تُعدّ الموازنة الأولى لأي حكومة فرصة لتحديد الاتجاه الصحيح لفترة حكمها. لكن الأجواء المحيطة بموازنة المملكة المتحدة، المقرر إعلانها غداً، التي ستكون أول حدث مالي لحكومة حزب العمال منذ عام 2010، يحيط بها الكثير من التحديات الكبيرة.
لقد ورث الحزب اقتصاداً مثقلاً بالديون، ويعاني من التباطؤ، ومن المقرر أيضاً رفع الضرائب. وقد أدّى مزيج من التعهد بعدم رفع الضرائب على «العاملين»، مع فجوة في الموازنة العامة تُقدّر بـ 40 مليار جنيه إسترليني، إلى جانب خطط زيادة الاقتراض، إلى زيادة القلق لدى الشركات والمستثمرين والأسواق. وتحتاج وزيرة الخزانة، راشيل ريفز، إلى تبديد هذه المخاوف.
ويتعيّن عليها، بشكل مقنع، أن تظهر أنها تعمل على استقرار الاقتصاد البريطاني، وأنها تُمهّد الطريق لمستقبل أكثر إشراقاً. ولتحقيق ذلك، يجب أن تُجتاز موازنتها ثلاثة اختبارات أساسية.
أولاً: يجب أن تعزز إجراءاتها وتيرة النمو الاقتصادي. وقد رفع صندوق النقد الدولي خلال الأسبوع الماضي توقعاته لنمو المملكة المتحدة في عام 2024، لكن مسار البلاد على المدى الطويل ما زال يبدو ضعيفاً. لذلك، يجب أن تضمن خطة ريفز عدم استمرار النمو المنخفض الأخير والزيادات الضريبية.
لن يكون الأمر سهلاً. وتعد خطة الحكومة الرامية إلى تعزيز الاستثمارات العامة وتبسيط نظام التخطيط ببداية واعدة. لكن خطط الزيادات الضريبية يجب ألا تُثقل كاهل صانعي الثروات كثيري التنقّل.
كما تحتاج ريفز إلى وضع خطط جريئة لإصلاح نظام الضرائب والمعاشات التقاعدية؛ دعماً للنمو والاستثمار. وستصدر الشركات أحكامها على الوزيرة من خلال مُقترحاتها ككل، وبطبيعة الحال، ستواجه القدرة التنافسية للمملكة المتحدة صعوبة كبيرة، إذا أثقلت خطتها كاهل الشركات كثيراً في الوقت الراهن مع عدم فعل الكثير لمعالجة العوائق الأوسع التي تجابه زيادة التوسّع في الأعمال والتوظيف والاستثمار.
ثانياً: يجب أن تكون خطط ريفز للإنفاق موثوقة. وقد روّجت وزيرة الخزانة لهذه الموازنة بقوة باعتبارها موازنة للبدء في إصلاح الخدمات العامة البريطانية المُنهكة، عن طريق التعهد بعدم العودة إلى التقشّف وتحفيز الاستثمار العام. وتُعد المستشفيات والمحاكم والمدارس التي تتمتع بتمويل أفضل أساساً للاقتصاد، لكن يجب أن يأتي الإنفاق بجانب إصلاحات لتعزيز إنتاجية القطاع العام وتوفير المدخرات. ودون ذلك، وفي ظل ازدياد المتطلبات التي تواجه المالية العامة، ستخاطر الدولة بصورة أكبر.
وعلى صعيد الاستثمار، يتعين على ريفز توجيه أي اقتراض إضافي نحو المشروعات المعززة للنمو، خاصة من أجل تحسين البنية التحتية للمملكة المتحدة. وبدلاً من التبذير، تحتاج وزيرة الخزانة إلى أن تحسين كبير في تقييم الاستثمارات وضخها بفعالية من حيث التكلفة. ويوجد لدى المملكة المتحدة سجل سيئ في هذا السياق. ولن يكون ازدياد التمويل المُوجه للخدمات العامة والاستثمار مجدياً إلا إذا أنفقته البلاد بحكمة.
ثالثاً: يجب على وزيرة الخزانة إقناع الأسواق المالية. وتُظهر القاعدة المالية الأساسية للوزيرة، التي تعتمد على تحقيق التوازن في الموازنات اليومية، التزاماً بالحصافة المالية، وتفسح المجال أمام الاقتراض بغرض الاستثمار.
لكن حملة السندات ما زالوا يتطلعون إلى الانضباط عن طريق قاعدة مالية موثوقة وأدلة على أن البلاد تضخ الأموال في استثمارات منتجة.
ومن المُرجح أن تشير ريفز إلى مقياس جديد، أو تعريف، للدين، مما سيفتح المجال أمام اقتراض إضافي. وفي مقالها الذي كتبته على صفحات «فايننشال تايمز»، أشارت الوزيرة إلى مؤسسات جديدة للرقابة على الإنفاق. لكن يتعين على ريفز أن تكون أكثر تحديداً بشأن كيفية استخدام المساحة المالية الإضافية بحكمة من أجل تفادي ارتفاع عوائد السندات الحكومية البريطانية، مما سيزيد الفجوة المالية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، أعلن حزب العمال أن موازنته تهدف إلى استعادة الخدمات العامة، وإطلاق العنان للاستثمارات، ودعم صانعي الثروات، وسد «الثقب الأسود» في المالية العامة. وسيحتاج إعلان ريفز إلى أن يقدم ما يكفي من التفاصيل على كل من هذه الصعد، حتى وإن لم يكن بمقدورها تحقيق كافة الأهداف بصورة شاملة.
وبالنسبة لحكومة فازت بالانتخابات لتغيير الوضع الاقتصادي في بريطانيا، سيتمثل الاختبار الأساسي غداً الأربعاء فيما إذا كانت ستضع البلاد على مسار أفضل. وسيساعدها في ذلك التركيز على النمو، والإنفاق الحكيم، والإطار المالي الموثوق.