ظهر يوسف زيدان في مهرجان «التويزا» المغربي كمن أصابته لوثة، وسط ضحكات جمهور، وهو ما لا يعبر عن رصانة ثقافية، وبدا الروائي، أو من يقدم نفسه كذلك وسط كرنفال التفاهة، يؤصل لادعاءاته.
القارئون للتاريخ والمشتغلون في ميادينه يعرفون أن أول شروطه تقصي الدقة في أقصى حالاتها، والابتعاد عن العواطف والمزاج والأباطيل اللحظية التي تعمي القراءة الحصيفة، وزيدان كثيراً ما شرد في أكثر من واقعة تحركه هلوساته بعيداً عن الموثوقية.
«المركزية» التي يحاول الترويج لها من خلال فكره لا تخلو من شعبوية مغرضة وشوفينية، ابتعدت عن الرصانة العلمية والأدبية والأخلاقية، وتجاوزت ماهو متوخى من كاتب وحامل لرسالة تنويرية، في كلامه ساق الحضارة إلى «سُرة» الجغرافيا العربية، أو ما أسماه «الوسط»، وألغى ما سوى ذلك، مؤصلاً لنظرية عفا عليها الزمن، تنحاز للمركز في مقابل «الهامش» و«الأطراف»، وهي نظرية لا تخدم المعطى الحضاري، وتحمل الكثير من الإقصاء غير الموضوعي.
ليس دفاعاً عن الجزيرة العربية، ولكن دفاعاً عن الحقيقة، معطياتك كانت أقرب للتهكم، وبدوت كمهرج يستجدي الضحكات، أكثر منه إلى كاتب على منصة ثقافية للحديث في شأن ثقافي يقدم فيه معلومات مؤصلة.
فما هي «الحضارة» وما هي مفاهيمها، بالنسبة لك، إن كانت تعريفاتها المبدئية المُبسطة تراها «نظاماً اجتماعياً يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي»، والثقافة العربية في إشراقها التاريخي بدأت من هناك، من البادية العربية، التي لم تر في بدوها سوى «سراق إبل»!! وموروثنا العظيم، الذي نهلت منه، لم يكن سوى صدى لحداء تلك الإبل، وهي تميس على أديم تلك الرمال.
وما هي الثقافة أيضاً، حين كنت شكلانياً في فهمك لكليهما، ولم تعتبر أن القيم والموروث الثقافي أول شروط الحضارة.