شركات الاتصالات الأوروبية تستعد لعمليات اندماج كبرى

كيران سميث، باربرا موينز

تستعد شركات الاتصالات الأوروبية لتنفيذ سلسلة صفقات، مدفوعة بآمال أن تتبنّى مفوضة شؤون المنافسة الأوروبية تيريزا ريبيرا نهجاً أكثر تساهلاً تجاه قواعد الاندماج.

وكشفت شركة تيلينور النرويجية لصحيفة عن مساعيها لاستكشاف فرص استحواذ جديدة، بينما أعلنت شركة الاتصالات الإسبانية تيليفونيكا، المالكة لحصص في شركات اتصالات بأنحاء القارة الأوروبية، خلال مؤتمر عقد مؤخراً، استعدادها لدراسة خيارات استراتيجية في أسواق إسبانيا وألمانيا والمملكة المتحدة.

وأكد محامون وخبراء مطلعون، أن عشرات الصفقات المحتملة تخضع لمرحلة دراسة الجدوى، في مؤشر واضح إلى تحركات غير مسبوقة داخل سوق ظلت مقيدة لعقود بقيود تنظيمية صارمة.

ولطالما تبنت بروكسل موقفاً متشدداً إزاء محاولات الاندماج في هذا القطاع الحيوي، متذرعة بهواجس ارتفاع الأسعار وتدني مستوى الخدمات المقدمة للمستهلكين، إلا أن القطاع يدفع بقوة بأن التشرذم السوقي الراهن والافتقار لاقتصاديات الحجم، مع وجود 41 مشغلاً للهاتف المحمول يخدم أكثر من نصف مليون عميل، ناهيك عن عشرات الشركات الأصغر حجماً، يشكل عائقاً رئيساً أمام ضخ استثمارات ضخمة في البنى التحتية والتقنيات المتطورة.
وأدلت كريستيل هايدمان، الرئيسة التنفيذية لشركة أورانج، بتصريح لافت مؤخراً قالت فيه إن «صناعتنا في جوهرها تعتمد على الحجم. فمن يرغب في الاستثمار، يحتاج حتماً إلى قاعدة كبيرة تبرر هذه الاستثمارات».

وتعقد شركات القطاع آمالاً عريضة على تقرير ماريو دراغي حول تعزيز القدرة التنافسية الأوروبية، الذي نشر في سبتمبر الماضي، لإحداث تحول جذري في المشهد التنظيمي، وحمل التقرير في طياته توصيات جريئة لدفع عجلة النمو ومساعدة الكتلة الأوروبية على تقليص الفجوة مع المنافسين الأمريكيين والصينيين، ومن أبرزها ضرورة تبني نهج أكثر مرونة إزاء عمليات اندماج شركات الاتصالات.

من جهتها، أعربت مفوضة شؤون المنافسة الأوروبية تيريزا ريبيرا عن رغبتها في إيلاء اهتمام أكبر بالابتكار والأهداف البيئية والاجتماعية عند اتخاذ قرارات بشأن عمليات الاندماج.

وتتماشى توصيات تقرير دراغي مع الدعوات المتواصلة من باريس وبرلين لبناء كيانات أوروبية عملاقة في قطاعات حيوية، كالطيران والاتصالات، قادرة على منافسة نظيراتها العالمية.

وأكد أحد المحامين الضالعين في صفقات اندماج الاتصالات أن «تلك الرؤية كان يستحيل الترويج لها في عهد فيستاجر»، مشيراً إلى مارغريت فيستاجر، مفوضة المنافسة الأوروبية السابقة، مضيفاً: «هناك انفتاح أكبر الآن لمناقشة خيارات الاندماج».

وشدد أليساندرو غروبيلي، مدير عام هيئة «كونيكت أوروبا» المعنية بقطاع الاتصالات، على أن «الوعي السياسي» بضرورة الاندماج «بلغ مستويات غير مسبوقة»، مستشهداً بدراسة نشرتها المجموعة في يناير الماضي أظهرت أن استثمارات الاتصالات للفرد في أوروبا بلغت 117.9 يورو في عام 2023، مقارنة بما يعادل 226.4 يورو في الولايات المتحدة.

وقال أحد كبار المحامين المختصين في مجال الدمج والاستحواذ بقطاع الاتصالات: «ما إن تمنح المفوضية الضوء الأخضر لصفقة عملاقة واحدة، حتى تنطلق سلسلة متتالية من الاندماجات عبر القارة». ولم تصدر عن المفوضية الأوروبية حتى اللحظة أي مؤشرات واضحة بشأن نيتها تغيير المشهد التنظيمي للقطاع أو آليات هذا التغيير المحتمل.

وكانت ريبيرا قد أعربت في وقت سابق من العام الجاري عن رغبتها في منح وزن أكبر لاعتبارات الابتكار والأهداف البيئية والاجتماعية عند اتخاذ قرارات الاندماج، دون أن تكشف عن تفاصيل إضافية حول كيفية تطبيق هذا النهج.

وحذر أوليفييه غيرسان، كبير الموظفين المعنيين بسياسات المنافسة في الاتحاد الأوروبي، من إدخال تعديلات جذرية على السياسات القائمة، كما أعربت منظمات حماية المستهلك عن تحفظها إزاء أي تحول في النهج التنظيمي.

وقال أغوستين رينا من المنظمة الأوروبية للمستهلكين: «إن تخفيف الضوابط التنظيمية وتسريع وتيرة الاندماجات التي تزيد تركيز السوق لن يعود بأي منفعة على المستهلكين، بل يهدد بدفعهم نحو وضع أكثر سوءاً».

من جهته، دعا كارليس إستيفا موسو، الشريك في شركة المحاماة «لاثام آند واتكينز» والمسؤول السابق في دائرة المنافسة، المفوضية للتعامل مع عمليات الاندماج والاستحواذ في قطاع الاتصالات بنظرة متوازنة تراعي خصوصية كل حالة، موضحاً أن «العديد من صفقات الاندماج هذه يمكنها أن تعزز تدفق الاستثمارات. وهذا جانب لم تأخذه المفوضية بعين الاعتبار بشكل كافٍ في تحليلاتها السابقة».

ووصف السير جوناثان فول، المسؤول الأوروبي السابق والمستشار الحالي في شركة «برونزويك» للعلاقات العامة، المأزق الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي بمعضلة «البيضة والدجاجة»، إذ يرى فريق أن اندماجات الاتصالات الأوروبية ستكتسب جدواها فقط عند تحقق سوق موحدة حقيقية بطيف ترددي واحد وقواعد مشتركة، بينما يدفع فريق آخر بأن هذه الاندماجات ذاتها هي ما سيعجل بظهور هذه السوق الموحدة. وفي كل الأحوال، فإن صدور إشارة واضحة من بروكسل سيكون محل ترحيب واسع من قبل المستثمرين والشركات المخططة لصفقات مستقبلية، فضلاً عن المستهلكين المتوجسين.