كلما تحسن أداء النظم المؤتمتة أصبحنا أكثر تراخياً وخطورة
سارة أوكونور
بينما كنت ألعب مع ابنتي ذات الخمسة أعوام تحت طاولة المطبخ نهاية الأسبوع الماضي، أخبرتني لنتخيل أننا في سيارة «ذاتية القيادة»، وأن علينا الاسترخاء فقط. لذلك، استرخينا تحت الطاولة وتخيلنا أننا في طريقنا إلى الشاطئ. لكنني لم أخبرها بأن البالغين من أمثالي يواجهون صعوبة في تحويل هذا الخيال إلى حقيقة. كما أن «وايمو»، الشركة الرائدة في هذا المجال، لا تمتلك حتى الآن سيارات ذاتية القيادة إلا في عدد قليل من المدن الأمريكية.
وفي الوقت الحالي، تزود شركات تصنيع السيارات، الكثير من نماذجها الجديدة، بما يطلق عليه ميزات «المستوى الثاني» من الأتمتة الجزئية، والتي تجعل السيارة تقود نفسها إلى حد ما في بعض الظروف، لكنها تتطلب انتباهاً من القائد البشري وتسلمه دفة السيارة إذا لزم الأمر. لكن هذا الحل الوسط، الذي يعتمد على البشر والآلات معاً، لا يزال يسبب عدداً من المشكلات.
وحتى إن لم تكن مهتماً بالسيارات، فهناك قطاعات أخرى بدأت في تبني مفهوم «المساعد الآلي» لمعاونة الجميع في إنجاز أعمالهم، سواء أكانوا مبرمجين أم أطباء.
وتبرز مشكلة كبيرة يطلق عليها «الرضا عن الأتمتة»، وقد أخذ البشر في دراسة هذه الظاهرة طيلة عقود في كل أنواع الأنظمة المؤتمتة جزئياً، من الطيران إلى عمليات التصنيع. ومن الملاحظ أن تركيز البشر يبدأ في التشتت حينما تطلب إليهم الإشراف على أنظمة مؤتمتة، ما يعني أنهم لا يلاحظون دائماً نشوء مشكلة ما في وقتها، ولا يكونون على دراية بالسياق اللازم لتولي القيادة على الفور. وكلما تحسن أداء النظام المؤتمت في معظم الوقت، كلما أصبحنا نحن البشر أكثر تراخياً وخطورة.
وكرست ميكا إندسلي، كبيرة العلماء السابقة في القوات الجوية الأمريكية، مشوارها العملي في دراسة هذه المشكلات بعد مواجهتها للمرة الأولى في ثمانينيات القرن الماضي. وقالت: «لا يفهم الناس جيداً الطرق الخفية التي تؤثر بها الأتمتة على انتباههم، لكن الأمر أشبه بإعطائهم مهدئاً»، وتابعت: «سيجدون شيئاً يمكنهم القيام به وإلا سيفقدون تركيزهم، وكلاهما ليس جيداً بالمرة».
واتضح أن قائدي السيارات ليسوا بمعزل عن هذا الأمر. فقد توصلت دراسات لمختلف أشكال أنظمة الأتمتة الجزئية إلى أن السائقين من المرجح أن يفقدوا تركيزهم إذا طال أمد استخدامهم لهذه الأنظمة. وفي الولايات المتحدة، ألقى المجلس الوطني لسلامة النقل باللوم على «الرضا عن الأتمتة» باعتباره السبب وراء عدد من حوادث السيارات.
وإن كان البشر معروفين بأنهم مراقبون سيئون، فمن الواضح أن الحل سينطوي على ضرورة «مراقبة المراقبين».
وقد دفعت هيئات مراقبة السلامة والأجهزة التنظيمية باتجاه استخدام عجلات قيادة تكشف ما إن كان البشر يمسكون بها، إضافة إلى كاميرات تواجه السائقين تكشف اتجاه نظر السائق ووضعية رأسه طوال الوقت.
وتوفر غالبية السيارات تنبيهات بصرية وسمعية وحتى اهتزازات في المقاعد تزداد حدة لتحذير السائقين المُشتَتين وإجبارهم على معاودة الانتباه إلى الطريق. ويوجد في سيارات «تسلا» نظام تأديبي يعلّق إمكانية استخدام نظام الأتمتة الجزئي لمدة أسبوع إذا قام السائقون بمراكمة الكثير من «المخالفات».
لكن إجبار السائقين على الانتباه لا يبدو كافياً. لذلك، فإن ميكايل ليونغ اوست، المتخصص في دراسة سلوك السائقين بشركة «فولفو كارز»، حينما أجرى دراسة على مسارات اختبار لعدد من الموظفين، وجد أن تنبيهات التشتت كانت ناجحة في حمل الناس على التركيز على الطريق وأن تظل أياديهم ممسكة بعجلات القيادة، لكن لم يمنع ذلك من اصطدام %30 منهم تقريباً بشيء ما على الطريق.
وفي مقابلات لاحقة، أفاد السائقون بأنهم رأوا الأجسام وهي تقترب، لكنهم كانوا على ثقة من أن السيارة ستتفادى الاصطدام على الأقل، حتى فوات الأوان.
وأضاف: «حتى إن كتبت بوضوح شديد في دليل المستخدم أن السيارة ليس بإمكانها رؤية هذه الأجسام، وأريتهم صوراً بمجرد خروجهم إلى الطريق، فإنه يبدو أن بعض الأشخاص غير قادرين على التوقف عن الوثوق بالسيارة».
ولذلك، فقد خلص إلى أن أفضل حل لمواجهة أخطار الرضا عن الأتمتة هو أن يظل السائق مشاركاً بنشاط في عملية التوجيه والقيادة، وأن يعمل نظام الأتمتة الجزئية في الخلفية، ويكون دوره متمثلاً في توجيه السائقين إذا اقتضت الضرورة وليس تسلم زمام الأمور بالكامل.
بعبارة أخرى، إذا تصورت الأتمتة كأنها ميزان، يوجد فيه البشر وهم يفعلون كل شيء في كفة، وتفعل الآلات كل شيء في الكفة الأخرى، فقد يكون الحل الأفضل هو العودة قليلاً إلى الحفاظ على مزيد من التحكم البشري، على الأقل حتى تصبح التكنولوجيا جيدة بما يكفي بحيث تطغى على الكفة الأخرى.
وخلافاً لذلك، فإننا سنكون أمام وضع ستكون الرحلة في السيارة أقل شبهاً بأخذ قيلولة وأكثر شبهاً بمراقبة الطريق بقلق وعينين مثبتتين على الطريق ورقبة في وضعية مستقيمة، خشية أن تصرخ السيارة في وجهك من جديد مطالبة إياك بالتركيز على الطريق. فهل هذا هو المستقبل الذي يحلم به أي طفل في الخامسة من العمر؟