لماذا لا تستطيع المملكة المتحدة تحمّل كلفة خفض الهجرة؟

ستيفن بوش

يُعتبر التضييق على الهجرة استجابة لغضب الناخبين تقليداً سياسياً بريطانياً راسخاً، بل يمكن القول إن الأمر يعود إلى ما قبل حق الاقتراع العام، وحتى قبل ظهور جواز السفر الحديث نفسه، والذي كان في الواقع الدافع الأساسي لنشأته، ففي أواخر القرن التاسع عشر، وعقب وصول مهاجرين يهود، أقامت الحكومة البريطانية أول حدود حديثة.

وقد تكررت ردود الفعل السياسية المماثلة مراراً وتكراراً، بما في ذلك الاستياء من حركة الأشخاص داخل أرجاء الإمبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية، وصولاً إلى تصويت بريطانيا في عام 2016 لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، إثر وصول تدفقات كبيرة من أوروبا الوسطى والشرقية، لذلك يمثل إعلان السير كير ستارمر عن حملة تضييق جديدة بعد فترة من ارتفاع أعداد المهاجرين يجعله امتداداً لإرث سياسي قديم.

والمملكة المتحدة ليست حالة استثنائية في هذا السياق، على الرغم من أن بعض المظاهر التي اتخذها هذا الاتجاه، كالتصويت على مغادرة الاتحاد الأوروبي، كانت صادمة للبعض، غير أن الاعتقاد بأن مجرد الإيحاء بأن «الوضع سيتغير» سيقود إلى امتنـان شعبي وإعادة انتخاب حزب العمال يعد وهماً.

وكان هارولد ويلسون، رئيس الوزراء العمالي، الذي يُشبهه ستارمر إلى حد كبير، هو الآخر جزءاً من هذا التقليد المتعلق بتقييد الهجرة، فقد أجرى تعديلاً جوهرياً واحداً على سياسة حزبه حين تبنى سياسة الحكومة السابقة القائمة على التمييز اللوني، إذ حرم بعض مهاجري الكومنولث من حقهم التلقائي في الإقامة داخل المملكة المتحدة، كما أقر، أثناء توليه الحكم، رسوماً متباينة على المقيمين، بما في ذلك فرض رسوم على الطلاب الأجانب في عام 1967.

ويمكن النظر إلى استراتيجية حزب العمال الحالية باعتبارها امتداداً لذلك النهج البراغماتي المتأرجح بين التشديد والتساهل في ملف الهجرة، وهو ما يقر به المخططون الاستراتيجيون في الحزب في أحاديثهم الخاصة، أما في خطابه العلني فيحب ستارمر تقديم الأمر على أنه ضرورة واقعية ونهاية لـ«تجربة فاشلة» في انتهاج سياسة هجرة ليبرالية، غير أن كلا التفسيرين معيب.

ويتمثل الفرق الجوهري بين ويلسون وستارمر في السياق الوطني، الذي يقود فيه كل منهما البلاد: فالأول كان يدير بلداً تنفق فيه الدولة على الدفاع بما يتماشى مع متطلبات إمبراطورية لم تعد قائمة، حيث كان متوسط عمر السكان 33 عاماً، ومتوسط العمر المتوقع 70 عاماً، وكان معاش التقاعد يبدأ قبل سنوات قليلة من الوفاة، أما ستارمر فيقود بلداً يحتاج إلى رفع إنفاقه الدفاعي، ومتوسط أعمار سكانه يبلغ حالياً 40 عاماً، ومتوسط العمر المتوقع يقترب من 80 عاماً، وأغلبية السكان يمكنهم توقع الحصول على معاش الدولة لعقد على الأقل من حياتهم. وتكمن إحدى المشكلات الإضافية في أن كثيرين منا سيقضون هذه المرحلة من حياتهم وهم يُعانون من تدهور صحي، لا في تقاعد ذهبي مريح، لكن تلك مسألة أخرى.

إن تقليص حرية التنقل، سواء تنقل الأشخاص أو السلع أو رؤوس الأموال أو الخدمات، ينعكس سلباً على النمو، وهذا واقع لا يتغير. وينبغي على الحكومات ألا تتظاهر بعكسه، ففرض القيود على حرية تنقل الأفراد، سواء في عام 1905 أو 1966 أو 2019، كان له دائماً ثمن تتحمله الدولة، لكن المملكة المتحدة في عام 2025، مع شيخوخة سكانها، واتساع دور الدولة فيها، وارتفاع توقعات المواطنين حيال مستوى ونوعية الخدمات العامة، باتت أكثر هشاشة تجاه أي ضرر يلحق بالنمو مقارنة بما كانت عليه في عام 1905.

وهذا واقع عالمي، ولهذا السبب تواصل رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي لا يمكن لأحد اعتبارها من أنصار الانفتاح الحدودي، إصدار التأشيرات على نحو واسع، ولهذا السبب لم يتراجع صافي الهجرة في إيطاليا، أما موقف حزب العمال في المملكة المتحدة فهو، على أقل تقدير، موقف غير اعتيادي، فالحزب يدعي أن المحافظين أنشأوا دولة صغيرة للغاية، حيث لم يبنوا ما يكفي، ولم يوفروا ما هو ضروري من الأطباء، ولم يوظفوا ما تحتاج إليه البلاد من المعلمين، ولم يعالجوا أزمة غلاء المعيشة المرتفعة.

ويزعم حزب العمّال أنه قادر على معالجة هذه المشكلات بعدد أقل من الأفراد مقارنة بما فعله المحافظون، وليس هذا فحسب، بل يبدو أن حكومة العمال تعتقد أن بإمكانها تحقيق كل ذلك في ظل سوق عمل أكثر تقييداً، ومن خلال رفع تكلفة التوظيف بشكل عام. ربما تنجح هذه المعادلة بفضل القفزات الهائلة في قدرات التعلم الآلي، فتكون التكنولوجيا بذلك وسيلتهم لتجاوز هذه التناقضات. وربما لا، فإذا كان مستقبل الذكاء الاصطناعي يتمثل في العمل جنباً إلى جنب مع البشر، لا في استبدالهم، فلن يكون ذلك ممكناً أبداً.

والحقيقة الصعبة التي لا يريد حزب العمال، والدول الأوروبية عموماً، الاعتراف بها هي أن خفض الهجرة بات، في ظل شيخوخة المجتمعات وتضخم الدولة، ترفاً لا يمكن تحمله. إنه خيار باهظ الثمن، لا طاقة للبلدان به ما لم تكن مستعدة لاقتطاع النفقات من مجالات أخرى، وقد تذوقت المملكة المتحدة بالفعل طعم هذا المسار المر مع أول موازنة قدمتها رايتشل ريفز، وكانت النتيجة رفضاً شعبياً واضحاً، ولا تظهر أي مؤشرات على أن الناس سيتقبلون المزيد من هذا «الدواء» الآن.

كذلك على بقية الديمقراطيات المتقدمة في العمر أن تأخذ العبرة، فنهج المملكة المتحدة يمثل مثالاً لما ينبغي تجنبه، لا احتذاؤه.