هيئة تحرير «فايننشال تايمز»
لطالما روّج المصرفيون والاستشاريون لفرص الطبقات الوسطى سريعة النمو في آسيا لعملائهم. ومع ارتفاع الدخول، تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر وفقاً لذلك، ما غذى المزيد من النمو، لكن في السنوات الأخيرة تباطأ الزخم الذي يدعم المستهلك الآسيوي.
فالصدمات الاقتصادية المزدوجة لوباء «كوفيد 19» والحرب بين روسيا وأوكرانيا رفعتا أسعار الغذاء والطاقة، وأثرتا على الدخول المتاحة للأسر.
وأعاق التعافي تعثر المقترضين وندرة الوظائف ذات الأجور الجيدة، وجاءت الأجندة الحمائية «العدوانية» للبيت الأبيض لتمثل نكسة أخرى للاقتصادات الصناعية ذات التوجه التصديري في آسيا.
ومنذ عام 2004 أضافت آسيا النامية نحو 200 مليون أسرة إلى الطبقة الوسطى، وفقاً لبحث أجرته مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس (تعرف بأنها الأسر ذات دخل يراوح بين 20 ألفاً و70 ألف دولار سنوياً).
وقد قادت الصين والهند جزءاً كبيراً من هذا الارتفاع، وهما الدولتان الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، لكن المستهلكين يعانون في كلا البلدين الآن، ففي الصين لا تزال الأسر تعاني تداعيات انهيار العقارات في عام 2021.
والذي تسبب فيه التساهل في الائتمان وتحمس المطورين أكثر من اللازم. وفي الهند حصل أصحاب الدخول المتوسطة على قروض كبيرة غير مضمونة، ويرجع ذلك جزئياً لسد الزيادة في تكلفة المعيشة بعد الجائحة.
ويكافح الكثيرون الآن لسداد ديونهم، وتعاني الصين والهند أيضاً من ارتفاع معدلات بطالة الشباب، لكن الضغوط على الطبقات الوسطى الجديدة في آسيا واسعة النطاق، ففي إندونيسيا انخفض عدد الأشخاص الذين تعتبرهم حكومتها من الطبقة الوسطى بمقدار 20 % خلال السنوات الست الماضية.
ويرى الاقتصاديون أن اعتماد البلاد المفرط على قطاع السلع الأساسية، الذي يميل إلى إنتاج وظائف ذات أجور منخفضة، جزء من المشكلة. وفي تايلاند تحاول السلطات يائسة تخفيف عبء ديون الأسر، التي تبلغ 90 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من بين الأعلى في المنطقة.
كما أن خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرض تعريفات جمركية ستؤدي لخفض الإيرادات والأجور في جميع أنحاء المنطقة. ومع الميزة النسبية لآسيا النامية، التي تكمن في العمالة الشابة منخفضة التكلفة، فإن أفضل أمل للعديد من البلدان هو التفاوض على التعريفات «المتبادلة»، التي أوقفها البيت الأبيض مؤقتاً الآن. وستحتاج أيضاً إلى إبرام اتفاقيات تجارية جديدة مع دول أخرى لتعويض خسارة الوصول إلى أمريكا.
وبغض النظر عن كيفية تطور خطط الحمائية الأمريكية فإن الدرس طويل الأجل من سلسلة الضربات المزدوجة، التي واجهتها المنطقة في السنوات الأخيرة هو أنه يجب على الحكومات أن تفعل المزيد لتعزيز قدرة اقتصاداتها على الصمود.
أولاً، يفتقر العديد من المصدرين سريعي النمو في آسيا إلى شبكات أمان اجتماعي كافية، وهذا يعني أن الدين الخاص يميل إلى لعب دور كبير في سد العجز، ففي الصين لا يزال المستهلكون حذرين.
ويرجع ذلك جزئياً إلى علمهم بوجود دعم حكومي محدود في حالة حدوث صدمة اقتصادية أخرى، وهذا يجعل منتجي البلاد يعتمدون على الطلب الخارجي.
ومن شأن أنظمة الرعاية وحماية المستهلك الأقوى أن تساعد الأسر على التعافي بشكل أسرع وتجنب ظهور دورات الدين الخبيثة، كما أن تحسين التعليم ودعم دخول المرأة إلى القوى العاملة الرسمية سيعزز قدرة الأسر على جني الأموال.
ثانياً، لم تبذل العديد من الدول ما يكفي لتنويع اقتصاداتها لدعم وظائف ذات أجور أفضل، ففي إندونيسيا، على سبيل المثال، أعاقت المتطلبات المحلية وقيود الاستيراد الاستثمار الأجنبي المباشر وخلق وظائف رسمية خارج صناعة التعدين.
ومن شأن تبسيط الإجراءات البيروقراطية والاستثمار في بنية تحتية أفضل أن يجذب المزيد من الاستثمار، ويساعد الشركات المحلية على التوسع.
لقد نجحت آسيا الناشئة في ركوب موجة العولمة، التي اجتاحت العالم منذ التسعينيات، ولكن كما أكدت الصدمات العالمية الأخيرة فإن الصعود المستمر للطبقة الوسطى في المنطقة ليس مضموناً. وسيحتاج صناع السياسات إلى لعب دور أكبر في ضمان أن تكون اقتصاداتهم أقل عرضة لتقلبات القدر.