تقارير أرباح الشركات تبرز التقلبات الكبيرة للأسهم الأمريكية

نيكولاس ميغاو - ماديسون داربيشاير
تشهد الأسهم الأمريكية تقلبات أكبر من المُعتاد، وهو ما أكدته التقارير الأخيرة لأرباح الشركات، ويأتي ذلك ليغذي حالة القلق بين المستثمرين جراء ارتفاع التقييمات والتوقعات الضبابية.

وشهد مؤشر وول ستريت الرئيس «إس آند بي 500» فترة من الهدوء النسبي في الأسابيع الأخيرة، فلم يسجل تحركات يومية بأكثر من 1% في أي من الاتجاهين، لكن التحركات كانت أكثر تقلباً بالنسبة للكثير من مكوناته الفردية.

وشهدت أسهم شركات كبرى مثل «تسلا» و«فيليب موريس إنترناشونال» و«نتفليكس» ارتفاعاً يومياً بأكثر من 10% بعد إعلانها عن نتائج أعمالها للربع الثالث من هذا الشهر. في المقابل، انخفضت أسهم شركات أخرى مثل «لوكهيد مارتن» و«إتش سي إيه هيلث كير» بشكل حاد، مسجلةً أكبر خسائرها منذ سنوات.

وترى هيذر بريليانت، الرئيسة التنفيذية لدى شركة دياموند هيل لإدارة الأصول أن «حدة المكاسب والخسائر الناجمة عن الأرباح عالية للغاية في الوقت الراهن، حيث نشهد تحركات بمقدار 10% أو 20% أو أعلى من ذلك». وفي ضوء ارتفاع التقييمات، أوضحت بريليانت أنه «إذا ما تراجع أداء شركة ما ولو قليلاً، يقرر الناس سريعاً أنهم لا يريدونها في محافظهم الاستثمارية».

وتعكس تحليلات «بنك أوف أمريكا» المعتمدة على بيانات تمتد حتى إغلاق تداولات يوم الخميس، تراجعاً لأداء الأسهم التي لم ترقَ إلى توقعات الأرباح في موسم الأرباح الحالي عن مؤشر «إس آند بي 500» الأوسع بمقدار 3.3 نقاط مئوية في المتوسط في اليوم التالي لإعلان التقارير. وتاريخياً، تميل الأسهم التي لم تفِ بتوقعات السوق إلى أن يتراجع أداؤها بقدر أكثر اعتدالاً عند 2.4 نقطة مئوية.

ويميل عدم تحقق التوقعات إلى أن يسفر عن ردود أفعال أكثر حدة في أسعار الأسهم مقارنة برد فعلها إذا فاقت التقديرات، ما يعود إلى أن غالبية الشركات الكبيرة تبذل قصارى جهدها في إعداد العدة وكل ما هو لازم قبيل النتائج، حتى يتسنى للمحللين إعلان تقديرات واقعية لكن يمكن تجاوزها. ومع ذلك، فإن الأسهم التي تفوق نتائجها التوقعات ترتفع بصورة أعلى من المُعتاد، ليتفوق أداؤها على السوق الأوسع بنسبة 2.7 نقطة مئوية مقارنة بالمتوسط البالغ 1.5 نقطة مئوية.

وقالت سافيتا سوبرامانيان، الخبيرة الاستراتيجية في الأسهم لدى «بنك أوف أمريكا»: «كانت ردود الفعل واضحة بجلاء في قطاعات مثل القطاع المالي، والتي لا تشهد إقبالاً كبيراً من المستثمرين»، وتابعت: «غالباً ما اضطرت المفاجآت الإيجابية، المستثمرين، إلى اتخاذ مراكز شرائية عليها».

ويشير المستثمرون والمحللون إلى أسباب عديدة وراء التحركات الأخيرة التي اتسمت بالقوة على وجه الخصوص. وبعض هذه الأسباب عوامل موسمية واضحة. وذكر ديفيد جيرو، رئيس استراتيجية الاستثمار لدى شركة «تي رو برايس» والذي يدير صندوق «كابيتال أبريشييشن فاند» الخاص بالشركة والبالغة قيمته 65 مليار دولار أمريكي، أن أرباح الربع الثالث تميل إلى تحفيز ردود أفعال أكثر قوة لأنها الفترة التي كثيراً ما تعلن فيها الشركات مزيداً من التوجيهات بشأن التوقعات على المدى المتوسط بالنسبة للعام المقبل. وأوضح: «هناك الكثير من الشركات التي أفصحت عن توقعات بعام 2025 وكانت مخيبة للآمال قليلاً، وكانت السوق قاسية في رد فعلها على هذه الشركات».

لكن البيئة غير المُعتادة للسوق كانت محفّزة للمستثمرين أيضاً، إذ يجري تداول المؤشرات عند مستويات مرتفعة قياسية على الرغم من التوترات الجيوسياسية، والتوقعات غير الأكيدة بالنسبة لأسعار الفائدة، علاوة على اقتراب الانتخابات الأمريكية. ويُتداول مؤشر «إس آند بي 500» عند 21.7 ضِعف الأرباح المُتوقعة على مدى الأشهر الاثني عشر المقبلة، مقارنة بمتوسط للأعوام الخمسة الماضي بلغ 19.6 ضِعفاً، بحسب بيانات «فاكتست».

وأشار بينكي تشادا، كبير الخبراء الاستراتيجيين العالميين لدى «دويتشه بنك»، إلى أن «السوق تشهد في الوقت الراهن الكثير من المحفزات الكبيرة». واستطرد: «هناك أرباح تُعلن، وانتخابات وشيكة، إلى جانب المخاطر الجيوسياسية.

تعيش السوق شكلاً من أشكال التوتر الواضح، مع الأخذ في الاعتبار هذا العدد الكبير من المحفزات. وستتفاعل السوق القلقة مع المُستجدات بصورة أكبر في كلا الاتجاهين». وحذر تشادا، مع ذلك، من احتمال تغير التوجهات في النصف الثاني من موسم الأرباح، بما أن أكثر من نصف الشركات لم تعلن تقاريرها بعد، وخاصة بمجرد بدء تلاشي عدم اليقين المرتبط بالانتخابات.

وخلال هذه الأثناء، يتطلع المستثمرون إلى اقتناص الفرص في خضم التقلبات. وقالت سوبرامانيان: يشير كل هذا إلى سوق مواتية لمنتقي الأسهم بالطريقة القديمة، وأردفت: نحن في بيئة لا تدور فحسب حول شراء أسهم كبرى شركات التكنولوجيا، وإنما أيضاً حول البحث عن شركات تمضي قدماً في طريقها وتفاجئ السوق بأداء إيجابي.

وبحسب ديفيد جيرو من تي رو برايس: يكون الأمر محبطاً عندما ترى الأسهم تتراجع بأكثر مما ينبغي بسبب مسألة قصيرة الأجل وليس بسبب واحدة طويلة الأجل. ومن الناحية الأخرى، تميل التقلبات المفرطة في السوق إلى أن تكون فرصة للمستثمرين الذين يولون السوق الانتباه فيستغلون هذه التقلبات. سيزداد عائدك المُتوقع، إذا كنت تفضّل هذا السهم على مدى الأعوام الثلاثة أو الخمسة المقبلة، وتشتري الأسهم عند انخفاض سعرها.