سيرتان ذاتيتان لشخصيتين أوروبيتين عالجتهما السينما، وعرضت فصولاً من حياتهما في «برلين السينمائي»: الشاعر الألماني الشهير شيلر، والمصمم الفرنسي الشهير سان لوران. وعلى الرغم من اختلاف الحقبة التاريخية التي عاش فيها كل واحد منهما، واختلاف صنعتهما، فإن ما يجمعهما قصة حياة لا تخلو من الشغف الذي تحبه شاشات السينما والجمهور.
فصول غير مروية
شكّل فيلم «بيلوفد سيترز» Beloved sisters الذي تناول فصولاً من سيرة حياة الشاعر والفيلسوف الألماني فريدريش شيلر، صدمة لمحبي هذه الشخصية التي تعتبر من الشخصيات التاريخية الرئيسة في تاريخ الأدب الألماني. ولم يكن يعلم كثير من الذين توافدوا على عرض الفيلم الذي ينافس على جائزة «الدب الذهبي»، أن الشاعر الذي تزوج في عمر التاسعة والعشرين شارلوت فون لينقفيلد، وأنجب منها أربعة أولاد، ربطته في واقع الأمر علاقة غرامية متينة بأختها كارولينا، بل إن الثلاثة، أي الشاعر والأختين، كانوا قد أبرموا اتفاقاً على العيش معاً، في علاقة «ثالوث» غرامي!
ويوهان كريستوف فريدريش فون شيلر هو الشاعر والمسرحي الكلاسيكي والفيلسوف والمؤرخ الألماني الذي يعتبر هو وجوته مؤسسي الحركة الكلاسيكية في الأدب الألماني، ويعتبر من الشخصيات الرئيسة في التاريخ الأدبي الألماني، إلا أنه من النادر أن تروى سيرة حياته الكاملة على هذا النحو.
وتميز الفيلم الذي أخرجه دومينيك غراف بأداء قوي للشخصيات الثلاثة الأساسية هانا هيرزبرينغ وفلوريان ستيلير وهينريت كونفيريوس، ابتداء من لقاء الثلاثة عام 1788، إذ كان الشاعر لا يزال يشق طريقه في عالم الشهرة، وإقامته على مقربة من بيت الأختين الصيفي، وصولاً إلى السنوات القليلة التي سبقت موته عن عمر مبكر، عام 1805.
تجارب إنسانية
وفي تلك الفترة ازداد اهتمام شيلر بالتاريخ الذي يعتبر المنبع الحقيقي للتجارب الإنسانية. ومن كتابات شيلر التاريخية: تاريخ سقوط الأراضي الواطئة من الاحتلال الإسباني. وقد أصبح أستاذاً للتاريخ في جامعة يينا عام 1787، وذلك بتوصية خاصة من جوته. وكانت محاضرته الأولى بعنوان «ما المعنى والهدف من دراسة التاريخ العالمي؟». وكان مشهد إلقائه لهذه المناظرة من أكثر المشاهد تأثيراً في الفيلم الذي استغل المخرج سياقه التاريخي، لكي يوجه رسالة عن ألمانيا في كل العصور على لسان الشاعر، مفادها «ألمانيا لا تنهض إلا بالحب والجمال».
وكان شيلر وسط الأزمات المادية التي تلاحقه، يريد أن يستقر مادياً، ليتفرغ لأعماله، فارتحل إلى فايمار، بعد أن دعاه الدوق إلى المجيء إليها في عام 1784. وفي فايمار التقى شيلر بجوته الذي ربطت بينهما صداقة عميقة، كانت من أشهر الصداقات في التاريخ الأدبي. ولا يظهر غوته في الفيلم، وإنما يشار إليه في سياق الحوارات أكثر من مرة، لكونه الشخصية الملهمة بالنسبة إلى الشاعر الشاب.
النسخة غير المرخصة
يبدو أن أيقونة الموضة المصمم الراحل إيف سان لوران سيشغل الصالات السينمائية أكثر من عام، عبر فيلمين يتناولان سيرة حياته، أحدهما عُرض في «برلين السينمائي»، والآخر ربما يجد مكاناً لعرضه الأول في «كان» المقبل بحسب ما تناقلت الأنباء. النسخة الأولى للفرنسي من أم جزائرية جليل ليسبريه، وهي نسخة «غير مرخصة»، بمعنى أن المقربين من لوران لم يبدوا موافقتهم عليها، أما الثانية فهي بمباركة صديق لوران المقرب بيار بيرجيه.
وبعد مضي أكثر من ست سنوات على رحيل المصمم الذي كان واحداً من الذين غيّروا صناعة موضة «الهوت كوتور» النسائية تحديداً في العالم، لا يزال اسمه قادراً على جذب محبي الموضة، وأفلام السير الذاتية، إلى الصالات، بسهولة.
في «إيف سان لوران» نسخة جليل ليسبريه الذي عرض في صالات فرنسا الشهر الماضي، قبل أن يجد طريقه إلى العرض ضمن برنامج «بانوراما» في برلين هذا العام، الكثير من الإيقاع الذي يشبه إيقاع مسلسلات الدراما التي يتخصص فيها المخرج أيضاً، من دون أن يشي ذلك بتقليل من شأن المجهود السينمائي الكبير الذي يتجسد بأداء الممثلين والسينماتوغرافيا.
يصعب، فعلاً، الاستيعاب كيف تمكّن الممثل بيير نيني من أن «يستنسخ» لوران، على هذا الشكل، في مراحل حياته المختلفة من الرجل الذي يناضل لكي يجد مكاناً لأفكاره في عالم الموضة سنة 1957 إلى الرجل الأيقونة عام 1976، كل شيء: الصوت، طريقة المشي، ردود الأفعال، كلها أجادها نيني بشكل لافت.
ويبدأ الفيلم من أول عرض منفرد قدّمه سان لوران في حياته، إذ التقى خلاله السيدة بيرجيه (دور مهم أدته غويوم غاليان) التي تتميز بخصالها الذكورية، في الوقت المعروف عن لوران «أنثويته»، وهو الأمر الذي جعلهما، ربما، يتعلقان ببعض، في رحلة من الدعم النفسي والتجاري الذي قدمته بيرجيه للمصمم.
ويُظهر الفيلم شخصيات معروفة في عالم الموضة والفن والسياسة عاصرت لوران في فترات من حياته، كما جون كوكتو، أندي ورهول وكارل لاغرفيلد، إلا أن الممثلين الذين أدوا أدوار هذه الشخصيات، تفاوت أداؤهم بين الجيد وغير المتمكن. بينما أدت لورا سميت دورها باقتدار، بوصفها الصورة الملهمة للمصمم.
مساعدات لوجستية
النسخة الأخرى من قصة حياة «سان لوران» مرشحة بقوة لأن تعرض في دورة «مهرجان كان السينمائي الدولي» العام المقبل، مدعومة بالمساعدات اللوجستية السخية التي قدمها رفيق لوران، وشريكه التجاري المقرب على مدى عقود بيار بيرجيه الذي لا يزال في عمر 83 قوياً، لكي يدعم بقوة النسخة المشروعة لقصة حياة رفيقه التي يخرجها بيرترون بونيلو، ويقوم بدور المصمم الشهير هذه المرة غاسبارد أوليار.