روبرت أرمسترونج وايدن رايتر
في البنوك المركزية، الملل قد يكون أحد عوامل النجاح، وبهذا المقياس كان إعلان سياسة الاحتياطي الفيدرالي والمؤتمر الصحافي أول من أمس ناجحين.
وبعد الإعلان عن اقتطاع ربع نقطة مئوية من سعر الفائدة، لم يذكر رئيس المجلس جاي باول أي شيء جديد عن رؤيته مع زملائه للاقتصاد، فهم لا يزالون يرون أن التضخم في انخفاض، والاقتصاد سليم، والسياسات تبقى تقييدية، كما أنهم لا يزالون يتلمسون طريقهم نحو المعدل المحايد، وهو ما لن يعرفوه إلا عندما يصلون إليه.
وطالما أنه لم يكن هناك رد فعل ملموس في السوق حتى الآن، فلا بد أن نقول: أحسنتم جميعاً.وكان من الطبيعي أن يضغط الصحافيون على باول بشأن ما تعنيه إعادة انتخاب دونالد ترامب، الذي سبق أن أثار ضجة وتعليقات غير سارة بشأن بنك الاحتياطي الفيدرالي وضده في الماضي، خاصة فيما يتعلق بسياسة البنوك. وهنا تمكنت بعض اللحظات غير المملة من الانزلاق رغم كل شيء.
كانت إحدى هذه اللحظات هي الإجابة الوحيدة المكونة من كلمة واحدة خلال فترة ولاية باول (على حد ما نتذكره)، فهل سيترك باول منصبه قبل نهاية فترة ولايته إذا طلب منه ترامب ذلك؟ «لا». ولننتقل سريعاً إلى السؤال التالي، ثم كانت هناك كلمة مقتضبة من خمس كلمات.
هل يتمتع الرئيس بالقدرة على طردك أو إقالة قادة بنك الاحتياطي الفيدرالي الآخرين؟ «غير مسموح بذلك بموجب القانون». انتهى.
علاوة على ذلك، شدد باول على أن التغييرات المحتملة في السياسة في ظل إدارة ترامب الجديدة لن تؤخذ في الاعتبار من قبل صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن يتم تفعيل هذه السياسات: «نحن لا نخمن، ولا نتكهن، ولا نفترض». بينما شعارنا هنا: «نحن نخمن، ونتكهن، ونفترض».
وعندما سئل باول عن الارتفاع الأخير في أسعار الفائدة طويلة الأجل، وما إذا كانت تكاليف الاقتراض المرتفعة هذه تمثل خطراً على النمو، مثلما قال إنها فعلت عندما كانت عند المستوى نفسه تقريباً قبل عام.
وعندما كان التضخم لا يزال مرتفعاً. وكان هذا السؤال ذكياً بالفعل، فهناك إجماع في الأسواق، هو أن ارتفاع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات يعود إلى «التضخم الترامبي».
والحجة هنا هي أن سياسات الرئيس المقبل المتعلقة بالضرائب والهجرة والرسوم الجمركية من شأنها أن تؤدي إلى زيادة التضخم، وبالتالي لا بد من وجود سياسة نقدية تقييدية أكثر، وزيادة العجز، وهو ما يتطلب تعويضات أعلى لإغراء المستثمرين بشراء سندات الحكومة الطويلة الأجل.
لذا كان السؤال عن ترامب دون ذكر ترامب صراحة، وهذا جزء من إجابة باول: من السابق لأوانه تحديد أين ستستقر أسعار الفائدة طويلة الأجل، ومع ذلك سأقول إنه يبدو أن التحركات لا تتعلق بشكل أساسي بتوقعات التضخم المرتفعة.
إنها في الواقع تتعلق بالإحساس بوجود احتمالية أكبر لتحقيق نمو أقوى، وربما أقل في طريق المخاطر السلبية، وهذا ما يدور الأمر حوله. وكما تعلمون، نحن نأخذ الظروف المالية في الاعتبار. وإذا كانت ثابتة وإذا كانت جوهرية، فسنأخذها بالتأكيد في الاعتبار في سياستنا. لكنني أود أن أقول إننا لسنا كذلك، لسنا نواجه هذه الحالة الآن.
من هذه الناحية، فإن باول محق تماماً، فعند النظر إلى الزيادة في عوائد سندات الخزانة لمدة 10 سنوات منذ أن بلغت أدنى مستوياتها في أواخر سبتمبر، سنجد أن الجزء الأكبر من الزيادة كان يرجع إلى أسعار الفائدة الحقيقية، التي تمثلها هنا العائدات على سندات الخزانة المحمية من التضخم. كذلك، فإن ما يقرب من 40 في المئة من الزيادة ترجع إلى ارتفاع معدل التضخم المتعادل.
وحقيقة أن معظم الزيادة مدفوعة بارتفاع العائدات الحقيقية لا تعني أنها تتعلق في المقام الأول بتوقعات النمو، فقد تعكس العائدات الحقيقية الأعلى توقعات النمو، التي تجذب الأموال بعيداً عن سندات الخزانة الآمنة وتتجه نحو الأصول الأكثر خطورة.
لكنها قد تعني أن المستثمرين يطالبون بمزيد من التعويض عن تقلبات أسعار الفائدة الأعلى في المستقبل، وهو بالضبط ما قد يفعله المستثمرون إذا تصوروا أن الوضع المالي الأمريكي أصبح أكثر خطورة.
والحديث عن الاحتمال الأخير من شأنه أن يجر باول إلى حوار حول الاستجابة لأشياء تشكل (على الأقل في نظر السوق) تأثيرات كبيرة لسياسات ترامب المتوقعة. وقد تعهد باول بعدم الحديث عن السياسات المتوقعة، ناهيك عن التصرف بناء عليها.
وهكذا، فإن القول بأن زيادة أسعار الفائدة تتعلق بالنمو يجعله يفلت من العقاب. وربما يفك باول وفريقه شفرة ارتفاع أسعار الفائدة الطويلة الأجل بشكل مختلف عما نفعله نحن هنا،.
وربما يكون لديهم أسباب وجيهة للغاية للاعتقاد بأن الأمر يتعلق بالنمو وليس التضخم أو التوقعات المالية. ولكن النقطة المهمة هنا ليست التشكيك في صدقه، بل تسليط الضوء على التوازن الدقيق الذي يتعين عليه تحقيقه في الأشهر المقبلة، مع اتضاح شكل سياسات ترامب، أو الأسوأ من ذلك عدم اتضاح هذه السياسات بالمرة.