هيئة تحرير «فايننشال تايمز»
شاركت الحكومة البريطانية في عملية إنقاذ دراماتيكية لشركة «بريتش ستيل»، آخر مشغل لآخر فرني صهر في منطقة سكنثورب بمقاطعة لينكولنشاير.
فبعد استدعاء البرلمان من العطلة لتمرير تشريع طارئ، سيطر الوزراء على المصنع، وقاموا بتوفير خام الحديد والفحم، للحفاظ على الأفران مشتعلة حالياً، والتأميم المؤقت، أصبح مرجحاً الآن. وما ينقص هو خطة تفصيلية لما سيحدث لاحقاً، كجزء من خطة أكبر للصناعة البريطانية.
وسعت مجموعة «جينغي» الصينية، المالكة لشركة «بريتيش ستيل»، للحصول على ضعف الدعم الذي قدمته الحكومة البريطانية، والبالغ 500 مليون جنيه إسترليني، لدعم استمرار الشركة، وتمويل التحول نحو أفران القوس الكهربائي الصديقة للبيئة، بذريعة أن تكلفة هذا المشروع ستصل إلى مليار إسترليني.
وحين ظهرت مؤشرات تشير إلى محاولة الشركة الصينية التخلي تدريجياً عن أفران الصهر، سارعت الحكومة البريطانية للتدخل، فيما قللت رئاسة الوزراء من ادعاءات بوجود مساعٍ صينية «لتخريب» ما تبقى من صناعة الصلب البريطانية المتعثرة، إذ يرجح أن «جينغي» كانت تناور في محاولة غير موفقة لانتزاع عرض دعم مالي أكبر.
وسيؤدي إغلاق أفران الصهر في سكنثورب، لجعل بريطانيا الدولة الوحيدة في مجموعة العشرين، غير القادرة على إنتاج الصلب «الأولي» من خام الحديد، إذ تعتمد أفران القوس الكهربائي على تصنيع المعدن من الخردة.
وتشوش الجدال وانقسم بين خيارين: إنقاذ الأفران مؤقتاً، لضمان انتقال منظم نحو التقنيات النظيفة - وهو المخطط المتفق عليه منذ فترة - أو الإبقاء عليها لفترة أطول، للحفاظ على قدرة إنتاج أولية. ورغم الحنين والتطلعات النقابية لحماية الوظائف.
فإن هذه الأفران تقترب من نهايتها، لأنها تنتج كميات هائلة من الكربون، والأهم هو الخسائر الاقتصادية، إذ تسجل – بحسب «جينغي» – خسائر يومية تقدر بـ 700 ألف إسترليني.
وفي ظل الحروب التجارية المتصاعدة بين أمريكا والصين، والاضطرابات الجيوسياسية المتزايدة، إلى جانب خطط الحكومة البريطانية لتعزيز النمو من خلال مشاريع سكنية وبنية تحتية ضخمة، فإن مساعي تحويل قطاع الصلب البريطاني المتقلص إلى قطاع اقتصادي مجدٍ، تمثل خطوة منطقية للحفاظ على قدر من المرونة الاستراتيجية.
غير أن هذا لا يستدعي بالضرورة استمرارية أفران الصهر التقليدية، فأفران القوس الكهربائي، باتت قادرة الآن على إنتاج معظم أنواع الصلب، كما تمتلك بريطانيا فائضاً من خردة المعادن.
وقد خصص حزب العمال البريطاني دعماً مالياً بقيمة 2.5 مليار جنيه، كجزء من استراتيجية متكاملة لقطاع الصلب، وبات مطالباً الآن بوضع خطط أكثر تفصيلاً لمستقبل «بريتيش ستيل» والقطاع بكامله.
ونظراً لانهيار الثقة مع «جينغي»، يبدو التأميم خياراً حتمياً في المدى القريب، لكن لتأمين مستقبل منشآت سكنثورب، يتعين على الوزراء استقطاب مستثمر جديد قادر على تحويلها إلى منظومة أعمال مستدامة.
ويتطلب هذا المسار تنفيذ خطة أفران القوس الكهربائي، بدعم يقارب الـ 500 مليون جنيه إسترليني، وهو المبلغ الذي سبق عرضه على مجموعة «جينغي»، وعلى شركة «تاتا ستيل» الهندية، لتنفيذ تحول مماثل في منشآت بورت تالبوت بجنوبي ويلز.
وقد أشار خبراء الصناعة إلى أنه مع توفر هذا الدعم، إضافة إلى المزايا التي يتمتع بها الموقع الحالي، من حيث وجود عملاء جاهزين - حيث توفر منشآت سكنثورب 95 في المئة من احتياجات السكك الحديدية البريطانية من الصلب - فإن تحقيق هذا التحول، لا ينبغي أن يكون أمراً مستعصياً.
ولضمان تنافسية صناعة الصلب البريطانية والصناعات الأخرى كثيفة الاستهلاك للطاقة، يجب على الحكومة التحرك سريعاً لخفض أسعار الكهرباء الصناعية، التي تعد من بين الأعلى في الدول المتقدمة.
وعلى عكس ما يروج له البعض، لا يعود هذا الارتفاع إلى الطاقة المتجددة، بل إلى نظام التسعير القائم على أغلى مصدر طاقة مطلوب لتلبية الطلب، وغالباً ما يكون الغاز الطبيعي.
وتعكف الحكومة حالياً على مراجعة آليات السوق، وسط تزايد الاهتمام بمقترح الاقتصادي السير ديتر هيلم، الذي يدعو للعودة إلى نموذج ما قبل الخصخصة.
والفكرة هنا تقترح تغيير طريقة تسعير الكهرباء للصناعات. فبدلاً من ربط الأسعار بتقلبات السوق الفورية (والتي غالباً ما تكون مدفوعة بتكلفة الغاز الطبيعي المرتفعة)، يجب أن تدفع الصناعات التكلفة الحقيقية لإنتاج المزيد من الكهرباء على المدى الطويل.
وبدلاً من الاستمرار في عمليات الإنقاذ، ينبغي على الحكومة البريطانية أن تحدد، كجزء أساسي من استراتيجيتها الصناعية المرتقبة، تعريفاً واضحاً للقطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية الوطنية. ويشمل ذلك تحديد المجالات التي تستوجب الاحتفاظ بقدرات إنتاجية محلية.
وتلك التي يمكن الاعتماد فيها على سلاسل التوريد من الدول الحليفة، والنسبة المقبولة للتركيز لدى مورد واحد. وصناعة الصلب تمتلك مقومات تجعلها قطاعاً حيوياً، ينبغي أن تحافظ بريطانيا على قدراتها فيه - وإن كان ذلك، على المدى البعيد، لن يتحقق عبر أفران الصهر التقليدية التي منحتها الحكومة مؤخراً فرصة استثنائية للاستمرار.