لماذا يتمتع شي بموقف أقوى من ترامب في الحرب التجارية؟

جدعون راشمان

عندما تكون في شك استخدم الأحرف الكبيرة! «لن يفلت أحد من العقاب»، هكذا أصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في توضيح تسبب في إرباك من استمع إلى إعلانه السابق، أن الولايات المتحدة ستستثني الهواتف الذكية والإلكترونيات الاستهلاكية من التعريفات الجمركية. وهذا الإعفاء نفسه كان تغييراً لسياسة الأسبوع السابق عليه، التي فرضت رسوماً جمركية «متبادلة» بنسبة 145 % على جميع الواردات الصينية، والتي كانت بدورها زيادة كبيرة عن المعدلات المعلنة قبل بضعة أيام. هل تتابعون ما يحدث؟

فهل يمكن لأحد أن يفهم هذه السياسة المتغيرة؟

قد يرى المراقب العادي أن التقلبات المفاجئة في سياسة التعريفات الجمركية، تعكس حالة فوضى داخل البيت الأبيض، غير أن مؤيدي ترامب يرفضون هذا تماماً، فقد أشاد بيل أكمان، المستثمر المالي البارز، بأحد التغييرات المفاجئة السابقة في السياسة التجارية، قائلاً «لقد تم تنفيذه ببراعة.. إنه تطبيق نموذجي لكتاب فن الصفقة».

ويواصل أشد مؤيدي الرئيس ولاء، إصرارهم على أنه استراتيجي محنك، بينما يخاطر كل من يجرؤ على اقتراح العكس، بتعريض نفسه لتهمة الإصابة «بمتلازمة اضطراب ترامب». يا للأسف، ما زلت مصاباً بهذه المتلازمة (فقد تم منع اللقاح المضاد لها!).

لذلك، فإن ذهني المحموم يعتقد أن ترامب يمتلك أوراق لعب أضعف بكثير مما يعتقد في مباراة بوكر التعريفات التي يخوضها مع الصين، وكلما تأخر في قبول هذه الحقيقة بشكل قاطع، ازدادت خسائره وخسائر الولايات المتحدة.

ينطلق ترامب ومحاربو التجارة في إدارته من افتراض أساسي، مفاده أن الصين تقف حتماً في موقف الضعيف في أي صراع تجاري، حيث يرى سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكي، أن الصين «تلعب بورقتين ضعيفتين.. فنحن نصدر إليهم خمس ما يصدرونه إلينا، لذا، فهي ورقة خاسرة بالنسبة لهم».

غير أن عيوب منطق ترامب وبيسنت، تم توضيحها بجلاء في مقال حديث لآدم بوزن، في مجلة فورين أفيرز، إذ يشير بوزن إلى أن حقيقة تصدير الصين أكثر بكثير للولايات المتحدة مما تستورده منها، هي في الواقع نقطة نفوذ للصين، وليس ضعفاً.

الولايات المتحدة لا تشتري المنتجات الصينية من باب الإحسان، بل لأن الأمريكيين يرغبون في ما تنتجه الصين. وإذا أصبحت تلك المنتجات أكثر تكلفة بشكل كبير، أو اختفت من الأسواق تماماً، فسيعاني المستهلكون الأمريكيون.

وتكمن أهمية التنازل المؤلم في نقطة الهواتف الذكية، أن ترامب اضطر أخيراً للاعتراف ضمنياً بما طالما أنكره، وهو أن الرسوم الجمركية يتحملها المستوردون وليس المصدرين.

فأكثر من نصف الهواتف الذكية المباعة في أمريكا، هي هواتف آيفون، و80 % منها مصنعة في الصين، بالتالي، سيرتفع صوت الاحتجاج الأمريكي، إذا تضاعفت أسعارها، لأن «يوم التحرير» لم يكن يقصد به أبداً التحرر من الهواتف الذكية!

وتتصدر الهواتف والحواسيب قائمة السلع المرشحة في قائمة التنازلات، وهي ليست أمثلة منفردة. وسيتعين على ترامب أن يأمل ألا يكون صيفاً حاراً، لأن 80 % من مكيفات الهواء في العالم تصنع في الصين، فضلاً عن ثلاثة أرباع المراوح الكهربائية التي تدخل السوق الأمريكية. ولا شك أن البيت الأبيض سيرغب في إنهاء الحرب التجارية قبل حلول أعياد الميلاد، حيث تهيمن المنتجات الصينية على 75 % من سوق الدمى والدراجات التي تستوردها الولايات المتحدة.

وقد يتساءل المرء: أليس بمقدور أمريكا تصنيع هذه المنتجات محلياً؟ نعم، لكن الأمر يستلزم وقتاً لبناء المنشآت الصناعية اللازمة، ناهيك عن أن المنتج النهائي سيكون بالتأكيد أكثر كلفة.

ولأن ترامب يمقت العناوين الصحافية السلبية، ويسعى لتلاشيها بأي ثمن، فالأرجح أنه سيلجأ إلى توسيع مظلة الإعفاءات الجمركية، بدلاً من مجابهة شبح النقص في المعروض وشبح التضخم.

أمام هذا المشهد، تملك الصين ترف الانتظار، أما إذا قررت بكين التصعيد، فبحوزتها ترسانة أدوات مؤثرة، فهي تسيطر على نصف إنتاج المكونات التي تدخل في المضادات الحيوية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة، كما أن مقاتلات «إف 35»، العمود الفقري للسلاح الجوي الأمريكي، تتطلب معادن نادرة، تحتكر الصين توريدها.

وحتى إن تمكنت إدارة ترامب من العثور على فئة من الواردات يمكن للأمريكيين الاستغناء عنها، سيظل من المستبعد قدرتها على تكبيد الاقتصاد الصيني خسائر استراتيجية.

فالسوق الأمريكية لا تستقطب سوى 14 % من الصادرات الصينية، ويرى يورغ فوتكه الرئيس السابق للغرفة التجارية الأوروبية في بكين، أن التعريفات الأمريكية «مزعجة، لكنها لن تشكل تهديداً حقيقياً للاقتصاد الصيني، الذي يتجاوز حجمه 14 تريليون دولار، في حين لا تتعدى صادراته للولايات المتحدة 550 مليار دولار».

ورغم تلميحات البيت الأبيض المتكررة، برغبته في أن يبادر الرئيس الصيني شي جين بينغ بالاتصال، فإن انسحاب ترامب المتسارع، ينزع أي حافز قد يدفع بكين للتفاوض.

النظام الذي يهيمن عليه الحزب الشيوعي الصيني بقبضة محكمة، يتمتع على الأرجح بقدرة أكبر على امتصاص فترة من المعاناة السياسية والاقتصادية، مقارنة بالولايات المتحدة، حيث تتحول الأزمات الاقتصادية بسرعة فائقة إلى ضغوط سياسية عاصفة.

الرئيس الصيني بالتأكيد ليس معصوماً من الخطأ، غير أن بكين ظلت تستعد لمواجهة تجارية مع واشنطن منذ سنوات طويلة، وقامت بتحليل خياراتها بعمق شديد، في حين يبدو البيت الأبيض كمن يبحث عن حلول مرتجلة من لحظة لأخرى.

لقد وزع ترامب لنفسه أوراقاً ضعيفة في هذه المواجهة، وسيضطر عاجلاً أم آجلاً للانسحاب من اللعبة - إنه تطبيق نموذجي لما يسميه «فن الصفقة»!