ليلى عبود
تُعدّ شركات السلع الفاخرة والدفاع والتشييد الفرنسية من بين المجموعات التي ستواجه زيادات ضريبية كبيرة بموجب موازنة التقشف الجديدة، ما سيؤثر في ربحيتها في العامين الحالي والمقبل. وتتوقع شركة «إل في إم إتش» للمنتجات الفاخرة، ومقرها باريس، التي يسيطر عليها برنار أرنو، أن تدفع ضرائب إضافية تتراوح بين 700 و800 مليون يورو هذا العام، بزيادة قدرها 15% تقريباً عن مبلغ 5.7 مليارات يورو الذي دفعته العام الماضي. أما مجموعة «فينشي» للبنية التحتية، التي تُشغّل الطرق ذات الرسوم في فرنسا، فستدفع ضرائب إضافية تبلغ 400 مليون يورو، بزيادة قدرها 18%.
ولا يزال المشرعون يناقشون الموازنة، ما يعني أن التفاصيل عُرضة للتغيير، لكن الرؤساء التنفيذيين حذروا من أن رفع الضرائب على الشركات وإجراء تغييرات سياسية أخرى من شأنهما إلغاء 7 أعوام من الإصلاحات الداعمة للأعمال التي أقرها الرئيس إيمانويل ماكرون. وفي مقابلة مع محطة «فرانس إنتر» الإذاعية خلال الشهر الجاري، صرح ألكساندر بومبارد، الرئيس التنفيذي لشركة «كارفور» لتجزئة المواد الغذائية: «إن السياسات المُقترحة اليوم ستدفع بنا إلى مؤخرة الصف في أوروبا».
وكشف رئيس الوزراء الفرنسي، ميشيل بارنييه، مؤخراً عن حزمة مالية قدرها 60 مليار يورو بغرض مواجهة العجز المتزايد من خلال تخفيضات للإنفاق وما أسماه بأنها زيادات ضريبية «موجهة ومؤقتة» على الشركات والأثرياء. ومن المُتوقع أن تزداد مدفوعات الضرائب لحوالي 400 شركة في فرنسا تحقق إيرادات تتخطى مليار يورو على مدى العامين المقبلين لجمع ما يُقدّر بـ8 مليارات يورو لخزينة الدولة، بحسب مسودة مشروع الموازنة.
وعلى الرغم من تعهّد بارنييه بألا تستمر الضرائب العالية سوى لعامين فقط، فإن الشركات وخبراء الاقتصاد يشككون في الأمر، إذ غالباً ما تتراجع فرنسا عن تعهداتها كما أن العجز يبقى كبيراً. ومن المُقرر تطبيق فرض ضرائب على قطاعات بعينها، مثل تذاكر الطيران والشحن البحري لتوليد ملياري يورو، كما اقترحت الحكومة فرض ضريبة على إعادة شراء الأسهم لجمع 200 مليون يورو.
وكان ماكرون أقر تخفيضات تدريجية للضرائب على الشركات بداية من عام 2017، مما دفع بها من 33% إلى 25%. ويرى بعض الرؤساء التنفيذيين البارزين أن مُقترح بارنييه سيعكس صورة سلبية، تتمثل في معاقبة الشركات التي تُجري غالبية أعمالها داخل فرنسا.
وقال جون جاك غيوني، المدير المالي لدى «إل في إم إتش» في تعليقات للمحللين مع صدور النتائج الأخيرة، إن الشركة تدفع أكثر من 40% من ضرائبها في فرنسا، لذا «لا يجب أن يشعر أحد بأننا لا نسهم في الموازنة الحالية».
وأعلنت مجموعة المنتجات الفاخرة المنافسة «هيرميس» منذ أيام أنها ترجح دفع ضرائب إضافية تقارب 300 مليون يورو في عام 2024، بزيادة قدرها 19% من 1.6 مليار يورو دفعتها العام الماضي. وتشير تقديرات «لوريال» لمستحضرات التجميل إلى أنها ستدفع ضرائب إضافية قدرها 250 مليون يورو هذا العام. وذكر توماس زلودسكي، رئيس استراتيجية الأسهم لدى «أودو سيكيوريتيز»: «ستتوقف درجة المشكلة على قدر مبيعاتك في فرنسا، ثم قدر الأرباح الذي تجنيه هناك».
ويعتمد بارنييه، المحافظ الذي يقود حكومة تقاسم سلطة غير مستقرة بالاشتراك مع الوسط بقيادة ماكرون، بشدة على الزيادات الضريبية لتقليل عجز الموازنة الذي يُقدّر بـ6.1% من الناتج القومي هذا العام، ما يتخطى مُستهدف الاتحاد الأوروبي البالغ 3%. وتتضمن الموازنة تدابير أخرى، مثل خفض الإعانات المُوجهة للمتدربين والعمال منخفضي الأجور، ومن شأنها هي أيضاً زيادة تكلفة العمالة.
وحذر خبراء اقتصاد من أن الخطة، التي تهدف إلى العودة لعجز قدره 5% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2025، قد تخفض النمو الاقتصادي للبلاد لما يصل إلى 0.5% في العام المقبل، من تقديرات بنمو قدره 1% العام الجاري. ووصف مسؤول تنفيذي لشركة مُدرجة في مؤشر «كاك 40» موازنة بارنييه بأنها «مضللة»، لأنها «تسد الثغرات على المدى القريب» بدلاً من تبني إصلاحات هيكلية تكبح الإنفاق على المدى الطويل.
وتتمثل تقديرات شركة «أودو» للخدمات المالية في أن المدفوعات الإضافية للشركات التي تحقق مبيعات تتراوح بين مليار و3 مليارات يورو في فرنسا، ستدفع بالضرائب على الشركات من 25% إلى 30% في عام 2024، و27.5% في عام 2025. أما مدفوعات الشركات التي تتخطى مبيعاتها 3 مليارات يورو فسترتفع إلى 35% في العام الأول، ثم ستنخفض إلى 30%. ويبلغ متوسط الضريبة القانونية في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 25.8% عند تعديله وفق الناتج المحلي الإجمالي.
وأفادت شركة «سافران» المصنعة لمحركات الطائرات بأنها تتوقع ضرائب إضافية تتراوح بين 320 و340 مليون يورو في عام 2024، مما سيخفض من ربحية السهم الواحد بمقدار 0.75 دولار أمريكي. أما مجموعة تاليس الفرنسية للإلكترونيات الدفاعية، فأعلنت أنها ستدفع ضرائب إضافية قدرها 105 ملايين يورو لعامي 2024 و2025.
وسينتهي المآل بمحطتي تي إف 1 وإم 6 الإذاعيتين، وشركة «فرانسيز دو جو» لليانصيب، ومشغلة المطارات «إيه دي بي»، وهي شركات عالية الانكشاف على فرنسا، إلى دفع ضرائب أعلى مقارنة بشركات أكبر مثل عملاقة النفط «توتال إنرجيز»، التي لا تحقق إلا أرباحاً قليلة في البلاد.
ولفتت مجموعة كيرينغ للمنتجات الفاخرة، مالكة علامات تجارية تشمل «غوتشي» و«سان لوران»، إلى أنها لا تتوقع تأثيراً كبيراً في معدل الضرائب الذي تدفعه لأن «البصمة الجغرافية لدورها وإنتاجها متركزة في إيطاليا».
وأشار قطب الشحن البحري، رودلف سعادة، إلى أن مجموعته «سي إم إيه-سي جي إم» تتوقع مدفوعات إضافية قدرها 800 مليون يورو على مدى العامين. ولطالما استفادت شركات الشحن البحري العالمية من النظام الضريبي الإيجابي الذي يدفعون الضرائب بموجبه وفق الحمولة المنقولة وليس الأرباح.
وصرح سعادة لصحيفة «لو فيغارو» مؤخراً، بأن الضريبة الإضافية تمثّل «أمراً ذا شأن» بالنسبة للمجموعة وأنها «ستدفع الضرائب بوازع من الروح الوطنية». ومع ذلك، حذر سعادة من أن الاستثمار سيتلقى ضربة إذا لم تلغِ الحكومة الضريبة الإضافية بعد عامين كما وعدت. وشدد قائلاً: «إذا ازدادت الضرائب، فستكون أقل قدرة على الاستثمار، ونحن بحاجة إلى الاستثمار لكي نظل تنافسيين ولكي نظل بين الأفضل عالمياً».
وحذر زلودسكي من «أودو» من أن الحكومة ستجد طرقاً أخرى لأخذ مزيد من المال من الشركات إذا ظل العجز مرتفعاً، وربما يكون ذلك برفع دائم للمعدل السابق للضرائب على الشركات من 25%. وأوضح: «ستواجه الشركات مزيداً من الضرائب بطريقة أو بأخرى، طالما ظلت الموازنات غير متوازنة بهذه الصورة».