التعريفات الجمركية تتجاهل واقع سلاسل الإمداد التكنولوجية العالمية

جيليان تيت

قبل ستة أشهر، كانت شركة تصنيع الرقائق إنفيديا تجسد ما أحبه المستثمرون في الاقتصاد الأمريكي: أرباحها مرتفعة للغاية، وابتكارها مثير للإعجاب، ولديها مؤسس يتمتع بشخصية جذابة، يرتدي سترة جلدية، هو جنسن هوانغ.

لكن الشركة أصبحت الآن، عن غير قصد، رمزاً للكوابيس التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. يوم الأربعاء، حذرت إنفيديا من خسارة محتملة في الأرباح بقيمة 5.5 مليارات دولار بسبب قيود التصدير الأمريكية الجديدة على مبيعات رقائقها إلى الصين. سارع هوانغ على الفور إلى الصين، في محاولة لإنقاذ صفقاته. لكن الكونغرس أطلق تحقيقاً.

لذا، ليس من المستغرب، انخفاض سعر سهم إنفيديا، إلى جانب شركات تكنولوجيا أخرى، بينما استوعب المستثمرون حقيقة غير سارة: أن مشاكل إنفيديا ليست سوى نقطة صغيرة من موجة أوسع بكثير من الاضطرابات التكنولوجية الوشيكة الناجمة عن حروب ترامب التجارية.

هناك ثلاثة دروس كبيرة على الأقل هنا، الأول هو أن اقتصادنا السياسي الحديث تطارده فجوة ثقافية. وفي حياتنا اليومية نحن نميل إلى التصرف والتفكير كما لو أن المنصات الرقمية التي نعتمد عليها موجودة في مجال مجرد ولا حدود له.

وفي الواقع، يعتمد الفضاء الإلكتروني على بنية تحتية مادية نميل إلى تجاهلها، و«أكثر سلاسل الإمداد تعقيداً على الإطلاق في تاريخ البشرية»، كما قال كريس ميلر، أستاذ جامعة تافتس، في مؤتمر عسكري وأمني في جامعة فاندربيلت الأسبوع الماضي.

وأضاف ميلر أن سلاسل الإمداد هذه تعبر الكثير من الحدود لدرجة أنه «لا يوجد بلد مكتفٍ ذاتياً - ولا حتى قريباً من ذلك»، مشيراً إلى أنه في حين تهيمن اليابان على صناعة الرقائق (بحصة سوقية تبلغ 56 %)، فإن الولايات المتحدة لديها حصة تبلغ 96 % في برامج أتمتة التصميم الإلكتروني وتسيطر تايوان على أكثر من 95 % من صناعة الرقائق المتقدمة. وفي الوقت نفسه، تعالج الصين أكثر من 90 % من العديد من المعادن والمغناطيسات الحيوية اللازمة لصنع السلع الرقمية.

الدرس الثاني هو أن البيت الأبيض يبدو غير مستعد بشكل جيد لعواقب الاضطرابات في سلسلة الإمداد المعقدة هذه. لنأخذ على سبيل المثال قضية المعادن الحيوية.

فرضت بكين هذا الأسبوع قيوداً على تصدير سبعة من هذه المعادن، بعد أن فرض ترامب تعريفات بنسبة 145 % على الصين. لم يكن ذلك مفاجئاً، حيث فرضت الصين قبل 15 عاماً قيوداً مماثلة على اليابان وسط نزاع.

في الواقع، أثارت خطوة عام 2010 صدمة كبيرة في اليابان لدرجة أن شركاتها ووكالاتها الحكومية أنشأت لاحقاً مخزونات ضخمة من هذه المعادن وطورت بعض المصادر البديلة، ما قلل اعتمادها على الصين من 90 % إلى 58 %. لكن الكيانات الأمريكية لم تحذ حذوها على ما يبدو: في فاندربيلت قيل لي إن الشركات الأمريكية لديها (في أحسن الأحوال) مخزونات تكفي لبضعة أشهر. حتى «البنتاغون» تبدو غير مستعدة بشكل جيد.

وبينما يسعى البيت الأبيض الآن إلى مصادر بديلة، من قاع البحر أو أماكن مثل أوكرانيا، فمن المحتمل أن يستغرق ذلك بضع سنوات حتى يتحقق، كما حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية هذا الأسبوع. وهذا يعني أن أمريكا «ستكون في موقف دفاعي في المستقبل المنظور»، كما يضيف المركز.

بالطبع، يصر مستشارو ترامب على أن هذا التحدي مؤقت، لأن أمريكا ستنشئ في النهاية سلسلة إمداد تكنولوجية محلية. هذه هي الحجة التي يروج لها أتباع ترامب مثل بيتر نافارو وبوب لايتهايزر وستيفن ميران، وكتاب مثل إيان فليتشر والثلاثي من ثلاثة أجيال جيسي وهوارد وريموند ريتشمان.

في الواقع، إذا كنت ترغب في فهم الدافع وراء التعريفات الخاصة بكل بلد التي أعلنها ترامب مؤخراً، فيجدر بك قراءة كتاب ريتشمانز «التجارة المتوازنة»، ومقال لاحق عام 2011. يقول جيسي ريتشمان: «صيغة ترامب لحساب معدلات التعريفة الخاصة بكل بلد تشبه إلى حد كبير مقترحاتنا»، مستشهداً بشخصيات مثل وارن بافيت وجون ماينارد كينز باعتبارهم الآباء الروحيين لهذه الفلسفة التعريفية.

ربما يكون الأمر كذلك، لكن حتى إن تبنيت النظريات التي تقود مثل هذه التعريفات، وهو ما لا يفعله معظم النقاد المعاصرين، فمن الحماقة الشديدة فرضها دون استعدادات دقيقة. بدء حرب تجارية مع الصين دون تخزين المعادن الحيوية هو خطأ واضح وغبي بشكل خاص.

هل قد يجبر هذا ترامب على التراجع؟ ربما. بعض مستشاري ترامب أيديولوجيون لكن الرئيس نفسه معروف بأنه صاحب صفقات. هذا في حد ذاته يسلط الضوء ببساطة على الدرس الرئيسي الثالث هنا: يبدو أن البيت الأبيض قد قلل بشكل كبير من نفوذ الصين في حرب تجارية. ففي نهاية المطاف، كما يشير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، «الصين كانت تستعد بعقلية الحرب» لصراع منذ فترة طويلة.

رغم ذلك، «تواصل الولايات المتحدة العمل في ظل ظروف زمن السلم»، على الأقل في عالم الشركات. هذا يتغير الآن بسرعة. وهذا يعني أن المستثمرين يجب أن يستعدوا لمزيد من صدمات الإمداد التكنولوجي. إنفيديا هي مجرد مقدمة عاصفة محتملة.