جون ثورنهيل
يتجادل حالياً فريقان متنافسان حول مستقبل قطاع التكنولوجيا في المملكة المتحدة، أطلق عليهما «المتفائلون» و«المتشائمون»، اعتماداً على ما إذا كانوا يرون نصف الكأس المملوء أو النصف الفارغ.
يرى المتفائلون إمكانات هائلة لبريطانيا باعتبارها مقراً لثلاث من أفضل 10 جامعات عالمية، وثالث أكثر النظم الإيكولوجية للشركات الناشئة تطوراً في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وأكبر تجمع لرأس المال الاستثماري في أوروبا (يوجد الآن عدد من شركات رأس المال الاستثماري في لندن يفوق عدد محلات ساندويتش بريت إيه مانجر).
ويستعد جيل جديد من الشركات الناشئة الطموحة للغاية، بدءاً من رائدة التكنولوجيا المالية «ريفولوت»، إلى شركة برامج القيادة الذاتية «وايف»، إلى الشركة المنبثقة للتكنولوجيا الحيوية من «جوجل ديب مايند»، «إيزومورفيك لابز»، للانطلاق بقوة على الساحة العالمية.
ورغم ذلك، يسلط المتشائمون الضوء على التباطؤ الأخير في استثمارات الشركات الناشئة والفجوة المتسعة بين المملكة المتحدة ووادي السيليكون المشبع بالذكاء الاصطناعي. ووجدت أحدث البيانات من «ديلروم» أن الشركات الناشئة البريطانية جمعت 16.2 مليار استرليني فقط في عام 2024، وهو أدنى إجمالي منذ عام 2020.
على النقيض من ذلك، ارتفع الاستثمار في الشركات الناشئة في وادي السيليكون بنسبة 71 % ليصل إلى 65 مليار جنيه إسترليني العام الماضي. ولا عجب أن شركات ناشئة بريطانية عدة تتطلع إلى الانتقال إلى الولايات المتحدة والإدراج فيها بدلاً من البقاء في الوطن.
وهناك خيبة أمل في عالم الشركات الناشئة في بريطانيا من أن حكومة حزب العمال لم تتبن أجندة ريادية بشكل أكثر نشاطاً. وعندما انتخب حزب العمال في العام الماضي، كانت الآمال كبيرة في أن تخرج الحكومة البريطانية أخيراً من فخ الإنتاجية المنخفضة وتتجاوز تركيز المحافظين على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وللإنصاف، اتخذت الحكومة بعض الخطوات المشجعة لتعزيز قطاع الذكاء الاصطناعي. كما أنها ضغطت على صناعة صناديق التقاعد لضخ المزيد من رأس المال في النمو. لكن هذه التحسينات الصغيرة طغت عليها الكآبة الكلية الناتجة عن قرارات الحكومة بزيادة الضرائب على الوظائف عن طريق رفع مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل.
والأسوأ من ذلك، أن الحكومة خفضت الإعفاء الضريبي المقدم لرواد الأعمال الناجحين وغير المقيمين (بما في ذلك العديد من المستثمرين الملائكيين). ويرى كثيرون أن حزب العمال لا يزال مهووساً بإعادة توزيع الثروة أكثر من توليدها.
وما هو مطلوب، وفقاً للعديد من رواد الأعمال، هو «تغيير في الأجواء». لقد جاءت إحدى المحاولات لتعزيز أجندة أكثر إبداعاً مؤيدة للنمو مع إطلاق «مركز التقدم البريطاني». (إنشاء مركز أبحاث هو رد بريطاني نموذجي على تحد سياسي ولكنه قد يكون مفيداً إذا تمكن من صقل السياسات).
ويقول لي كانيشكا نارايان، عضو البرلمان عن حزب العمال والمستثمر السابق في رأس المال الاستثماري: لا يوجد طريق إلى العدالة لا يمر عبر الازدهار. ويقترح أن تركيز البلاد يجب أن يكون على الأفكار والمواهب ورأس المال. كيف نبني نظاماً للبحث والتطوير يحقق نتائج ملموسة؟ كيف نجذب أفضل الأشخاص في العالم للعمل في بريطانيا؟ كيف نحشد المزيد من الاستثمار؟ إليك ثلاث إجابات مبدئية على هذه الأسئلة:
- أولاً، استقطاب الباحثين الجامعيين ورواد الأعمال الموهوبين من الولايات المتحدة، حيث ينشغل الرئيس دونالد ترامب بـ«تدمير آلة الابتكار في البلاد». يجب على آلاف العاملين الأجانب في التكنولوجيا بالولايات المتحدة الآن فحص وضع تأشيراتهم بقلق.
وعلى رأس قائمة أهداف بريطانيا يجب أن يكون المديرون التنفيذيون ذوي الخبرة الذين يعرفون كيفية تحويل الشركات الناشئة الواعدة إلى شركات عالمية. وتقول تشيك وارنر، الشريك المؤسس لشركة رأس المال الاستثماري «أدا فينتشرز»: كل ما يحدث في الولايات المتحدة يمثل فرصة هائلة لأوروبا. هذه هي اللحظة المناسبة لنا لجذب أشخاص رائعين إلى النظام الإيكولوجي هنا.
- ثانياً، يجب على بريطانيا تطوير علاقات أوثق مع القوى التكنولوجية الثانوية الأخرى لاستغلال إمكانيات الذكاء الاصطناعي. بعد الولايات المتحدة والصين، فإن الدول الخمس الأكثر حيوية في الذكاء الاصطناعي في العالم هي المملكة المتحدة والهند والإمارات وفرنسا وكوريا الجنوبية، وفقاً لتصنيفات جامعة ستانفورد.
ويمكن لجميع هذه الدول الخمس أن تجد مصلحة مشتركة في إنشاء نظام تأشيرات تكنولوجي مشترك، وتجميع رأس المال للاستثمار في الشركات الناشئة، والدفع بإطار تنظيمي عالمي معقول. ليس مجتمع الاستخبارات «العيون الخمسة» بقدر ما هو «الخمسة الكبار في الذكاء الاصطناعي».
- ثالثاً، إنشاء أدوات استثمار وطنية جديدة، حسابات التوفير الفردية لرأس مال النمو، لتوجيه المزيد من مدخرات التجزئة المحلية إلى الشركات الناشئة. يبدو أن العديد من مديري صناديق التقاعد حذرون للغاية (أو مقيدون بلوائح) لاستثمار ولو جزء صغير من أصولهم في صناديق رأس المال الاستثماري.
لكن شعبية مواقع التمويل الجماعي التي تساعد في توجيه المدخرات الخاصة إلى الشركات الناشئة تظهر رغبة في دعم قصص النجاح المحلية. ويجب على الحكومة تحفيز الجيل الشاب على القيام بذلك. لذا من الواضح أن أسهل طريقة لضمان انتصار المتفائلين في بريطانيا على المتشائمين هي صب المزيد في الكأس.