الهند تراهن على «الابتكار المقتصد» في سباق الذكاء الاصطناعي

كريشن كاوشيك

تراهن الهند على خبرتها في «الابتكار المقتصد»، وما تملكه من قاعدة مهارية، للحاق بالسباق العالمي للذكاء الاصطناعي، طامحة في الحصول على حصة بهذه الصناعة المتنامية بسرعة.

وترى حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إضافة إلى مؤسسي الشركات الناشئة وواضعي السياسات، أن الهند، باعتبارها الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، قادرة على المنافسة في الذكاء الاصطناعي، من خلال إنشاء نماذج لغوية كبيرة أرخص، وتدريبها على اللغات الهندية.

وإنشاء تطبيقات ذكاء اصطناعي تعالج مشكلات محددة. ويرى أبهيشك سينغ، البيروقراطي الذي اختاره مودي لقيادة مساعي الحكومة في الذكاء الاصطناعي عام 2024، أنه «إذا تم بناء ديب سيك بتكلفة منخفضة بشكل معقول، فيجب أن نكون قادرين على ذلك أيضاً».

ويفحص سينغ حالياً 67 عرضاً من شركات تكنولوجية ناشئة، ومختبرات الأبحاث التي تسعى للحصول على تمويل لصنع نماذج ذكاء اصطناعي محلية.

وجاءت هذه العروض، بعد أن أصدرت الحكومة نداء للتقدم بأفكار في يناير الماضي، لخلق منافس محلي لشركة ديب سيك الصينية، التي تدعي أنها بنَت نموذجاً تنافسياً بجزء صغير من التكلفة المعتادة.

وقال سينغ إن الحكومة اتخذت «قراراً استراتيجياً» لبناء نماذج هندية، وكانت «تساعد في بناء النظام البيئي»، من خلال خطة ذكاء خمسية للذكاء اصطناعي، قيمتها 1.2 مليار دولار، التي أطلقتها العام الماضي.

وأتاحت الحكومة للباحثين الهنود والشركات الناشئة 10,000 وحدة معالجة رسومية، وهي الرقائق المطلوبة لتشغيل الذكاء الاصطناعي المتقدم، وتخطط لتوفير تمويل أولي لبعض الأفكار الواعدة.

ويرى مسؤولون تنفيذيون وصانعو سياسات، أنه ليكون لدى الهند فرصة للحاق بالركب في هذا المجال، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والصين، فعلى الشركات الهندية اتخاذ رهانات أكبر في تمويل الابتكار.

وفي وقت مبكر من الشهر، أعرب بيوش غويال وزير التجارة، عن إحباطه في مناسبة أقيمت للشركات الناشئة بنيودلهي، وتساءل عما إذا كانت الهند ستواصل تأسيس شركات لتوصيل الطلبات والتجارة السريعة، عوضاً عن الابتكار في التكنولوجيا العميقة.

وأعلن عمالقة التكنولوجيا الهندية عن استثمارات ضئيلة نسبياً في الذكاء الاصطناعي، مقارنة بنظرائهم العالميين. وتعتزم «غوغل» و«مايكروسوفت» و«ميتا» و«أمازون»، إنفاق نحو 300 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي العام الجاري، في حين أعلنت عملاقة التجارة الإلكترونية الصينية «علي بابا»، أنها تخطط لاستثمار 53 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

وبلغ حجم الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي العام الماضي، 43 مليار دولار، كانت نسبة الهند منها 179.3 مليون دولار، مقابل إنفاق الصين 3.3 مليارات دولار، وإنفاق أمريكا 34.2 مليار دولار، حسب بيانات جمعتها «تراكسن».

وأفاد براتيوش كومار، المؤسس المشارك لشركة «سارفام إيه آي»، إحدى الشركات الرائدة في الذكاء الاصطناعي بالهند: «أعتقد أن رأس المال موجود»، وتابع: «لكننا بحاجة إلى نية لضخه، وعزم للابتكار، والرغبة في الريادة، وهذه هي الأمور المطلوبة».

وتعمل الشركة الناشئة، ومقرها بنغالور، على صناعة نموذج لغوي أكبر حجماً، بعدما كشفت اللثام عن النموذج الأول لها العام الماضي، ويدعى «سارفام 1». وتأمل الشركة أن تقارب قدراته قدرات نماذج رائدة، مثل «تشات جي بي تي»، الذي أنشأته «أوبن إيه آي»، و«ديب سيك»، في ما يتعلق بإنجاز المهام اليومية.

وقال كومار: «نرغب في أن نكون واقعيين للغاية بشأن استخدام التكنولوجيا» في الحلول اليومية، مشيراً إلى أن نموذجها لن يحل المشكلات الأكثر صعوبة، مثل الرياضيات المتقدمة، و/أو الإجابة عن الأسئلة الفلسفية المعقدة.

وجمعت الشركة تمويلاً بقيمة 40 مليون دولار من «بيك إكس في بارتنرز»، وكانت في ما سبق تدير أعمال «سيكويا» في الهند وجنوب شرق آسيا، وجمعت تمويلات أيضاً من «لايت سبيد» و«خصلة فنتشرز»، ومقرهما في الولايات المتحدة.

إلا أن أحد أبرز أصحاب رؤوس الأموال المغامرة في بنغالور، أشار إلى أنه في حين شهد الذكاء الاصطناعي قدراً كبيراً من النشاط والصخب في الهند، إلا أنه لم يرَ ما يكفي من الابتكار الأصلي. وقال «هل تأتينا 10 أفكار قابلة للتمويل كل شهر؟ ربما لا».

وبينما صنف تقرير «مؤشر الذكاء الاصطناعي» لعام 2024، الصادر عن جامعة ستانفورد، الهند على قمة مقياس اختراق المهارات في الذكاء الاصطناعي.

إلا أن البلاد تخلّفت من حيث إجمالي براءات اختراع الذكاء الاصطناعي الممنوحة عالمياً بين عامي 2014 و2022، إذ حصلت شركات صينية على 60% منها، وحصدت الشركات الأمريكية نسبة 20%، فيما تمثل نصيب الهند في 0.22% من الإجمالي.

وخلافاً لشركات التكنولوجيا الأمريكية والصينية، التي ضخت مليارات الدولارات في البحوث الرائدة، فقد ركزت شركات التكنولوجيا الهندية الخاصة بشدة على الأرباح الفورية، بحيث لا تتحمل مخاطر دعم البحوث، بحسب محللين.

نوه أنيرودة سوري، صاحب رؤوس الأموال المغامرة والباحث لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، بأن «شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات في الهند ليس لديها الطموح الذي يمكنها من الانتقال من أن تكون مجرد شركات لتقديم الخدمات إلى بيع منتجاتها». واستطرد: «لا تؤمن هذه الشركات بأن جوهرها إنما يكمن في الابتكار».

ونبعاً من اهتمامه برأب الفجوة التي تشهدها البحوث الرائدة، بدأ بارات تشوبرا، رائد الأعمال الهندي في التكنولوجيا، الذي باع شركته «وينغيفاي» للبرمجيات لمجموعة الأسهم الخاصة «إيفرستون» في يناير الماضي، مقابل 200 مليون دولار، في استخدام قدر من أمواله لتمويل بحوث الذكاء الاصطناعي في البلاد.

ومع ذلك، فقد أكد رافي تارافدار رئيس قسم التكنولوجيا لدى «إنفوسيس»، على أنها كانت بصدد التحول إلى «شركة للذكاء الاصطناعي». وفي سبيل ذلك، ركزت الشركة، التي تبلغ قيمتها 70 مليار دولار، على ثلاثة عوامل: تعزيز مهارات قوتها العاملة البالغة أكثر من 340,000 موظف «لتعظيم إمكاناتهم»، واستخدام الذكاء الاصطناعي «لإعادة تصور» خدماتها، ومساعدة عملائها على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي.

أضاف ناندان نيليكاني، المؤسس المشارك ورئيس مجلس إدارة «إنفوسيس»، أن الهند من شأنها النجاح في مساعيها بالتركيز على بناء تطبيقات معتمدة على نماذج رائدة، وأنها «ستقود الطريق في الإشارة للناس إلى كيفية استخدامهم فعلياً للذكاء الاصطناعي لأغراض مفيدة»، على نطاق واسع.

من ناحيته، أشار نيتين راكيش، الرئيس التنفيذي لدى شركة «فاسيس» لتكنولوجيا المعلومات، إلى شعور الشركات العالمية بالحاجة إلى التكيف مع الذكاء الاصطناعي، وأن شركات مثل شركته، ستستفيد من أعوام من الرؤى التي أوحت بها إلى عملائها.

وذكر أن صناعة خدمات تكنولوجيا المعلومات الهندية «وُلِدّت من رحم فرق التكلفة. نحن نتجه صوب الفرق التكنولوجي».

ويعتقد محللون في رغبة نيودلهي في ألا يكون هناك غنى عنها، عن طريق الاستفادة من المهارات التي يتمتع بها سكانها، حتى وإن كانت ما زالت تبحث عن المجال الذي يمكنها ريادته في صناعة الذكاء الاصطناعي سريع التطور.

وفي الشهر الماضي، قال مودي للمذيع الأمريكي، ليكس فريدمان: «يمكن للعالم أن يفعل أي شيء من أجل الذكاء الاصطناعي»، مضيفاً: «لن يكتمل تطور الذكاء الاصطناعي من دون الهند».