا شك، أن الولايات المتحدة قد أخذت اقتصادها واقتصادات الدول الأخرى في رحلة غير مريحة، إلى وجهة غير مؤكدة. وسيتعرض هذا النظام المالي ومكانة أمريكا العالمية، إلى اختبار شديد، بما في ذلك قدرتها على مواجهة جهود الصين لتصوير نفسها على أنها الشريك الأفضل على المدى القصير والطويل.