تحرص «البيان» على المشاركة الفاعلة في المحافل والمناسبات الوطنية، وتسهم في توثيق الإنجازات المحلية التي من شأنها تعزيز مكانة الدولة في كافة المجالات.
ومن هذا المنطلق تشارك في رعاية المعرض السنوي الذي تقيمه جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في دورته الخامسة والثلاثين، وتم افتتاحه في 24 يناير الماضي، إذ يمثل المعرض نافذة على المنتج الفني الإماراتي والمحلي، الذي وثق من خلال مسيرته تاريخ الحركة التشكيلية في الدولة.
وتضيء «البيان» من خلال نشر مجموعة من المقابلات مع رواد الحركة التشكيلية في الإمارات، على تجارب هؤلاء بموازاة التعريف بالبدايات والتحديات في هذا الحقل، وذلك في محاولة لإظهار التطور الذي شهدته الحركة التشكيلية منذ تأسيس الدولة وحتى الآن، وسنخصص هذه الصفحة لنشر عشرة حوارات متتالية، سيتم جمعها لاحقاً في كتاب خاص، بالتعاون مع الجمعية.
برز شغف عبدالرحيم سالم بالفن منذ نعومة أظفاره، ومن ثم تابع تطوير ملكاته في المجال وصقل خبراته بالممارسة والدراسة، حتى حجز مكانة مهمة له في هذه العوالم، وهو ما قاده، لاحقا، إلى وضع أول منهج أكاديمي لتعليم الرسم في المدارس، ليوفر بهذا ترسيخ لبنة الإبداع والتطوير الأولى لدى الطلبة. كما إنه يواصل تعليم وتثقيف جيل الشباب في حقل الفنون، ولا يتردد في تقديم النصيحة المناسبة لهم.
عبدالرحيم سالم، الذي عاد إلى وطنه الإمارات بعد أن عاش في البحرين حتى وصل إلى المرحلة الثانوية في دراسته، كان من بين عدد قليل من الموهوبين شكلوا أول دفعة مبتعثين لدراسة الفنون، وذلك في سبعينيات القرن الفائت، حيث سافر بعدها إلى القاهرة لدراسة الفن التشكيلي.
«البيان» حاورت عبدالرحيم سالم، أحد رواد الفن التشكيلي في الإمارات، في لقاء خاص بمنزله بمنطقة محيصنة بدبي ضمن مرسمه المملوء باللوحات والألوان والكتب والمجلات القديمة، إذ فتح لنا في حديثه خزانة الذكريات، ساردا قصصا كثيرة عن الفن في الإمارات وملامح ومحطات تجربته.
مؤكدا أن قصص التراث وحكايات وأساطير المجتمع مثلت مصدرا مهما للوحاته وعنوانا لشغفه لما لذلك من قيمة، حيث أشار إلى أن «روح مهيرة»، الشخصية الخيالية، التي تقول الأسطورة إنها كانت تعيش في الشارقة خلال خمسينيات القرن الماضي، تسكن أعماله، من خلال عرض حكاياتها في لوحات لافتة.
يتطرق سالم في استهلال استعراضه لمراحل تطور تجربته، إلى مرحلة دراسته الأكاديمية في مصر ومراحل نضوجه الفني: في البداية كنت أشارك في المسابقات المدرسية وأحصل على الجوائز التي تشجعني على الاستمرار.
إضافة إلى دور جدتي والتي كانت بمثابة الداعم والعين الناقدة لمنتجي الإبداعي، فقد امتلكت حساً فنياً وجهني في رسوماتي عندما كنت صغيراً، وكنت أعرض عليها باستمرار رسوماتي لتقترح بأن أضيف شجرة أو منزلا لتكتمل اللوحة. لم تكن تستوعب فكرة العمل الفني بمفهومه الآن، ولكن كانت تنظر بمنظور شكلي للرسمة، وهو ما كان يشجعني ويحمسني أكثر على دلف هذا المجال بثقة.
ويتابع سالم: بدأت الرسم من عمر 12 سنة..وعندما استشعرت بروز موهبتي فضلت الدخول إلى الفن فتوجهت إلى القاهرة، وكنت حينها ضمن أكبر بعثة ترتحل إلى مصر لتنهل من معينها الفني، ذلك برفقة الرواد مجموعة رواد..
وقد درست برفقة نجاة مكي مجال النحت. وحين عدنا إلى الدولة عقب التخرج كان الفنان د. محمد يوسف وعصام شريدة قد وضعا قواعد تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وكانت لقاءاتنا من خلال مسرح الشارقة.
1981
يحكي الفنان عن المعرض الأول له ولزملائه..وطبيعة فكرته: كانت الفكرة بأن نأخذ شهادات من الناس على أعمالنا بعد الشهادات الأكاديمية، وكان في عام 1981 بعنوان «المعرض الأكاديمي».
واستضفنا من خلاله اتحاد التشكيليين العرب، أي مزجنا بين المؤتمر والمعرض في آن واحد والذي كان يضم نخبة من الفنانين الأوائل، مثل:إبراهيم مصطفى وعبدالرحمن زينل ومنى الخاجة وعبيد سرور ومحمد يوسف ونجاة مكي، وقد كان مقر الجمعية إلى جانب المستشفى الكويتي القديم في الشارقة.
وكنا نحصل على الكراسي والطاولات من مجموعة من المساهمين والداعمين للحركة الفنية، حتى تكفل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتقديم مبلغ سنوي ليصرف على نشاطات الجمعية.
ومن ثم توجهنا إلى تنفيذ نشاط تعليمي للشباب ممن يهتمون بالفن والرسم ونظمنا نشاطا تعريفيا آخر من خلال تنظيم محاضرات في الأندية والمؤسسات، إضافة إلى مشاركاتنا باسم الدولة عن طريق وزارة الثقافة والإعلام في ذلك الوقت، للمعارض الخارجية، وبينها: معرض الكويت وبينالي القاهرة.
35
ويتحدث عبدالرحيم سالم عن أول معرض نظم تحت مظلة الجمعية على مستوى الدولة مبينا أنه كان معرضا أقيم في اكسبو بالشارقة، وتزامن مع قيام اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة بتنظيم للمعرض الاول للكتاب في الدولة، ليكون المعرض التشكيلي إلى جانب معرض الكتاب.
إذ كان الثيمة الأساسية للفعالية وأقيم معرض الكتاب على هامشه، ثم تم الانفصال والاستمرار بإطلاق المعارض الفنية على مدار سنوات، إلى أن وصل العدد الآن 35 سنة: 35 معرضاً.
ويعود سالم بنا للحديث عن تخصصه الأكاديمي ومرحلة الدراسة في مصر، ليقول: كانت لدي القدرة على الرسم بالرصاص وبالألوان، ففكرت بأن أضيف ما هو جديد فدرست النحت وتم تقسيم النحت إلى قسمين: النحت الدائري والآخر بالميداليات أو العملة، حيث ركزت على النحت ثم رجعت للوحة وكان أن محور موضوعاتي التي طرحتها فيما بعد أجبرني للانتقال إلى اللوحة.
وعند التخرج فضلت بأن تكون لي تجربتي ذات خصوصية مختلفة، فبدأت أنهل موضوعات لوحاتي من الكتب القديمة التي لها علاقة بالأساطير والقصص «الخراريف»، كالسحر وغيره، ذلك لمدة 3 سنوات، ولم أتوقف عن العمل وكنت أنتج أعمالا وخزفا إلى جانب انشغالي بقراءة المواضيع المتعلقة بالسحر والجان وكنت في مرحلة بحث ومعرفة عميقة لاكتشاف هذا العالم لربطه إبداعياً مع الفن.
تجربة التدريس
تدرج عبدالرحيم سالم في التدريس، وفي مستهل تجربته العملية التحق بمركز الخزف في الشارقة بمدرسة العروبة، وعقبها انتقل إلى مركز تدريب أسسه عبيد الهاجري، تابع لوزارة التربية، وعمل فيه ضمن مجموعة موظفين، وكان محمد يوسف المشرف على المركز قبل عبدالرحيم سالم والذي ترك المركز فيما بعد وتحول إلى التدريس لمدة 3 سنوات.
وبعدها عمل في المنطقة التعليمية بدبي لمدة 3 سنوات بقسم الأنشطة الطلابية والمعارض والمسابقات، ثم انتقل إلى وزارة التربية كرئيس لقسم للفنون.. ثم انتقل إلى إدارة المسرح، ورجع لإدارة المناهج واستمر في العمل إلى أن تقاعد. وفي تلك الفترة عكف على تأليف كتب للرسم مخصصة للطلبة، بالتعاون مع مجموعة من الفنانين.
ويقول في هذا الشأن: «كان مدرس الرسم يعمل بمجهودات شخصية، لذلك تم تصميم منهج يبدأ من الصف الأول يتعلم فيه الطلاب الأشكال.. ثم مرحله التلوين والتثقيف.. تلك الحقبة كانت من أجمل وأمتع المراحل في حياتي».
حسن شريف.. رفيق الإبداع والحياة
لا تجد حديث عبدالرحيم سالم تقليدياً حين يصل إلى استعراض طبيعة العلاقة التي ربطته بالفنان الراحل حسن شريف. إذ يبدو كلامه مملوءاً بالشجن والحنين والجمال حين ذاك، بينما يسرد طبيعة علاقتهما ورفقتهما. إذ يقول: ربطتنا علاقة عميقة، في الإبداع والحياة، وكان لدينا هاجس التغيير من ناحية الطرح والتفكير بالنسبة للعمل الفني.
لذلك زرنا الكثير من المؤسسات والنوادي لإلقاء المحاضرات الفنية، وكان انطلاقنا بعد افتتاح الجمعية لعمل جديد، ألا وهو زيارة الأماكن العامة والالتصاق بفكر وحكايات المجتمع لنغير العقلية والمفاهيم السائدة في التعاطي مع العمل الفني، فبدأنا من المرسم الذي كان في بيت المدفع بسوق الشارقة.
حيث كنا نجتمع ليلاً للاتفاق على عمل معرض في اليوم التالي: معرض اليوم الواحد، حيث كان يفتتح المعرض أحد الأشخاص المارين بالقرب من المكان بالمصادفة، وقد يكون عاملاً أو سائقاً.. كانت الفكرة هي تسويق الفن عبر «الصدمة»، وهو ما كان يحتاج إليه الجمهور في تلك الفترة.
ونظراً لرغبة حسن شريف بأن يكون عبدالرحيم على نفس خطه الفني، برزت نقاط عدة أدت إلى تمايز وتباين خياراتهما الفنية بعد أن كانا يمثلان توأمة فنية.
حيث رفض الآخر «سالم» أن يكون نسخه كربونية من حسن وهو يمتلك أفكاره الخاصة ورؤيته الفنية المختلفة، ولكن ذلك التلاحم الإبداعي أثمر نقاشات وحوارات أسبوعية في الجمعية، ساهمت في رفد الشباب بمعارف مختلفة في نظريات الفن ومدارسه المختلفة.
مجلة تشكيل
يقول سالم عن مجلة «تشكيل» التي كان يترجم فيها بعض المقالات الأجنبية.. ويتعاون فيها مع حسن شريف: بدأت «تشكيل» في عام 1993.
وكانت في البداية نشرة تتكون من صفحتين فقط وبالأبيض والأسود، وهي تجميع صور وأخبار تكتب بالآلة الكاتبة وبمجهودات ذاتية، وعمل على إخراجها حسن شريف وحسين شريف لفترة، وفيما بعد تلقينا الدعم لاستمرارها، وقد توقفت عن النشر عدة مرات لأسباب مادية وأحياناً لعدم وجود محررين، ومن ثم انتقلنا نقلة جيدة وكانت توزع على عدة دول مجاناً، وذلك قبل أن تتوقف مرة أخرى.
ويشدد عبدالرحيم سالم على التجربة المهمة لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية التي أسست للبينالي، وذلك بعد استضافة عدة دول خليجية وأجنبية من خلال معرض سنوي وهو «المعرض العام»، إذ كان هناك تكريم لفنان عربي وخليجي وإماراتي.
ومن ثم البينالي الذي كان بمجهودات شخصية ويستقطب من خلاله الفنانون العرب الموجودون في أوروبا مع الدعوة لبعض الدول للمشاركة. ثم اقتُرح بأن يكون كل سنتين.
أعمال تنبض بالتساؤلات وعوالم الـ«خراريف»
مثّل الاشتغال الفني على الخيال المنسوج حول قصص و«خراريف» المجتمع هاجساً فنياً لدى عبد الرحيم سالم، انتقل معه إلى مرحلة إبداع جديدة، إذ يقول إنه سمع من جدته بالمصادفة عن قصة «مهيرة». ويضيف: «ارتأيت الاشتغال الفني على الخيال الشعبي عبر «مهيرة» الساحرة، وهي شخصية خيالية تقول الأسطورة إنها كانت تعيش في الشارقة خلال الخمسينيات من القرن الماضي..
تلك القصة أوقدت في مخيلتي ودواخلي مشاعل الإبداع، وأصبحت مهيرة جزءاً من تفكيري وعملي لدرجة أني أقمت لها معرضاً شخصياً سنة 1993، وفتحت أمامي آفاق رؤى جديدة».
ويضيف «كنت أرسم جزءاً من جسم مهيرة، وانتقلت إلى استخدام الباستيل عبر رسم كتل الجسم، ثم أصبحت أجردها أكثر، وتحولت اللوحة عندي إلى ألوان وفيها رموز «مهيرة».. إلى أن وصلت إلى تكوينات لونية دون أي رمز.
«فن الصدمة» الإيجابية وتجديد المفاهيم
سعى عبدالرحيم سالم إلى التجديد في اللوحة، عبر التجريب والبحث الفني. ويوضح أن رؤيته الفلسفية للفن ارتكزت في الأساس الى ما يعرف بـ«الصدمة الإيجابية» لدى المتلقي لإثارة عقله عبر أعمال جديدة لم يعتدها.
ويستشهد هنا بـ«فن الصدمة»: شاركت مع الفنان الراحل حسن شريف في معرض داخل السوق المركزي في الشارقة، هو عبارة عن عمل تركيبي يتكون من مجموعة من الصخور البحرية تم رصها في مدخل السوق، وكان هدفنا رصد ردود أفعال الناس اتجاه هذه الفكرة.
وجلسنا للتصوير والمراقبة ومشاهدة المارة لتسجيل ردود أفعالهم، ولم يلتفت ويتأثر بالعمل سوى الأطفال.. ويفسر سالم السبب بأن عقلية الناس ارتبطت بمشاغلها واحتياجاتها التقليدية الخاصة. ويستطرد: لذلك كنا بحاجة إلى خلق صدمة ودهشة داخل عقول الناس لجذبهم للتعرف على الفن.