على العالم ألا ينتظر أحداً في التصدي للتغير المناخي

لورانس توبيانا

  التحركات متعددة الأطراف أثبتت جدواها في الماضي ويجب أن تمضي الحال على هذا المنوال.
الرئيسة التنفيذية لمؤسسة المناخ الأوروبية والمبعوثة الخاصة الفرنسية لمؤتمر «كوب 21» ترى أطراف متعددة أن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية يعد نكسة صعبة، بلا شك، في المعركة العالمية ضد تغير المناخ، خصوصاً وأن السنوات الأربع المقبلة تعتبر حاسمة للغاية في جهود الحد من الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وبالتالي، سيكون كل عشر درجات مئوية بالغ الأهمية.

وبكل تأكيد فإن وعد ترامب بانسحاب الولايات المتحدة، وهي من أكبر الدول المسببة للانبعاثات حالياً وتاريخياً، من اتفاق باريس للمناخ سيكون له الكثير من الآثار الضارة، وقد يدفع الدول والجهات الأخرى التي لا تزال تتشبث بالوقود الأحفوري إلى التراجع عن التزاماتها.

رغم ذلك، لا يمكن لأي قدر من المعلومات المضللة إخفاء حقيقة أن أزمة التغير المناخي تزداد عمقاً. فالموجات الحارة والأعاصير والفيضانات تخلف آثاراً مدمرة من الأرواح المفقودة والاقتصادات المعطلة.

وخلال عام 2023 وحده، تسببت الكوارث الطبيعية في أضرار اقتصادية قياسية قدرها 380 مليار دولار. يعني ذلك أن تكاليف التقاعس ضخمة للغاية، وتقترب من أن تكون غير قابلة للتأمين.

وقد أحاط جو من الكآبة بافتتاح مؤتمر المناخ التاسع والعشرين. لكن هذا ليس هو الوقت المناسب لليأس. فقد أثبت العمل المناخي متعدد الأطراف قدرته على الصمود من قبل، ويمكنه، بل ويجب أن يفعل ذلك مرة أخرى.

ومن نواح عدة، فقد مررنا بمثل هذا الموقف من قبل. ففي عام 2017، لم يتسبب ترامب في تأثير الدومينو الذي كان يرجوه حينما أعلن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس. بل على العكس تماماً، ضاعفت دول كثيرة التزاماتها، ورأت الصين خصوصاً أن الفرصة سانحة لتعزيز ريادتها وميزتها التنافسية في التكنولوجيا الخضراء.

وأصبحت قضية استمرار الالتزام باتفاقية باريس للمناخ أكثر قوة اليوم. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو السوق العالمية للتقنيات النظيفة الرئيسة بثلاثة أضعاف إلى أكثر من تريليوني دولار بحلول عام 2035.

وتدرك الدول حالياً أن رفاهتها المستقبلية وثيقة الصلة بقدرتها على التحول إلى الطاقة النظيفة. ويحفز هذا سباقاً مكثفاً لتأمين حصة في الصناعات الخضراء سريعة التوسع. وتشهد مصادر الطاقة المتجددة ازدهاراً في جميع أنحاء العالم، وتتوسع القدرة العالمية بوتيرة ملحوظة.

وبموجب قانون الحد من التضخم، حصدت الولايات المتحدة فوائد كثيرة من التصنيع الأخضر. وشهدت البلاد استثمارات قياسية في الطاقة النظيفة قدرها 71 مليار دولار في الأشهر الثلاثة من العام الجاري، بزيادة قدرها 40% مقارنة بالربع الأول من عام 2023. وتم إيجاد وظائف جديدة في جميع أنحاء أمريكا. والتراجع الآن لن يكبح الزخم العالمي، لكنه سيحرم الأمريكيين من فوائده.

من جانبهم، كان المسؤولون الصينيون واضحين تماماً، إذ أكدوا على التزام الصين بالتحركات متعددة الأطراف وبتسريع تحولها إلى صافي انبعاثات صفري، بغض الطرف عن موقف الولايات المتحدة.

وراهنت الصين بشكل كبير على أن تكون الرائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا الخضراء، فاستثمرت 890 مليار دولار في البنية التحتية للطاقة المتجددة عام 2023 وحده.

ومع وجود قدرة إنتاج فائضة للألواح الشمسية والبطاريات في الصين، تتجاوز الطلب المحلي، فيوجد لدى الصين مصلحة كبيرة في أن تظل الدول الأخرى على مسار التصدي للتغير المناخي؛ ضماناً لأن تجد أسواقاً لصادراتها. وأي خسارة للولايات المتحدة في أي من هذه القطاعات الاستراتيجية لن تعود بالنفع إلا على الصين وغيرها.

وتوجد أيضاً لدى أوروبا مصالح استراتيجية في تعزيز جهودها الخاصة في هذا الشأن. ويعد التحول إلى صافي انبعاثات صفري حاسماً، ليس فقط بالنسبة لأمن الطاقة للقارة الأوروبية، وإنما أيضاً لتنافسيتها الاقتصادية على المدى الطويل.

والمنافسة في التقنيات الخضراء ليست لعبة ذات محصلة صفرية، فالتعاون متعدد الأطراف أكثر ضرورة من أي وقت مضى. فلا يمكن لبلد أو تكتل معالجة التغير المناخي بمفرده، كما أن عقلية «كل بلد بمفرده» التي يتبناها الرئيس المنتخب لا تقدم أي حلول حقيقية.

وتتفاوض الدول في «كوب 29»، على هدف تمويل مناخي جديد، وهو أمر ضروري لتمكين الدول النامية من زيادة طموحاتها المناخية. وسيكون تحقيق انفراجة أصعب في غياب القيادة الأمريكية، ولكنه أبعد ما يكون عن المستحيل.

ويجب على كل الدول التي تستطيع المساعدة أن تزيد التزاماتها بالتمويل العام، وأن تلح في التعامل مع أزمة الديون وخفض تكاليف رأس المال الخاص. وسيضمن هذا للدول النامية توفر التمويل الميسور لدعم أهدافها للتنمية الخضراء.

ويجب ألا تقتصر التعددية على الحكومات فقط. ففي عام 2017 ظهرت حركة شاركت فيها مدن وولايات وشركات أمريكية لتأييد العمل المناخي، متحدية ترامب تحت شعار «ما زلنا مشاركين» (رداً على الانسحاب من اتفاقية باريس).

واليوم، يمثل الائتلاف الأمريكي المنخرط كلياً في العمل المناخي 65% من تعداد سكان للولايات المتحدة و68% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وعلى الصعيد العالمي، توجد شبكة متزايدة من الفاعلين الطموحين تحت مظلات حكومية، وهم بمثابة شبكة أمان حيوية عندما تخفق الحكومات في بذل الجهود.

لذا، يجب أن يدفعنا انسحاب الولايات المتحدة المحتمل، رسمياً، إلى الاعتراف بدور هؤلاء الأطراف الفاعلين ومنحهم صوتاً رسمياً في المحافل الدولية التي تناقش التغير المناخي.

إذن، لا داعي للهلع بالمرة، فقد آن أوان العزم. وقد توقع الخبراء والناشطون في مجال المناخ حدوث هذا، ولم نصدم كما صدمنا عام 2016. نحن على أتم الاستعداد، ونحن نملك منطقاً اقتصادياً سليماً، وكتلة حرجة من الدول الداعمة، ودعماً شعبياً واسعاً. وعليه، فلنحافظ على هدوئنا، ولنواصل العمل.