الأثمان الخيالية للوحات الفنية العالمية.. خفايا وحكايات

ليلى جمعة
ليلى جمعة
ناصر أبو عفرا
ناصر أبو عفرا
 محمد يوسف
محمد يوسف
 نجاة مكي
نجاة مكي

لوحة بيضاء لا تحوي أي إضافات، وأخرى فارغة علقت بها موزة، وثالثة تبدو كخربشات طفل بأقلام ملونة، وأرقام فلكية تحيِّر العقول، هي أسعار تلك اللوحات الفنية في مزادات عالمية، يقبل عليها رواد الفن التشكيلي ومحبوه.

«البيان» استطلعت آراء فنانين بارزين عن تلك الظاهرة الغريبة، حيث أكد الفنان التشكيلي الدكتور محمد يوسف، رئيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، أن قضية اللوحات الفنية الغريبة، التي تباع في مزادات عالمية بأسعار باهظة لا تشكِّل ظاهرة جديدة، مشيراً إلى أن الأمر يرجع إلى الحداثة وما بعد الحداثة، وأن تلك الأعمال الفنية لها مريدوها.

وأوضح أن من يقبل على شراء عمل فني كهذا لا يهدف من وراء ذلك إلى اقتناء العمل الفني ذاته بقدر ما يعنيه أن يحتفظ بلحظة تنفيذ العمل والفكرة، التي دارت في عقل الفنان، لافتاً إلى أن الثبات عند ما أنتجه عصر النهضة وما بعد النهضة من إبداعات يحول دون التطور الفني، الذي تفرضه طبيعة الحياة.

وأشار إلى أن العمل الفني ليس مجرد لوحة ذات إطار ملطخة بالألوان، بل أصبح إبداعاً، من شأنه التفكير خارج الصندوق، مؤكداً أن من متذوقي الفن من لا يزال كلاسيكياً يبحث عن اللوحة المتكاملة في جميع عناصرها، سواء أكانت واقعية أم غير ذلك.

فكرة نادرة

وأضاف أن الفريق الذي يميل إلى الغرابة في الإبداع الفني تجذبه الفكرة النادرة نوعاً، التي لا تشبه نظيرتها، موضحاً أن تاريخ هذا الأسلوب يرجع إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ إذ ابتدأه الرسام الإسباني سلفادور دالي مع ظهور المدرستين الدادائية والمفاهيمية.

ورأى ضرورة العودة إلى الإبداع الفني، الذي يتوسط بين السهولة المفرطة في الوضوح وبين الغرابة الموغلة في الغموض، مبيناً أن ثمة صراعاً محتدماً بين المدارس الفنية ذات الفلسفات المتباينة.

وأرجع غلاء قيمة اللوحات الفنية إلى أحد أمرين: صراع بعض الغاليريهات، التي تسعى لرفع أسعارها طمعاً في تحصيل نسب عالية من المكاسب، وشهرة الفنان التي قد تكسب أعماله الفنية القديمة رقماً كبيراً في سوق الفن، منوهاً بالتجربة، التي يطبقها اليابانيون بادخار اللوحات الفنية في البنوك بوصفها رأس مال لا تترتب عليه ضرائب.

قيم ومضامين

من جانبها، أكدت الفنانة التشكيلية الدكتورة، نجاة مكي، أنه ليس بالإمكان الحكم على تلك اللوحات الفنية الغريبة بأنها لا تساوي قيمتها المكتسبة في المزادات العالمية، مشيرة إلى أنها لو لم تكن من إبداع فنان حقيقي يمتلك موهبة عريقة لما حققت الشهرة التي نالتها والمكانة، التي حظيت بها في نظر المهتمين بالفن التشكيلي.

وأوضحت أن كل اللوحات التي رسمها فنانون كبار، عرباً كانوا أو أجانب، تشتمل بلا شك على قيم فنية ومضامين تؤهلها لأن يصل سعرها إلى ملايين الدولارات، لافتة إلى الوعي الذي بات يتمتع به المتلقي، ويعصمه من أن ينفق أموالاً طائلة في اقتناء عمل فني غير جدير بالاهتمام من حيث المضمون والتكوين.

ودعت إلى عدم إغفال النظرية التي يرمي إليها الفنان من خلال عمله الفني، وأن يضع المتلقي دائماً في حسبانه أن ثمة شيئاً ما قصده المبدع من وراء إبداعه، مؤكدة أن خلف الصورة المتشكلة أمام أعيننا في اللوحة الفنية فكرة أعمق مما قد نتصور.

وحذرت من خطورة إلغاء فكر الفنان بالنظر إلى عمله على أنه شيء ساذج لا يحمل دلالة معيَّنة، موضحة أن لكل مبدع احترامه ولكل عمل قيمته، وأن لاسم الفنان وشهرته أيضاً مكانة مهمة إذا كان بالفعل قديراً، ويمتلك تاريخاً طويلاً، ولم يظهر في يوم وليلة.

وبينت أن الفنان المبدع صاحب الفلسفة العميقة ليس وليد مدة قصيرة، وأن الرسام الإسباني بابلو بيكاسو مثلاً مرّ بمراحل كثيرة لبلوغ شهرته التي استحقها، معتبرة أن ما يحدد قيمة الفنان هو الإنجاز الذي قدَّمه لوطنه وجمهوره وللإنسانية برمتها.

المعنى في نفس الفنان

من جهته رأى الفنان التشكيلي، ناصر أبو عفرا، أن كل لوحة فنية تشتمل على مجهود من أبدعها والفكرة، التي دفعته إلى تشكيلها، مؤكداً أن مضمون العمل الفني قد يكون كامناً في نفس الفنان.

وذكر أبو عفرا أنه قد يصنع لوحة فنية بمزج ألوان مختلفة معتمداً على كيفية تجانس بعضهما مع بعض، في حين يراها آخرون مجرد خطوط بلا معنى على لوحة بيضاء، موضحاً أن ثمة معاني قد ترمز إليها اللوحة على الرغم من البساطة الخادعة، التي قد تبدو بها في نظر من لا يحسن تأويلها.

ولفت إلى أن قيمة العمل الفني ترجع في كثير من الأحيان إلى المتلقي الذي قد تعني له لوحة فنية معينة ما لا تعنيه لدى غيره، مشيراً إلى أن اللوحة البيضاء مثلاً تحمل دلالات كثيرة على عكس ما يتصوره بعض المتلقِّين.

وضرب مثالاً بلوحة شديدة البساطة تشتمل على صورة طاولة ألقي فوقها كتابان ولا كراسيّ حولها وما تعنيه هذه العناصر جميعاً في رأيه الشخصي.

وأكد أن المتلقي العربي، على وجه الخصوص، لا يزال مفتقداً القدرة على قراءة العمل الفني وتحليله بصورة مُثلى في الأغلب الأعم، لافتاً إلى أنه لهذا السبب قد يُضطر إلى إضافة عنصر جاذب، يضفي على عمله الفني شيئاً من البساطة، التي يسهل التفاعل مع دلالاتها.

وكشف عن موقفه من قضية غلاء أسعار اللوحات الفنية الغريبة والغامضة التي قد تبدو كأنها ساذجة المضمون، معتبراً أن الفنان ليس تاجراً، وإنما يحدد سعر لوحته بناء على جهده وفكرته، التي عانى في التعبير عنها، وأن مِن محبي الفن مَن يقدِّرون قيمة العمل الفني، ومن ثم يوافقون على شرائه بالثمن الذي ارتضاه المبدع.

وعي متطور

وأوضحت الفنانة التشكيلية، ليلى جمعة، أن الجهد الذي يبذله الفنان في التفكير قد يفوق بمراحل ما استغرقه تنفيذ العمل الفني، مشيرة إلى أن الأفكار البسيطة ربما كانت أعظم تأثيراً في نفس المتلقي من غيرها.

ورأت جمعة أنه من المفترض في العصر الراهن أن يكون منظور المجتمع قد تطور واكتسب وعياً أعمق في مجال تحليل الأعمال الفنية، داعية إلى ضرورة تكثيف الاطلاع لاكتساب مهارة فهم العمل الفني، وقراءة دلالات اللوحات التي تبدو لأول وهلة خالية من أي مضمون.

وأكدت أن ثمة جيلاً واعياً في الشباب يتميز بتلك القدرات في التلقي والتفاعل مع الإبداع على نحو صحيح، كما أن الوسط الثقافي لا يزال غنياً بأبناء الجيل القديم الذي امتلك الإدراك العالي في هذا الجانب.

ونوَّهت بما يميز المجتمع الإماراتي من وعي فني متطور قلَّ أن يوجد نظيره في غيره من المجتمعات، معتبرة أن تلك السمة هي التي تحول دون التكرار والتقليد، وتكسب الفنان تفرُّده، الذي لا يجعله نسخة من فنانين آخرين.