عبرت دبي عن نهضتها بطفرة عمرانية هائلة، أدخلت ناطحات السحاب بالمفهوم العالمي إلى المنطقة، وتجاوبت مع مقتضيات العصر، وواكبت مستجداته، مستفيدة مما وفرته من بنية تحتية راسخة وواسعة، وقد تميزت النهضة العمرانية في دبي بتشديدها على اتباع أفضل المعايير والممارسات العالمية، كما حرصت على توظيف أهم الأفكار والأساليب المعمارية، مما جعل من كل ناطحة سحاب فيها أيقونة معمارية، وأعجوبة علمية، ولكن دبي التي ترنو إلى المستقبل، وإلى بناء نمط حياة عالمي فريد ومعاصر، كان في جعبتها ما هو أكثر من ذلك؛ إذ أطلقت قدراتها باتجاه بناء نوع جديد من ناطحات السحاب، التي كانت هذه المرة ناطحات سحاب معرفية وثقافية، وصروحاً للفنون وعلوم المستقبل، ووظفت القدرات والطاقات نحو بناء المكتبات والمتاحف، وإعادة تأهيل ما كان موجوداً منها، ورافق الإمارة في عبر مسيرتها الطويلة، ومنذ انطلاقة نهضتها الزاهرة.
ويمكن للمرء أن يلاحظ الحراك الثقافي والفني، والأنشطة التي تنتسب إلى حقول المعرفة، وفنون الحياة المعاصرة، وتحول الإمارة إلى مركز عالمي في غير مجال من المجالات الإبداعية، ومثل ذلك الصروح العظمى مثل «مكتبة محمد بن راشد»، التي تحتضن واحدة من أكثر المبادرات الثقافية طموحاً، وتهدف إلى إعلاء منارة للمعرفة والثقافة والإبداع، من خلال توفير ملايين الكتب من جميع أنحاء العالم. على جانب تحفيز الشغف بالمعرفة بين جميع الأشخاص، ولا سيما فئة الشباب، مع التمسك برسالة سامية تتمثل بالحفاظ على الأدب والثقافة والإرث العربي.
ويشكل متحف الشندغة، أكبر متحف تراثي مفتوح في الإمارات، متحفاً تراثياً بطابع عالمي، فريداً من نوعه، يربط الإماراتيين والمقيمين والزوار بالتراث الإماراتي الغنيّ، و يبرز العلاقة الوثيقة بين تاريخ الدولة و ثقافتها المعاصرة، عبر مرافقه التي تضم مجموعة من المنازل التراثية الواقعة على ضفاف خور دبي، تروي تاريخ الإمارة وتبرز ثقافتها وتراثها العريق الذي تحييه من خلال طيف واسع من الحرف التقليدية والأنشطة التجارية التي كانت سائدة قديماً. ويوفر المتحف تجارب ثقافية متنوعة ومبتكرة للسائحين، وأنشطة ثقافية متنوعة لجميع أفراد الأسرة ضمن مرافق ذات جودة عالية.
وهنا، في المجال الفني، تبرز «دبي أوبرا»، التي تعد تحفة معمارية وصرحاً فنياً وثقافياً، يوفر مساحة لاحتضان مختلف العروض الترفيهية والثقافية والموسيقية العالمية، بما فيها المسرحيات، والأوبرا، والباليه، والأوركسترا، والحفلات الغنائية، وعروض الأزياء، والمؤتمرات، والمعارض الفنية، والمحاضرات، أو حتى المناسبات الاجتماعية المختلفة.
مبادرات
هذا إضافة إلى المبادرات الاستثنائية، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، من مثل «تحدي القراءة العربي» أكبر مشروع عربي لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي، باعتبار أن ذلك غرس لأسس التقدم والتفوق لبلداننا.
هذا إلى جانب، مبادرة «نوابغ العرب»، التي تمثل أكبر حراكٍ علمي في العالم العربي بميزانية قدرها 100 مليون درهم، لاكتشاف واستقطاب النوابغ المتميزين في العالم العربي، من أصحاب المواهب الاستثنائية من العلماء والمفكرين والمخترعين والمبتكرين المتميزين والمبدعين في شتى المجالات، ورعايتهم وتمكينهم وتطوير أفكارهم بالتعاون مع أفضل الشركاء العالميين، وتعظيم أثرهم الإيجابي في المنطقة.
ولا تنسى في هذا السياق، مبادرة «مليون مبرمج عربي»، التي تعمل على تطوير المهارات الرقمية لدى الشباب العربي، بما يضمن استعدادهم للمستقبل وتهيئة الجيل المقبل من خبراء التقنية.
وتحقق المبادرة ذلك من خلال منصة رقمية توفر دورات برمجة عبر الإنترنت وهي متاحة للشباب العربي كافة في جميع أنحاء العالم. وهي، كذلك، الأكبر من نوعها في العالم العربي، وتمثل قوة دافعة للابتكار التقني وتحتضن المواهب التي ستتولى قيادة تنمية المجتمعات والاقتصادات التقنية.
إن الحراك الثقافي والفني الذي تشهده دبي، والطموحات التي تمثلها استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي، والصروح الثقافية والمعرفية الكبرى، والمبادرات المتنوعة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، هي بحق ناطحات سحاب ثقافية ومعرفية، تعلو وتتسامى في دبي بسرعات قياسية، تدل على العزيمة والإرادة، وحكمة القيادة الرشيدة، في تدبر نظرة مستقبلية، تجعل من دبي قبلة للمنطقة في الثقافة والفنون والمعرفة، ومثالاً عالمياً على الإنجاز في هذه المجالات.